11/05/2012 - 06:39

في القائمة الانتخابية الواحدة والمقاطعة الشاملة/ عوض عبد الفتاح

ولكن السؤال الاكبر الذي أصبح يواجه كل النشطاء من مختلف الأحزاب هو "لماذا لا تتوحدون؟" وسيزداد السؤال بعد حكومة الوحدة الوطنية الاسرائيلية الخطيرة. ويترجم البعض غياب الجواب المُقنع والشافي في العزوف عن التصويت. والواقع أنه في ظل غياب بديل حقيقي ومُقنع فإن هذا العزوف لا يصبّ في مصلحة القوى السياسية العربية ولا في مصلحة المواطن الذي يقاطع، لأنّ عزوفه مدفوع إما باللامبالاة، أو بعدم الاعتقاد بالقدرة على التأثير، أو بالاحتجاج على الأحزاب، أو لقناعات أيديولوجية.

في القائمة الانتخابية الواحدة والمقاطعة الشاملة/ عوض عبد الفتاح

أعتقد أن هناك خيارين أساسيين ممكنان لإحداث هزة سياسية تصدم الرأي العام في إسرائيل والعالم، وتسلط الضوء مجددًا على حجم الظلم الممارس ضد عرب الداخل. الخياران هما قائمة عربية واحدة أو مقاطعة الكنيست إما بقرار تتفق عليه الأحزاب أو بسبب احتمال إقدام المؤسسة الاسرائيلية الحزبية والقضائية على شطب حزب أو أحد مرشحيه من الترشح للانتخابات.

هناك احتمالات قوية لأحد هذين الخيارين أن يُعيد تشكيل المشهد السياسي الفلسطيني داخل إسرائيل ويضع 1.2 مليون فلسطيني على عتبة مسار سياسي جديد، أو هزة سياسية تنطوي على مواجهة مع الدولة العبرية وتتفاعل تداعياتها في كل فلسطين التاريخية. (أنظر كتاب تسفي البليغ وديفيد فاكسمان – الصراع من الداخل).

التجربة السياسية العامة تدل على أن حصول متغيّر جذري في مسار شعب يحصل إما عبر مبادرة نوعية ومؤثرة، تقدم عليها النخب القائدة، أو حصول حدث دراماتيكي مفاجئ غير متوقع توقيته أو حجمه واتساع تأثيره.

ويمكن القول إن العقدين الأخيرين شهدا حدثين مميزين: الحدث الأول، هو تأسيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي عام 1995 ونجاحه في إعادة تشكيل الخطاب السياسي لعرب الداخل، وهذا جاء عبر مبادرة مخططة ومدروسة وحصل بصورة سلمية وإن كانت مسيرته قد بدأت، بعد فترة قصيرة، تتخذ طابع المواجهة الحادة بين برنامج "دولة المواطنين" الذي طرحه الحزب كنقيض أو بديل للدولة اليهودية وأيديولوجية الدولة العبرية من جهة ثانية. وهذه المواجهة لا تزال مفاعيلها قائمة.

أما الحدث الدراماتيكي الثاني، وهو الذي كان بمثابة هزة أرضية بالنسبة لعرب الداخل وللدولة العبرية، هو الهبة الشعبية البطولية العارمة داخل الخط الأخضر في أوائل أكتوبر عام 2000، والتي أسست لمسارين متصادمين بصورة حادة؛ مسار التوغل في يهودية الدولة ومسار تعزز الهوية الوطنية لعرب الداخل والإصرار على رفض يهودية الدولة باعتبارها مصدر التمييز البنيوي وينبوع الظلم الواقع على المواطنين العرب وعلى عموم الشعب الفلسطيني وخاصة اللاجئين.

هذا التقطب الحاد وغير المسبوق، جاء هذه المرة في إطار انخراط عرب الداخل في الصراع المباشر الذي تفجر في أراضي أيلول عام 2000 في القدس وبقية الأراضي المحتلة عام 67، بين دولة الاحتلال والشعب الفلسطيني.

فبعد أن كانت الدولة العبرية قد عملت بدون كلل لفصل عرب الداخل عن محيطهم العربي، وإبقائهم ضعفاء وتحت السيطرة، وقابلين بالأمر الواقع، راحت الآن تعيد تعريفهم مجددًا، كعدو داخلي أو كطابور خامس محتمل. . وتضعهم في موازنة "العدو" الفلسطيني والعربي في الخارج، بل جزء منهما.

إنّ التوغل في هذه السياسات القديمة-الجديدة، والإقدام على خطوات متلاحقة تؤكد على يهودية الدولة، لا يقتصر على الجانب المعنوي والثقافي فحسب بل في خلق وقائع فعلية على الأرض. ما معناه؛ المزيد من السرقة لأراضي وأملاك العرب، المزيد من الاستيطان، المزيد من الحصار المالي والاقتصادي، المزيد من القوانين العنصرية السافرة، بما يشبه سباق مع الزمن لحسم معركة تعتقد الدولة العبرية أنها قادمة لا محالة. إنها السياسة التي تعيد الفصل بين المجموعتين الإسرائيلية والفلسطينية بصورة أكثر وضوحًا، بحيث يتعزز ويتكرس تفوق الأولى وتتعزز دونية الثانية إلى الأبد.

