20/05/2012 - 16:17

خطاب السيّد وما فوقه فضح الطابق وما تحته/ زهير أندراوس

فإنّ الصواريخ التي يمتلكها الحزب قادرة على ضرب المخابئ الموجودة تحت الأرض في المُجمّع الأكثر حساسية، ذلك أنّ المُجمّع يشمل أيضًا المركز الإستراتيجيّ لمراقبة العمليات العسكريّة وجمع المعلومات عن الأعداء، وفي حال إصابته فإنّ ذلك سيُشوش جدًا على قيادة الجيش في قيادة الحرب وإصدار الأوامر خلال الحرب.

خطاب السيّد وما فوقه فضح الطابق وما تحته/ زهير أندراوس


قبل الولوج في ملف البرنامج النوويّ الإسلاميّ، كما يحلو لحكّام دولة الاحتلال الإسرائيليّ تسميته، في محاولة لسبر أغواره، يجب التحذير من أنّ الخصوم في هذه القضية يستعملون الحرب النفسيّة، وبالتالي عندما يقول سفير واشنطن في تل أبيب، دان شابيرو، يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع، (15.05.2012) إنّ الجيش الأمريكيّ انتهى من إعداد الخطة العسكريّة لضرب برنامج إيران النوويّ، يتحتّم علينا أخذ تصريحه بشكل محدود الضمان، مع أنّه لا ضمانات ولا مصالحات مع الإمبرياليّة ووكلائها وموبقاتها، وعليه نقول إنّ سؤال المليون دولار وأكثر ما زال يُسيطر كليًا على مجريات الأحداث في العالم: هل الدولة العبرية ستُوجه ضربة عسكرية لإيران بهدف تدمير برنامجها النووي؟ الجواب على هذا السؤال بات معقدًا ومركّبًا للغاية، ويحمل في طيّاته العديد من الاحتمالات، فهناك إجماع عالميّ على أنّ خطوة من هذا القبيل ستؤدي إلى عواقب وخيمة، لا بل أبعد من ذلك، هجوم إسرائيلي على إيران، سيُشعل فتيل الحرب الشاملة، التي يُمكن معرفة بدايتها ولكن يعجز العقل البشريّ عن تحديد نتائجها، خصوصًا إذا تمّ استعمال الأسلحة غير التقليدية من قبل الأطراف، ذلك أنّه بحسب الخبراء في الشؤون الإستراتيجيّة فإنّ هذه الحرب ستُغيّر خريطة الشرق الأوسط، ولا يستبعدون محو دولٍ من الخريطة.


***
نقول ولا نفصل: في المستقبل المنظور لن تجرؤ إسرائيل، على توجيه ضربةٍ عسكريّةٍ لإيران لعدّة أسباب، يُمكن إيجازها بأنّ أمريكا تًعارض حاليًا أوْ ظاهريًا هذه الخطوة، فمنذ إقامتها في العام 1948 لم تُقْدم إسرائيل على أيّ عمل عسكريّ له تداعيات إستراتيجيّة وإقليميّة دون إبلاغ حليفاتها قبل ذلك، أوْ التشاور معهم مسبقًا، أمّا السبب الثاني فمرده أنّ صنّاع القرار في تل أبيب يختلفون في ما بينهم بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة، فحسب المصادر الرسميّة في تل أبيب فإنّ الاختلاف في وجهات النظر بين المستويين السياسي والعسكريّ، بات علنيًا، فعندما يقول رئيس الموساد السابق، مئير داغان، إنّ فكرة ضرب إيران عسكريًا هي أغبى فكرة سمع عنها في حياته، فإنّه يفعل ذلك، لعلمه بأنّ النتائج المترتبة عليها ستكون مأساوية، حسب كل المقاييس والمعايير، زد على ذلك، أننّا نميل إلى الترجيح بأنّ إسرائيل لن تلجا للخيار العسكريّ لعلمها بأنّ الردّ سيكون عنيفًا جدًا، إذ أنّ إيران وحزب الله وحماس، ومن الممكن جدًا انضمام سورية أيضًا، ستقوم بإطلاق الصواريخ بكثافة كبرى على العمق الإسرائيليّ، وستُصيب المناطق المأهولة، علاوة على إصابة الأماكن الإستراتيجيّة والحساسة، بما في ذلك الفرن الذري في ديمونا، ومع أنّ إسرائيل ما زالت متفوقة عسكريًا في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنّه بدأ يلوح في الأفق بوادر ميزان رعب جديد، وغنيٌ عن القول في هذه العُجالة، إنّ حزب الله تمكّن في الحرب العدوانيّة الثانيّة على لبنان في العام 2006 من خلق معادلةٍ جديدةٍ في المنطقة، وهي التي فرضت نفسها وبقوةٍ على الأرض بدليل أنّ المناوشات والاستفزازات من كلا الطرفين باتت في خبر كان، وهذا بحد ذاته يُعتبر إنجازًا لحزب الله وخسارة فادحة للدولة المارقة، إسرائيل.


