26/09/2012 - 09:32

مصر ومائة يوم من حكم "الإخوان"../ علي جرادات

ثمة دلالات كبيرة ينطوي عليها واقع أن توشك المائة يوم الأولى من حكم الرئيس المصري "ألإخواني"، مرسي، على الانتهاء من دون حلٍ لخمس مشكلات عاجلة كان قد تعهد بحلها خلالها، وهي مشكلات: الأمن، الطاقة، المرور، النظافة، وطوابير العيش، بل، وثمة بين ألوان طيف المجتمع السياسي والمدني المصري مَن يرى أن هذه المشكلات قد زادت تفاقماً، بينما أقر"الإخوان" بعدم حلها محملين الحكومة، وليس الرئيس، المسؤولية عن الفشل، ما يشي بمحاولتهم الحد من الانعكاسات السلبية لهذا الفشل على شعبيتهم، خاصة في ظل خشيتهم من حقيقة أن المجتمع السياسي والمدني المصري ما زال يعيش حالةَ مخاضٍ معقدة تنطوي على ولادة منافسين "مدنيين" أقوياء، وأسفرت حتى الآن عن الإعلان عن عدة تكتلات فكرية وسياسية مدنية، لعل أهمها: "التيار الشعبي" بقيادة مرشح الرئاسة السابق، القومي اليساري المُجَدِّد، حمدين صباحي؛ و"حزب الدستور" بقيادة الليبرالي محمد البرادعي؛ و"تحالف الأمة المصرية" بقيادة الدبلوماسي المخضرم، والمرشح الرئاسي السابق، عمرو موسى؛ و"التحالف الديمقراطي الثوري" الذي ضمَّ عدة أحزاب يسارية وشيوعية. ماذا يعني هذا الكلام؟

مصر ومائة يوم من حكم

ثمة دلالات كبيرة ينطوي عليها واقع أن توشك المائة يوم الأولى من حكم الرئيس المصري "ألإخواني"، مرسي، على الانتهاء من دون حلٍ لخمس مشكلات عاجلة كان قد تعهد بحلها خلالها، وهي مشكلات: الأمن، الطاقة، المرور، النظافة، وطوابير العيش، بل، وثمة بين ألوان طيف المجتمع السياسي والمدني المصري مَن يرى أن هذه المشكلات قد زادت تفاقماً، بينما أقر"الإخوان" بعدم حلها محملين الحكومة، وليس الرئيس، المسؤولية عن الفشل، ما يشي بمحاولتهم الحد من الانعكاسات السلبية لهذا الفشل على شعبيتهم، خاصة في ظل خشيتهم من حقيقة أن المجتمع السياسي والمدني المصري ما زال يعيش حالةَ مخاضٍ معقدة تنطوي على ولادة منافسين "مدنيين" أقوياء، وأسفرت حتى الآن عن الإعلان عن عدة تكتلات فكرية وسياسية مدنية، لعل أهمها: "التيار الشعبي" بقيادة مرشح الرئاسة السابق، القومي اليساري المُجَدِّد، حمدين صباحي؛ و"حزب الدستور" بقيادة الليبرالي محمد البرادعي؛ و"تحالف الأمة المصرية" بقيادة الدبلوماسي المخضرم، والمرشح الرئاسي السابق، عمرو موسى؛ و"التحالف الديمقراطي الثوري" الذي ضمَّ عدة أحزاب يسارية وشيوعية. ماذا يعني هذا الكلام؟

يعني أن جماعة "الإخوان" تدرك حقيقة أن النقد السياسي والمجتمعي المصري لفشلها في حل هذه المشاكل المجتمعية الخمس العاجلة، إنما يندرج في إطار عملية نقد أشمل لكافة أوجه تطبيقات برنامجها، وخاصة التطبيقات الأولية لبرنامج "نهضة مصر" الذي وعدت الجماعة بإنجازه، وفازت بسلطة ما بعد انتفاضة شعبية على أساسه. وهي التطبيقات التي كشفت عن أن الجماعة ليست على استعداد، بل، وليست في وارد مجرد التفكير في، تحمل مسؤولية توفير الشرط الأساسي لهذه النهضة الموعودة، المتمثل في تحمل مسؤولية استحقاقات إخراج مصر من إطار السيطرة الأمريكية وإنهاء التبعية لسياستها، بينما دحضت التجربة أوهام نظرية إمكان تحقيق نهضة مصر، (شأنها في ذلك شأن أية دولة نامية أخرى)، من دون فك الارتباط مع إمبراطورية النهب للاحتكارات الرأسمالية الغربية التي ما انفكت تقودها، وتسيطر عليها، الولايات المتحدة منذ العام 1945، بل وأدخلتها في مرحلة نوعية من "التوحش" منذ صارت قطباً وحيداً في السيطرة على النظام الدولي في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ما يعني أنه محض بيع للوهم، (كيلا نقول للدجل السياسي)، الحديث عن مشروع لـ"نهضة مصر" في ظل مواصلة سلطة الرئيس الجديد للدولة المصرية، مرسي، بدعم، (وربما بتوجيه)، من مكتب الإرشاد لجماعة "الإخوان"، لسياسة النظام المخلوع القائمة على الاقتراض من صندوق النقد والبنك الدوليين، والاتكاء على تزاوج شريحة رجال المال والأعمال مع السلطة، والاعتماد على المساعدات والمعونات والودائع المالية الغربية والعربية الخليجية بشروطها السياسية، وفتح مصر، إنتاجا، وتبادلا تجارياً، أمام استثمارات النهب الغربية وبضائعها الحرة والمحررة من أية قيود أو حماية وطنية طبقاً لشروط منظمة التجارة العالمية، التي تشكل مع البنك وصندوق النقد الدوليين، ثالوثَ التحكم الاقتصادي والمالي الأمريكي في اقتصاديات الدول النامية والسيطرة على دولها، وتعميق أواصر تبعيتها ونهبها، وتجويف سيادتها واستقلالها الوطنيين وتحويلهما إلى شكل بلا مضمون.