تقف وراء هذه السياسة، مقولة صهيونية جديدة، وهي أن تطرّف العرب المواطنين (تماثلهم مع أعداء إسرائيل) هو المسؤول عن ذلك، ويحمل هذه المقولة اليسار واليمين الاسرائيلي والذي يستعين في مقولته من سياسة إيهود باراك – رئيس حزب العمل أثناء الانتفاضة الثانية الذي حمل الفلسطنيين فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية التي جرت برعاية إدارة بيل كلينتون.

إزاء ذلك كله، ما العمل! هل ينتظر عرب الداخل حصول تطورات دراماتيكية، أم يبادرون الى خطوات نوعية قوامها إستراتيجية عمل تحمل على كنفها الرؤية المتفق عليها من غالبية القوى السياسية، ألا وهي تحقيق العدالة والمساواة عبر نزع الطابع العنصري والكولونيالي عن دولة إسرائيل، (عن التجمع اليهودي الإسرائيلي). وهل بالإمكان القيام بخطوات متقدمة في ظل حكومة الوحدة الوطنية المفاجئة بين حزبي الليكود وكاديما، التي تحمل في جعبتها المزيد من النوايا والخطط والقوانين التي تهدّد الهوية العربية ومستقبل المواطنين العرب، فضلاً عن تهديدها للمنطقة.

مؤشر لتحوّلات نوعية؟
بعد الإعلان عن قرار تبكير الانتخابات صدرت تصريحات وأجريت اتصالات من جانب ممثلي أحزاب عربية بخصوص تحالفات انتخابية. وهناك من دعا بشكل مفاجئ وعلى خلاف تام مع توجهات حزبه (حنا سويد مثلاً) الى قائمة عربية أو ديمقراطية واحدة، وهذا مؤشر إيجابي وجديد. ومن المفترض أن تُسهّل الموافقة على قائمة واحدة النقاش حول آليات النهوض بالوضع.

هناك من يقول أن ذلك مدفوع جزئيًا بحسابات داخلية. ولكن لنفترض النيّة الطيبة لذلك، وأنا أميل للاعتقاد أن ذلك مدفوع إلى حدّ ما بالوعي بخطورة الظروف التي نعيشها كشعب، وبالتالي للحاجة للقيام بخطوات تتجاوب مع حجم هذه المخاطر.

طبعًا تستطيع الأحزاب السياسية الأساسية أن تحقق حصتها الانتخابية فيما لو خاضت الانتخابات بصورة منفصلة أي بدون تحالفات، أي كما يحصل كل مرة، ولكنها ستضطر إلى مضاعفة جهودها واستثمارها من أجل منع هبوط إضافي في نسبة التصويت. لقد أصبح واضحًا أن المواطنين العرب ينتظرون أداءً مختلفًا أو تطورًا جديدًا في كفاحهم كتحالف شامل يُعبّر عن قوة العرب الحقيقية وتعبّر عن ذاتهم الجمعية وعن حاجتهم الملحّة للخروج من المأزق الرّاهن. إن جلّ الدعاية الانتخابية التي يخوضها كل حزب، تتركز على تميزه عن غيره من الأحزاب العربية، ولكن هناك من راهن دومًا على سقوط التجمع، فكان يُفاجأ مرة تلو المرة بزيادة قوته رغم "شراسة" المعركة". فهل يتـّعظ هذا البعض من هذه النتيجة.

لا شك أن المعارك الانتخابية هي معارك سياسية ذات أهمية كبيرة. بالنسبة لقوى في دول وطنية هناك الطموح والسعي من أجل احتلال السلطة، ولكن بالنسبة لنا نحن عرب الداخل حيث الدولة ليست دولتنا بل دولة اليهود، فإن معركتنا الأساسية هي الحفاظ على هوية شعبنا ونسيجه الوطني وعلى إرادة النضال. ففي هذه المعركة الانتخابية، رغم اشتمالها على التناقض الكامن في وجودنا في الكنيست، فإنها تنطوي على عملية تثقيف سياسي وأيدلوجي مكثف لجماهيرنا. إذ يكون الناس جاهزون للإصغاء والاستماع للبرامج المختلفة، والتي تذكّر بضرورة مواصلة نضالنا ضد المؤسسة الصهيونية وأحزابها وأهمية مواجهة سياساتها ومخططاتها خاصة تلك الهادفة إلى تدمير وعينا الجمعي، وانتمائنا الوطني.

