07/09/2012 - 12:50

هبّة بير المكسور: رسائل في عدة اتجاهات/ حسن عبد الحليم

إن هذه السياسات ليست وليدة صدفة، هي نتاج سياسات منهجية، وهي استمرار للسياسات التي أنتجت النكبة، لكن بوسائل مختلفة. ما تعانيه بير المكسور، وما يتعرّض له النقب ووادي عارة والمدن الساحلية، وباقي البلدات العربية هو همّ وطني عام يجب أن يؤخذ على محمل الجد على المستوى الوطني، ولكي يتحقق ذلك ينبغي استعادة اللحمة الوطنية ومواجهة هذه السياسات موحّدين، لا تفرقنا الهويات المختلقة.

هبّة بير المكسور: رسائل في عدة اتجاهات/ حسن عبد الحليم

 يعاني فلسطينيو الداخل، على أطيافهم، من السياسة الإسرائيلية ذاتها، غير أنهم غير موحدّين في منطلقات قراءة هذه السياسة، لذلك هم غير موحدّين في التصدي لها.

اتبعت السلطات الإسرائيلية منذ نشوء كيانها السياسي على أنقاض بلدنا وعلى حساب شعبنا، سياسة فرّق تسد، من أجل شرذمتنا  وتفتيتنا لتسهيل السيطرة علينا، وعملت خلال العقود الماضية على ترسيخ وتكريس الجهوية والفئوية والطائفية، واللعب على أوتارها، وذلك بهدف تفتيت الهوية القومية الجامعة للفلسطينين في البلاد، وخلق هويات هامشية متصارعة فيما بينها، متنافسة على ود السلطة، الأمر الذي من شأنه أن يحول دون أية نهضة وطنية تعيد النقاش إلى مربعه الأول، الأرض.

حققت إسرائيل جزءا من مشروعها التفتيتي حينما فرضت الخدمة العسكرية على العرب الدروز، وإلى حد ما من خلال خلق الهوية البدوية، ولا زالت تدأب بشكل حثيث إلى شرذمتنا إلى طوائف ومذاهب وقبائل، ولن تتوقف عن هذه السياسات طالما بقي الكيان السياسي بطبيعته الحالية.
تثبت الهبّة التي شهدتها قرية بير المكسور ضد سياسة الهدم والتضييق، أن السياسة التي تتعرض لها الأقلية الفلسطينية هي واحدة، بغض النظر عن الهويات المصطنعة التي خلقتها السلطة. وبما أن المغار تعاني تماما ما تعانيه مجد الكروم وما تعانيه باقي بلداتنا العربية، لا مجال لتشويه الصورة الحقيقة للصراع من خلال الاصطفاف خلف الأسماء المستعارة التي وضعتها السلطة.

هناك من ينظرون إلى سياسة الهدم كخطوت إجرائية خارج سياقها السياسي، ويعتبرون أن البناء بدون ترخيص هو مخالفة قانونية، لكنهم لا يرون أو يتعمدون عدم رؤية الصورة  الحقيقية وهي أن السلطات تهدم للعرب وتبني لليهود وتنتهج سياسة تهويد منهجية للأرض والمكان والرواية التاريخية.
أكّدت نتائج بحث أجري مؤخراً، أن زيارة مسطحات القرى في 49 سلطة محلية لم يتجاوز 1.46% في الوقت الذي زاد فيه عدد سكانها 600 ضعفاً. أي أن البناء غير المرخص هو نتاج لسياسة التضييق والمصادرة، وليس أمرا قائما بذاته، وإذا راجعنا عدد المستوطنات التي بنيت في تلك الفترة الزمنية سنجد أنها التهمت كل منطقة مفتوحة كان يمكن أن تشكل امتدادا طبيعيا للبلدات العربية.

لم يتبقى للسلطات المحلية العربية سوى 3.5%  من مجمل مناطق النفوذ في البلاد مع أن سكانها يشكلون نحو 20% من مجمل التعداد السكاني. وإذا أخذنا  مجلس "مسغاف" كمثال فإن المستوطنة تستحوذ على منطقة نفوذ تزيد بخمس وعشرين ضعفا عن منطقة نفوذ سخنين التي تزيد عنها من حيث عدد السكان. كما أن مساحة المنطقة الصناعية التابعة لمسغاف تزيد بـ  12 ضعفا عن مساحة المنطقة الصناعية في سخنين.

إن هذه السياسات ليست وليدة صدفة، هي نتاج سياسات منهجية، وهي استمرار للسياسات التي أنتجت النكبة، لكن بوسائل مختلفة. ما تعانيه بير المكسور، وما  يتعرّض له النقب ووادي عارة والمدن الساحلية، وباقي البلدات العربية هو همّ وطني عام يجب أن يؤخذ على محمل الجد على المستوى الوطني، ولكي يتحقق ذلك ينبغي استعادة اللحمة الوطنية ومواجهة هذه السياسات موحّدين، لا تفرقنا الهويات المختلقة.

آن الأوان لأن يستعيد العرب الدروز هويتهم الوطنية وأن يلقوا بالخدمة العسكرية في وجه مضطهد شعبهم، وأن تستعيد القرى المعرّفة «بدوية» هويتها الأم وتتجند لمحاربة الضالين الذين يؤدّون الخدمة العسكرية في جيش بني على احتلال وطنهم وقتل شعبهم، وأن يلقوا بكافة الهويات المشوهة في وجه السلطة ويفككوا كافة المؤسسات المرتبطة بهذه الهوية المصطنعة، والانخراط في المؤسسات الوطنية للنضال موحدين في القضايا الوطنية الواحدة، وعلى رأسها الأرض والمسكن.

التعليقات