12/10/2012 - 01:49

الحركة الوطنية أمام تحد جديد/ عوض عبد الفتاح

لقد نال حزب التجمع، كحزب مشارك، القسط الأكبر من التحريض والملاحقة، والتضييق. وقد قاوم ولا يزال يقاوم كل هذه المحاولات، وتمكن ليس فقط من الصمود بل أن يتحول إلى قوة مركزية وراسخة بين الجمهور الفلسطيني. وهو قادر على خوض كل المعارك السياسية والشعبية ليس دفاعًا عن نفسه بل دفاعًا عن حقوق شعبنا وقضيته، ودفاعًا عن حق المواطن الفلسطيني بالعيش بكرامة وبحرية على أرض وطنه. إن الحركة الوطنية لديها خيارات عديدة وليس خيارًا واحدًا، وعندما تفرض عليها أي معركة فهي قادرة على استنهاض قوتها المستمدة من وعي الناس والأوساط الأكثر وعيًا وكوادرها المشمّرة دومًا عن سواعدها.

الحركة الوطنية أمام تحد  جديد/ عوض عبد الفتاح

اعتاد الناس والإعلام على نعت عملية الانتخاب لمؤسسات الحكم بالمعركة، وقد يكون هذا الوصف مستمدًا من العراك السياسي والأيديولوجي بين القوى المتنافسة على الحكم بمؤسساته الرئاسية والتشريعية والبلدية، حيث يكون فيها منتصر ومهزوم. وقد أصبحت عملية الانتخاب ثابتًا من ثوابت الحكم الرشيد في العالم المعاصر منذ الثورة الصناعية، حيث مرت الديمقراطية بمراحل مختلفة، تخللتها أنهار من الدماء في خضم الصراع على كيفية تقاسم النفوذ والسلطة والسيطرة داخل الكيان السياسي الواحد.

وقد يكون نعت العملية الانتخابية في أوروبا وأمريكا، اليوم، بالمعركة غير مستساغ، أولاً لأن الانتخابات تمر هناك بهدوء وبدون إراقة دماء وبأقل التجاوزات، والأمر الثاني، لأنه منذ فترة طويلة، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية حصرت خيارات المواطن الأمريكي بين حزبين كبيرين يمثلان المجّمعات العسكرية والمالية والإعلامية التي يسيطر عليها الرأسماليون الكبار، مما قلّل من نسبة المشاركة في الانتخابات ودفع العديد من المراقبين والمثقفين إلى القول بموت الديمقراطية. ما معناه أنه لم يعد البرلمان في الدول العصرية يمثل عموم الطبقات الوسطى والضعيفة والمهمشين، بل يدير الدولة أصحاب رؤؤس الأموال الذين تحول جشعهم إلى إمبريالية وسيطرة على مقدرات شعوب أخرى.

مع ذلك تبقى الديمقراطية، وما تعنيه من اختيار الشعب للحكم، والمساواة في الفرص والعدالة الاجتماعية، هي مطلب كل الشعوب. والشعوب العربية دفعت ولا تزال تقدم الغالي والرخيص من أجل تحقيق حريتها، حرية المواطن وحرية أوطانها، في معركة مواجهة الاستبداد الداخلي والإمبريالية والصهيونية.

المواطنون العرب الفلسطينيون في إسرائيل، أو ممثلوهم على الأقل يصفون المشاركة في انتخابات الكنيست بالمعركة. هم يعون تمامًا أنهم يشاركون في انتخابات من خلال المواطنة الإسرائيلية، وفي دولة ليست دولتهم، قامت على أنقاض شعبهم، وشكلت نظامها وقوانينها دون إشراك ومشاركة أبناء وأحفاد الناجين من عملية التهجير والتطهير العرقي التي نفذتها العصابات الصهيونية قبل وعشية حرب الـ48 والتي واصلت دولة إسرائيل، بعد إقامتها، تنفيذها في العديد من القرى الفلسطينية. وحتى أواسط التسعينيات امتنعت أوساط هامة من الحركة الوطنية عن التصويت للكنيست باعتبار أن المقاطعة تعزز الهوية الوطنية الفلسطينية وتعبئ الناس ضد الحكم الصهيوني القائم.

وحين تحققت هذه المهام وتغلغلت لدى أوساط واسعة من أبناء شعبنا في الداخل، ونظرًا لاستمرار عدم حسم الصراع، اقتضى الأمر تطوير البعد الحياتي والمدني لأهلنا في هذا الواقع المركب والآخذ في الرسوخ، لأن الاستمرار في التركيز على الهوية الوطنية كأمر معنوي فقط لم يعد مجديًا بل انتبهت الحركة الوطنية إلى أن إهمال البعد المدني-الحياتي يؤدي إلى تآكل التمسك بالهوية الوطنية نفسها لكون المواطن يحتاج في نهاية المطاف إلى العيش بالحد الأدنى من الكرامة إن صح التعبير حتى يواصل البقاء والمقاومة.

وكان شرط الحركة الوطنية المشاركة في انتخابات الكنيست هو أن تقوم هذه المشاركة بإعادة توضيح مطلب المساواة وإخراجه من العمومية وما ينطوي ذلك على الصدام المباشر مع أيديولوجية الدولة العبرية ونظامها العنصري. ونجحت الحركة الوطنية التي تصدرها التجمع منذ عام 1995 في دبّ الحياة في السياسة العربية الداخلية، وخلق حراك فكري وثقافي وسياسي جديد، ساهم في تنبيه أوساط واسعة من شعبنا إلى أهمية إعادة تأكيد الذات الجماعية وعدم الانحناء أمام عاصفة أوسلو التفريطية.

وانتبهت الدولة العبرية إلى "الثورة الجديدة" فجدّدت حملة بل حملات لكبح جماح هذه "الثورة"، مما أعطى زخمًا إضافيًا لعملية التبلور الوطني والوعي المدني لدى جماهيرنا الفلسطينية داخل الخط الأخضر، فأصدرت القوانين العنصرية، وأقدمت على إجراءات قمعية لتكبح نموّ الهوية الوطنية والسعي لترجمتها إلى حقوق ومؤسسات عربية، ولتفرض قيودًا على التمثيل العربي في الكنيست مما أدى إلى زيادة ترديد السؤال حول جدوى التمثيل في الكنيست.

لقد نال حزب التجمع، كحزب مشارك، القسط الأكبر من التحريض والملاحقة، والتضييق. وقد قاوم ولا يزال يقاوم كل هذه المحاولات، وتمكن ليس فقط من الصمود بل أن يتحول إلى قوة مركزية وراسخة بين الجمهور الفلسطيني. وهو قادر على خوض كل المعارك السياسية والشعبية ليس دفاعًا عن نفسه بل دفاعًا عن حقوق شعبنا وقضيته، ودفاعًا عن حق المواطن الفلسطيني بالعيش بكرامة وبحرية على أرض وطنه. إن الحركة الوطنية لديها خيارات عديدة وليس خيارًا واحدًا، وعندما تفرض عليها أي معركة فهي قادرة على استنهاض قوتها المستمدة من وعي الناس والأوساط الأكثر وعيًا وكوادرها المشمّرة دومًا عن سواعدها.

المعركة الأساس أمامها هي تنظيم الفلسطينيين في الداخل على أساس قومي وتحصين نسيجهم الاجتماعي والوطني، ومواصلة رفع راية الحرية والاستقلال والعودة لشعبنا الفلسطيني.

التعليقات