النشطاء يدخلون البيوت، ويتواصلون مع أصحابها ويطرحون عليهم البرامج، ويستمعون أيضًا إلى ملاحظاتهم وانتقاداتهم وإلى مظالمهم. إنها عملية تجديد الحيوية، وشحذ الهمم، وشحن العواطف الوطنية واستقطاب شباب جدد الى المشاركة في السياسة، في الانخراط في الشأن العام. إنها لحظة الوقوف وجهًا لوجه مع الناس مع من نمثلهم، نتفاعل معهم ويتفاعلون معنا.

ولكن السؤال الاكبر الذي أصبح يواجه كل النشطاء من مختلف الأحزاب هو "لماذا لا تتوحدون؟" وسيزداد السؤال بعد حكومة الوحدة الوطنية الاسرائيلية الخطيرة. ويترجم البعض غياب الجواب المُقنع والشافي في العزوف عن التصويت. والواقع أنه في ظل غياب بديل حقيقي ومُقنع فإن هذا العزوف لا يصبّ في مصلحة القوى السياسية العربية ولا في مصلحة المواطن الذي يقاطع، لأنّ عزوفه مدفوع إما باللامبالاة، أو بعدم الاعتقاد بالقدرة على التأثير، أو بالاحتجاج على الأحزاب، أو لقناعات أيديولوجية.

أعتقد أن اتساع هذه الظاهرة، أي العزوف عن التصويت، ليس أمرًا صحيًا بل قد يكون مضرًّا أشدّ الضرر في غياب بديل وطني وحدوي. لأن الامتناع عن التصويت، هو أيضًا فعل سياسي، ولكن الامتناع التلقائي ليس فعلاً سياسيًا. وعليه فإنه إذا كنا سنجعل هذا الامتناع فعلاً سياسيًا مؤثرًا، يجب اتخاذ قرار بذلك، وأن يكون فعلاً مبادرًا وليس تلقائيًا لا يترك تأثيرا يذكر بل يكون مضرًا.

ولكن طالما أن هناك قوى سياسية لا تزال تعارض المقاطعة وقوة أخرى لا ترى بجدوى المقاطعة بدون أسباب كافية، ناهيك عن كون الانتخابات للكنيست في قطاع كبير من العرب هي الخيط الباقي الذي يربط العرب بالمواطنة، فلا بدّ من مواجهة العزوف غير السياسي عن التصويت.. وتدارك الأمر قبل أن يتحقق العزوف التام بطريقة تدريجية وطبيعية دون حدوث زلزالٍ يهزّ المشهد السياسي.

وطالما لا يوجد بديل حتى الآن، ألا وهو برلمان عربي، حكم ذاتي ثقافي، مبلور ومنجز، أو على الأقل صيغة عمل معقولة، فالأفضل أن تطرح قائمة انتخابية واحدة، موحدة، ذات صبغة وطنية وديموقراطية في آن واحد (المقصود أن تشمل يهودًا غير صهيونيين). وهو طرح عضوي في برنامج التجمع الوطني. ويحظى بموافقة بغالبية عرب الداخل وهذا ما دلت عليه استطلاعات الرأي في السابق.

إن من شأن هذه القائمة أن تُعيد الحياة للروح الجماعية العربية في الداخل، وأن تفتح آفاقًا أرحب للتعاون الاستراتيجي، المتعلق بإعادة بناء المؤسسات العربية المشتركة التي تُجسّد الهوية الوطنية المستقلة، وتعزز في الوقت ذاته الروح الديمقراطية والإنسانية. وهذا الأمر أهمّ من زيادة عدد المقاعد الذي يمكن أن يكون نتيجة جيّدة للتعاون.

هذا بالتأكيد يمدّ الناس بالأمل، ويعزّز قناعتهم بنجاعة العمل السياسي ويزيد من انخراطهم الفعلي في الكفاح ضد نظام الأبارتهايد، وانخراطهم في بناء المجتمع العربي. وتأتي إلحاحية هذا الأمر أيضًا من كون الثورات العربية تواجه تحدّيات خطيرة ومرحلة غامضة، ما يعني أنه سيمضي وقت ليس بقليل قبل أن تكون قادرة على تشكيل ثقل معنوي مساند لنضال الشعب الفلسطيني.

وبعد أن تمّت العودة عن قرار تبكير الانتخابات فماذا نحن فاعلون. هل يتراجع البعض الذي بادر الى الاتصال لبحث التحالفات عن مبادرته، ويعود للانتظار حتى عشية الانتخابات القادمة من أجل العودة إلى فتح حديث التحالفات، أم نبادر الآن، لخوض نقاش حقيقي ومنسق حول الاستراتيجيات المطلوبة لعرب الداخل. ألا نحتاج أيضًا إلى التوقف أمام النقاش والجدل الجاري على الساحة الفلسطينية عمومًا، داخل أوساط معينة، حول الخيارات البديلة بعد الانسداد المطلق أمام القيادة الفلسطينية والقاصرة عن إنتاج بدائل مشرّفة، وأين موقعنا نحن، فلسطينيي الـ48 في هذه الخيارات أو الاستراتيجيات البديلة التي لا بدّ أن تنضج وتصبح إنجيل الأجيال القادمة.

التعليقات