13/06/2012 - 13:08

الأزمة السورية و"الحل اليمني"؟../ فواز طرابلسي

عاد موضوع "الحل اليمني" إلى طاولة البحث في الأزمة السورية في الوقت الذي يجري تتويج عملية تدويلها بالمؤتمر المزمع عقده لتفعيل مهمة كوفي أنان. لم يتوافق راعيا المؤتمر بعد على صيغة التمثيل حيث تريد روسيا، وترفض الإدارة الأميركية، تمثيل إيران. وبينما عادت واشنطن الى الحديث عن تنحي الرئيس الأسد لنائبه تمهيدا لـ"العملية السياسية" العتيدة، تؤكد موسكو دعمها الرئيس السوري "حتى النهاية"

الأزمة السورية و

عاد موضوع "الحل اليمني" إلى طاولة البحث في الأزمة السورية في الوقت الذي يجري تتويج عملية تدويلها بالمؤتمر المزمع عقده لتفعيل مهمة كوفي أنان. لم يتوافق راعيا المؤتمر بعد على صيغة التمثيل حيث تريد روسيا، وترفض الإدارة الأميركية، تمثيل إيران. وبينما عادت واشنطن الى الحديث عن تنحي الرئيس الأسد لنائبه تمهيدا لـ"العملية السياسية" العتيدة، تؤكد موسكو دعمها الرئيس السوري "حتى النهاية".

لم يتخلف خيرُ خلف لخير سلف على رأس "المجلس الوطني السوري" عن تأييد صيغة الحل اليمني - الأميركية. أضاف اليها وصلة جديدة من التذاكي، الذي ينمّ عن استهتار وطني خطير، في الحديث عن إسرائيل. علّق على الدعوات الإسرائيلية لما يسمّى "التدخل الخارجي" بقوله "لا نعتمد على المساعدة الإسرائيلية ولا نحتاج إليها". كثيرون لم يفهموا المزحة. لعل السيد عبد الباسط سيدا قصد أنه ليس يحتاج لمساعدات إسرائيلية لتحرير الجولان المحتل والمضموم منذ العام 1982.

في نظرة استرجاعية، يفيد التذكير بأن ما يسمّى "الحل اليمني" أو "المبادرة اليمنية" إنما هما مولودان لأم واحدة هي "المبادرة الخليجية" المرعية أميركيا. وقد باتت تلك المبادرة الاسم المستعار للنهج الأميركي في التعاطي مع الثورات العربية، خصوصا في مصر واليمن والآن في سوريا. فرضت "المبادرة" نفسها حلاً في اليمن، ولم تخفق في مصر وها هي تقدّم الآن من جديد "حلا" للأزمة السورية. الفكرة الاساسية بسيطة: إنقاذ النظام بالتضحية برأس النظام من أجل الحفاظ على الأساسي منه، بما يخدم المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية والإستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها. وهذه هي بعض محطاتها الرئيسة:

•  تنحّي الرئيس لنائبه في مقابل إعفائه، هو وأعوانه، من أي محاسبة على أعماله خلال سنيّ حكمه.
•  التمسك بالجيش قاعدة للنظام السياسي حفاظا على أمن النفط (اليمن) وأمن اسرائيل (مصر وسوريا).
• إمكان دعم نُخب جديدة تحلّ محل الحكم الفردي أو حكم الحزب الواحد، وفق براغماتية أميركية معهودة، وفي مقدم النخب المرشّحة الحركات الإسلامية المسماة "معتدلة".
•  تعددية سياسية وإعلامية في ظل تغليب مستمر للسلطة التنفيذية على التشريعية.
• الالتزام بمشاريع البنك الدولي وصندوق النقد وبالنيوليبرالية اقتصاديا واجتماعيا.
• فرض سلطة أمر واقع بواسطة الضغط الخارجي (استفتاء على مرشح أوحد للرئاسة هو نائب الرئيس وحكومة تشكل المعارضة السابقة الطرف الأضعف فيها) والتأجيل المستمر لـ"الحوار الوطني" المفترض انعقاده للبتّ في القضايا التي أدّت إلى الثورة أصلا.
• أخيرا وليس آخرا، إخراج قوى الثورة الرامية إلى بناء يمن جديد متحرر من الاستبداد والفساد، والشباب منها خصوصا، من الشوارع والساحات، وهو ما بدئ بتطبيقه الآن في العاصمة اليمنية.