***
ولكن على الرغم من ذلك، فإنّه على المدى الإستراتيجيّ، لا يُمكن لدولة الأكثرية اليهوديّة أن تعيش تحت مظلة قنبلةٍ نوويّةٍ إسلاميّة أوْ شيعيّةٍ، لأنها تُشكّل خطرًا وجوديًا عليها، وليس بالضرورة خطرًا عسكريًا فقط، فما يقض مضاجع حكّام تل أبيب يكمن في كون المجتمع اليهودي مجتمعًا بعيدًا كل البعد عن الاستعداد للتضحية وخوض الحرب والعيش في بيئة إقليمية تُهدده على مدار الساعة، وهذه مناسبة للتذكير بأنّ خطّة بن غوريون، لصهر أمّة إسرائيليّة، فشلت وفق كل المعايير والمقاييس، فالصراعات داخل المجتمع الإسرائيليّ ما زالت قائمة، حتى أنّها تفاقمت إلى حدٍ كبير بين العلمانيين والمتدينين (حتى اليوم لم تتمكن إسرائيل من إقرار قانون مَنْ هو اليهوديّ)، والنزاعات المتفاقمة بين اليهود المتدينين واليهود المتزمتين، كما أنّ النزاعات التاريخية بين اليهود من أصول أوروبية (الاشكناز) واليهود من أصول شرقية (السفاراديم) ما زالت تلقي بظلالها على الأجندة الاجتماعيّة والسياسيّة في إسرائيل، مضافًا إلى ذلك، يجب أن نأخذ بالحسبان قضية الارتفاع الحاد في عدد الشباب اليهود الذين يعملون كل ما في وسعهم من أجل التخلص من الخدمة العسكريّة، الأمر الذي دفع قائد هيئة الأركان العامّة في جيش الاحتلال إلى التحذير من تفاقم هذه الظاهرة وتداعياتها وإسقاطاتها، وقوله إنّ هذه القضية باتت تُشكّل خطرًا إستراتيجيًّا على إسرائيل.
***


هناك عامل لا يقّل أهمية عمّا ذُكر أعلاه، والذي أشار إليه البروفيسور أفي بن تسفي من جامعة حيفا في كتابه عن العلاقات الأمريكيّة الإسرائيليّة، حول ابتعاد يهود أمريكا عن الدولة العبرية وتراجع اهتمامهم بها، وللتدليل على ذلك، تكفي الإشارة إلى توقّف استجلاب اليهود من جميع أصقاع العالم إلى إسرائيل، خلافًا لسنوات خلت. وهناك نقطة مهمة للغاية تؤكد على أنّ قضية الانتماء اليهودي أوْ الصهيونيّ، أوْ الاثنين معًا، ما زالت تنخر في صميم المجتمع اليهودي، ذلك أنّ هناك العديد من المحللين الذين يؤكدون مرة تلو الأخرى على أنّ حكّام هذه الدولة، يخشون القنبلة الديمغرافيّة أكثر من النوويّة الإيرانيّة، وعندما نقول ديمغرافيا، نقصد الجغرافيا، إذْ أنّ الحكومات الإسرائيليّة، وحكومة الثلاثي غير المرح: نتنياهو، موفاز ليبرمان، قلقون إلى حد الأرق المُزمن من هروب الإسرائيليين إلى الغرب في حال وصول إيران إلى القنبلة النوويّة، أوً كما يقول مثلنا العاميّ: الهزيمة ثلثين المراجل.


