13/08/2012 - 11:31

بوتين والحريات في روسيا../ د. فايز رشيد

قبل عودة بوتين إلى الرئاسة، في السابع من مايو (أيار) الماضي، انشغلت أجهزة الإعلام الغربية وبخاصة الأمريكية: بالتركيز على الداخل الروسي وبالادعاء أن إعادة تنصيبه ستحمل معها خطراً على الحريات في الفيدرالية الروسية. المعارضة الداخلية كالت هذه الاتهامات للرئيس القادم،الأمر الذي يعني: وجود تنسيق ما بين الطرفين، وبخاصة ومثلما يقول مراقبون كثيرون: بأن المنظمات غير الحكومية التي تتلقى دعماُ من الخارج، انتشرت في روسيا كالنار في الهشيم

بوتين والحريات في روسيا../ د. فايز رشيد

قبل عودة بوتين إلى الرئاسة، في السابع من مايو (أيار) الماضي، انشغلت أجهزة الإعلام الغربية وبخاصة الأمريكية: بالتركيز على الداخل الروسي وبالادعاء أن إعادة تنصيبه ستحمل معها خطراً على الحريات في الفيدرالية الروسية. المعارضة الداخلية كالت هذه الاتهامات للرئيس القادم،الأمر الذي يعني: وجود تنسيق ما بين الطرفين، وبخاصة ومثلما يقول مراقبون كثيرون: بأن المنظمات غير الحكومية التي تتلقى دعماُ من الخارج، انتشرت في روسيا كالنار في الهشيم.

بُعيد تنصيبه: قامت المعارضة بتظاهرات هي الأكبر في تاريخ روسيا وكان شعارها الرئيسي: التأكيد على دكتاتورية بوتين.

مؤخراً أصدرت الجهات التشريعية في الجمهورية، وريثة الاتحاد السوفياتي، عدة قوانين من أبرزها: قانون يصف المنظمات غير الحكومية التي تتلقى دعماً من الخارج وتمارس نشاطاً سياسياً بأنها "عميلة للخارج" ويضعها تحت المراقبة الشديدة.

ويحكم قانون آخر بغرامات على منظمي التظاهرات غير المرخصة. لقد صوّت أعضاء مجلس الدوما أيضاً على نص يهدف: إلى تنظيم نشاط مواقع الإنترنت التي تتضمن نشر معلومات يحظرها القانون ويرغم أصحابها أو مفاتيح الدخول إليها على إغلاقها. وثمة نص آخر سيجعل من التشهير، جنحة يعاقب عليها بغرامات مالية.

بدايةً، فإن الجهة التي أصدرت هذه القوانين هي السلطة التشريعية (مجلس الدوما) المؤهلة لإصدار القوانين، وقد فازت بالأغلبية النيابية في التصويت، وبذلك لا يجوز اتهام بوتين بفرض القوانين الدكتاتورية. من ناحية ثانية فإن الكثير من الدول، بما فيها الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية الأخرى فيها العديد من القوانين المشابهة، بل أصدرت قوانين دكتاتورية في مضامينها مثل "قانون غيسو" الذي يسري في العديد من الدول الأوروبية، وبموجبه "يُحظر على الباحثين والكتّاب التشكيك في حقائق الهولوكوست، وإلا تعرضوا لعقوبة السجن لمدة طويلة". نص القانون الأخير واضح تماماً، فهو لا يعني التشكيك في السؤال: هل أن الهولوكوست حقيقة واقعة أو افتراء؟ وإنما يعني التشكيك في رواية الصهيونية وإسرائيل للحقائق حوله! دول أوروبية كثيرة منها: بريطانيا وإسبانيا بدأتا في تغيير قوانينها: التي يتم توقيف وسجن قادة إسرائيليين على أراضيها بسبب الدعاوى المرفوعة عليهم في محاكم هذه الدول، بأنهم ارتكبوا جرائم حرب ضد الفلسطينيين. تلك هي غيض من فيض القوانين الكثيرة التي جيئ بها وفقاً للتوجهات السياسية لهذه البلدان، أو نتيجة للضغوطات التي تمارسها الحركة الصهيونية وإسرائيل على هذه الدول.

على صعيد آخر، يمكن القول وباختصار شديد: إن الحنق الأمريكي-الغربي على بوتين، ليس بسبب القوانين الجديدة التي سنّها مجلس النواب والتي تتناول قضايا داخلية بحتة ليس إلا، وإنما لأن بوتين وفي ولايتيه من 2000-2008 مارس سياسات خارجية عنوانها: أن روسيا لن تتبع لا الولايات المتحدة ولا للغرب عموماً، كما جرى في عهد سلفه مدمن الكحول بوريس يلستين، وإنما هي ند للولايات المتحدة وللغرب. إمعاناً في التصدي لبوتين: نصبت الولايات المتحدة الصواريخ العابرة للقارات فيما اصطلح على تسميته "بالدرع الصاروخي" إبّان رئاسة بوش الابن في الدول المحيطة بروسيا مثل: جمهوريات البلطيق وبولندا. روسيا في عهد بوتين تصّدت لهذه القضية واعتبرت أنها تمتلك حق الرد على المشروع الأمريكي - الناتوي. الغرب لا يريد لروسيا أن تكون قطباً عالمياً موازياً للقطب الأمريكي، الذي تحكّم في العالم طوال عقدين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

الولايات المتحدة والغرب يحملان على بوتين: لأن روسيا في عهده جابهتهما سياسياً تجاه الكثير من القضايا العالمية. أيضاً لأن بوتين وقف لمخططات الغرب في جمهورية جورجيا، وحدثت الحرب الجورجية-الروسية. وقف الغرب حينها مع الرئيس الجورجي، الذي يملك جواز سفر أمريكي وغالبية وزرائه من اليهود، ولأن بوتين أعاد للقطاع العام مجده في روسيا. وقام بالتصدي للميارديرات الروس الذين سرقوا مؤسسات القطاع العام التصنيعية (وبخاصة التسليحية) وسيطروا على تجارة البترول، والأخير مع الأسلحة هما السلعتان الرئيسيتان الرافدتان لأموال الخزينة الروسية ولميزانيتها السنوية العامة مثل المليارديرات: خاموفنيتشكي وجودروفسكي، اللذين سجنهما بوتين.

للهجمة الغربية على بوتين وعلى روسيا في عهده علاقة بضغوطات كبيرة تمارسها إسرائيل والحركة الصهيونية على روسيا (تماماً مثلما تآمرتا على الاتحاد السوفياتي ولعبتا دوراً كبيراً في انهياره)، من أجل إعادة سيادة المافيات وانعدام الأمن وانتشار الفوضى، وتدني دخل الفرد فيها، لتكون وغيرها من الجمهوريات التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي، رديئة الأوضاع وبخاصة الاقتصادية وبذلك تبقى منبعاً لا ينضب من أجل الهجرة الهجرة الى اسرائيل. في أولى سنوات حكمه قضى بوتين على المافيات وأعاد الأمن إلى ربوع روسيا، في ظل انتشار الأولى وافتقاد الثانية في عهد يلتسين. تمكن بوتين من إعادة الاقتصاد الروسي إلى سابق مجده إبّان ازدهار الحقبة السوفياتية. لكل هذه الأسباب ولغيرها، تستهدف الدوائر الغربية بوتين وتعتبره خطراً على الحريات في روسيا.
 

التعليقات