أمكن فرض "المبادرة الخليجية" السعودية - الأميركية على اليمن، بالضد من إرادة قوى الثورة وشبابها خصوصا، بعد جملة تطورات أبرزها:

•  انقلاب مشايخ قبيلة آل الاحمر على علي عبد الله صالح ومعهم حليفهم الشيخ الجهادي التكفيري الوهابي عبد المجيد الزنداني، بعد أن كانوا شركاءه في السلطة وكبار المستفيدين منه.
• انشقاق قطعات عسكرية وازنة، أبرزها بقيادة اللواء علي محسن الاحمر، اليد اليمنى العسكرية لعلي عبد الله صالح.
• رضوخ أحزاب "اللقاء المشترك" المعارض للضغط الأميركي - الخليجي وقبولها الدخول، من موقع الشريك الأضعف، في حكومة "اتحاد وطني" مع حزب الرئيس المخلوع. وكل هذا في وضع يصول فيه الرئيس المخلوع، متربعا على رأس حزبه، المسيطر على البرلمان، ومناصفا في الحكومة والجيش.

للمقارنة، لم تنشق المؤسسة العسكرية السورية على الطريقة اليمنية. وفي اليمن، نجح طرفا النزاع العسكريان في منع الانشقاق العسكري من التحول إلى اقتتال أهلي لافت وخطير، ثم إن قاعدة النظام السوري الأهلية والاجتماعية لا تزال موالية على العموم. ولعل النقطة المشتركة بين الحالتين اليمنية والسورية هي استدراج الاهتمام الأميركي من خلال إستراتيجية "الحرب ضد الإرهاب". يتم ذلك في اليمن لإثبات أن العهد الجديد قادر على تصفية قواعد تنظيم "القاعدة" في السباق المفروض أميركيا بينه وبين الوحدات التي لا تزال بإمرة الرئيس المخلوع، في حين أن الاكتشاف الأميركي لوجود "إرهابيين" في أوساط المعارضة السورية يشكّل العذر "الرسمي" لعدم التدخل والاستمهال لمزيد من إضعاف سوريا شعبا ودولة وجيشا.

على أن الجديد في الحالة السورية ليس كل هذا. إنه التحوّل النوعي في مسار الثورة حيث أدت إستراتيجية "الحرب" التي يتعامل بها النظام مع الشعب الثائر منذ البداية، أي القتل والاعتقالات والمجازر، إلى انحسار دور الضغط الجماهيري المدني السلمي والصعود المتسارع لدور العمل العسكري المسلح. ولقد بدا الخطاب الأخير للرئيس الأسد ليس مجرّد إمعان في هذا النهج، بل أيضا بدا إيذانا بالانتقال إلى مرحلة أقسى وأشرس من الحرب، تتم كلها في ظل مهمات مراقبي الأمم المتحدة الذين اكتشفوا أخيرا أن الجيش النظامي، المفترض به سحب مدرعاته من المدن، يستخدم السمتيات لقصف المدن من ... الجو.

يعود الحديث إلى اقتحام حمص للمرة الألف، من إعلاميين بشّروا منذ شهور ليس باقتحام للمدينة الشهيدة على أنه "الحسم"، بل بدأوا يفصّلون في ملامح فترة ما بعد "الانتصار". وها هم الآن يهددون بعمليات عسكرية نوعية مؤكدين أن "الحلفاء الروس" لن يعارضوها. في المقابل، باتت وحدات الجيش السوري الحرّ قادرة على تنفيذ عمليات لافتة، بل إن العسكر المعارض يأخد مبادرة القيادة السياسية بالدعوة إلى الإضراب العام كخطوة نحو العصيان المدني الشامل. وها إن العسكرة المتزايدة للمعارضة تستظهر فريقا جديدا من المعارضين يجمعون السلوك الميليشياوي إلى الجهر بالعصبية الدينية والمذهبية.

يصعب التصوّر أن الشعب السوري، الذي بذل ويبذل الدم سخيا من أجل سوريا جديدة مدنية وديموقراطية، يريد التخلص من حكم "الجيش العقائدي" البعثي ليقع تحت عسكر "رجال الله"، من إخوان وسلفيين ومن يحملونهم في ركابهم من جهاديين وتكفيريين.
المجزرة تستجرّ المجزرة.

والتساؤل الآن: هل يمكن الاستمرار بالنظر إلى الأزمة السورية من منظار صلات القربى بالنزاع اليمني، أم بات من الضروري الالتفات إلى ما يذكّر بالحرب الأهلية اللبنانية؟
"السفير"

التعليقات