***
كما أنّه يجب التنويه إلى التداخل العضويّ بين الاقتصاديّ مع السياسيّ لتحديد العسكريّ، فعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية والسياسية التي فرضها المجتمع الدوليّ على إيران، تدل الدراسات والأبحاث الرسميّة على أنّ التبادل التجاريّ بين طهران والدول الأوروبيّة وحتى أمريكا ما زال قائمًا، الأمر الذي يقطع الشك باليقين بأنّ هذه العقوبات معدّة للاستهلاك المحليّ، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار إنّ الغرب هو بؤرة استعماريّة وإمبرياليّة، قائم على مبدأ الربح والخسارة، فتقوية اقتصاده عن طريق نهب ثروات الشعوب الأخرى، يؤدي بطبيعة الحال إلى تقوية قدرته العسكريّة، ونهب الثروات بدأ منذ الحروب الصليبيّة عندما بدأت الأزمة الاقتصاديّة في فينيسيا الإيطاليّة، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، وهذه الدول التي لم تتورع عن غزو العراق وتخريبه وقتل سكانه من أجل نفطه، ومن ثم ليبيا، لن يردعها رادع من أجل تحقيق المكاسب، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الدول الغربيّة الاستعماريّة على استعداد لوقف التبادل التجاريّ المُربح مع إيران من أجل أمن إسرائيل؟ هل هذه الدول لا تأخذ بالحسبان أنّه إذا تمّ ضرب إيران، فإنّ أسعار النفط ستُسجّل ارتفاعًَا كبيرًا، ناهيك عن أنّ دول الخليج العربيّ، التابعة قلبًا وقالبًا لواشنطن، ستكون معرّضةً للقصف الإيرانيّ الانتقاميّ؟ من الصعب تحديد الإجابة، ولكنّ الأزمة الاقتصاديّة العالميّة الأخيرة جعلت التربة خصبة للغاية في لعب الاقتصاد دورًا مركزيًا في تحديد الأجندات السياسيّة والأمنيّة.


***
ونُنهي بالقول: اعترفت إسرائيل مطلع الأسبوع بشكلٍ شبه رسميّ بصدق تصريحات الأمين العام لحزب الله، الذي قال إنّه قادر على ضرب أهداف إستراتيجيّة محددة في تل أبيب في أيّ حرب مقبلة، وبحسب المصادر الأمنيّة الإسرائيليّة فإنّ مخابرات الدولة العبريّة كانت على علمٍ بأنّ حزب الله يمتلك صواريخ قادرة على إصابة مُجمّع الهيئة العامّة للجيش الإسرائيليّ في تل أبيب والمسمى إسرائيليًا بـ(الكرياه)، وإحداث أضرار بالغة للمبني، لا بل أكثر من ذلك، فإنّ الصواريخ التي يمتلكها الحزب قادرة على ضرب المخابئ الموجودة تحت الأرض في المُجمّع الأكثر حساسية، ذلك أنّ المُجمّع يشمل أيضًا المركز الإستراتيجيّ لمراقبة العمليات العسكريّة وجمع المعلومات عن الأعداء، وفي حال إصابته فإنّ ذلك سيُشوش جدًا على قيادة الجيش في قيادة الحرب وإصدار الأوامر خلال الحرب. الخبر نُشر بعد يومين من تصريح نصر الله، وبعد أنْ أهدر جيش الاحتلال عشرات ملايين الشواقل في هذا المشروع، الذي تمّ دفنه. المصادر في وزارة أمن مُجرم الحرب باراك، نعتت تصرّف الجيش بالفضيحة، ونحن نميل إلى الاعتقاد بأنّه لم تكن فضيحة ولا مَنْ يحزنون: القصّة أنّ أركان دولة الاحتلال باتوا على قناعةٍ بأنّ المعادلة تغيّرت، ودخلت عليها وإليها حقائق وبديهيات تصب في طالح تل أبيب.
 

التعليقات