هنا، يتضح بجلاء لا لبس فيه، أنه لا يمكن الفصل بين فشل الرئيس المصري الجديد في حل خمس مشاكل مجتمعية مصرية عاجلة كان تعهد بحلها في المائة يوم الأولى من حكمه، وبين خرافية إمكان انجاز مشروع "الإخوان" لـ"نهضة مصر"، استناداً إلى ما دلت عليه المعالم الأولية لتطبيقاته على الأرض. لكن، وبقدر ما يتعلق الأمر بالفشل في حل المشاكل المجتمعية الخمس العاجلة، فإن ثمة عدالة وإنصاف في منطق القول: لو أن "الإخوان" امتلكوا شجاعة تحمل المسؤولية عن هذا الفشل، لكان من حقهم على كل قارئ موضوعي إنصافهم عبر اعتبار أن فشلهم يعود في أحد أسبابه إلى الطبيعي من الفروق بين النظرية والتطبيق، بحسبان أن هبوط أي برنامج سياسي، (بمعزل عن جنسية أصحابه ولونهم الفكري)، من ملكوت النظري المجرد والمطلق إلى تضاريس الواقع الملموسة والنسبية، ينطوي على فوارق طبيعية بين المُنجز والموعود منه، أما وقد تهربوا، (الإخوان)، من تحمل هذه المسؤولية، فإن من حق كل قارئ له دماغ يحترمه، ويصر على استخدامه، أن يرى في هذا التهرب، دلالة على انتهازية سياسية تحيل إلى:

إما أن "الإخوان" تعمدوا استخدام معادلة تعظيم برنامجهم كأنه "ملاك"، وتبخيس برامج منافسيهم كأنها "الشيطان"، وسيلة للفوز بالسلطة باعتبارها أداة للفعل السياسي الذي بطبيعته المعقدة والنسبية ينفي ويكشف في آن تبسيطات سردية "الملاك" و"الشيطان"، أو أنهم براغماتيون حدَّ عدم التورع عن، وعدم أخذ الحيطة من، أن ينسف فعْلهم في النهار ما قالوه، أو ما وعدوا به، في الليل. يشي بهاتين الدلالتين الهجوم الأيديولوجي الذي شنه القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة، عصام العريان، ضد قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني، متهماً إياها بـ"احتقار الدين" و"العمالة" و"تلقي" التمويل الأجنبي"، فقط لأنها مارست حقها في انتقاد النتائج الأولية لسياسة الرئيس المصري الجديد، مرسي، بوصفه سياسياً و"رئيساً لكل المصريين"، وليس بوصفه شيخاً في جماعة "الإخوان المسلمين". وبالدلالتين ذاتهما تنضح فتوى إجازة قتل المتظاهرين من هذه القوى ضد سياسة الرئيس الجديد ونتائجها الأولية، وهي الفتوى التي أصدرها أحد محازبي جماعة "الإخوان" في الأزهر وبعض أعضاء مجلس الشورى فيها، هذا علماً بأن هذه القوى السياسية والمجتمعية، أو جزءاً منها على الأقل، كانت قد دعت إلى التصويت لصالح الرئيس مرسي، مرجحة بذلك فوزه على منافسه، الفريق أحمد شفيق، في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، حتى، وإن جاء ذلك من على قاعدة اختيار السيئ لإفشال الأسوأ.

لذلك، وعليه، فإنه يمكن اعتبار التجليات الأولية لفشل برنامج "الإخوان" في حل مشاكل مصر، (بالمعنيين القريب والبعيد)، برهاناً على صحة ودقة أطروحة كان قدمها منذ عقود المفكر الاقتصادي العربي المصري الكبير، سمير أمين، وأعاد التأكيد عليها، والدفاع عنها، في كتابه الصادر عام 2009، تحت عنوان (في نقد الخطاب العربي الراهن)، بالقول: "إن صميم أطروحتي فيما يخص توسع الرأسمالية الغربية على صعيد عالمي، يقوم على توضيح الآليات التي أنتجت بالضرورة "الاستقطاب"، بمعنى تصاعد اللا مساواة بين المراكز والتخوم... وإن هذا التوسع ذو طابع استعماري... يتجلى في نهاية المطاف في تخريب حضاري بالنسبة لشعوب بأكملها، بل يؤدي أحياناً إلى إبادتها.... وإن المنتظر في هذه الظروف هو بالفعل انبثاق ردود فعل من الشعوب الضحايا.... وإن الإسلام السياسي يمثل نمطاً من رد الفعل المنتظر، بيد أنه لا يمثل النمط الوحيد المحتمل.... وإن الاستنتاج المنطقي الذي لا مفر من التوصل إليه يتلخص في القول بأن مواجهة التحدي تقتضي الخروج من منطق الرأسمالية.... وبالتالي فإن السؤال الصحيح ليس هو معرفة ما إذا كان الإسلام السياسي رد فعل على تدهور أوضاع المجتمعات الإسلامية أم لا.... إنما السؤال هو ما إذا كان مشروع الإسلام السياسي قادراً على إنجاز الهدف، (الخروج من الرأسمالية)، أم لا. وإذا كانت الإجابة سلبية لأصبح هذا المشروع بديلاً قائماً على أوهام".                      

التعليقات