09/04/2013 - 13:50

المقاطعة وحق تقرير المصير../ د. حيدر عيد *

قام اتحاد أساتذة ايرلندة بالإجماع، في خطوةٍ هي الأولى من نوعها يتم اتخاذها من قبل اتحاد أساتذة في العالم، بتبني نداء المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل. وكانت جامعة جوهانسبرج الجنوب أفريقية قد قامت بخطوةٍ ريادية قبل عامين، وذلك من خلال إنهاء علاقاتها الأكاديمية والبحثية مع جامعة "بن غوريون" الإسرائيلية. ويأتي ذلك بعد إصدار العديد العديد من اتحادات الطلبة في جامعات بريطانية، أمريكية، جنوب أفريقية، أسكتلندية، إيرلندية، وغيرها، قرارات إما بالمقاطعة أو دعوة إدارات جامعاتها لعدم الاستثمار في إسرائيل أو في شركات تستفيد من ممارسات إسرائيل القمعية ضد الشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاث، وتعديها على القانون الدولي والقانون الإنساني. ما يميز هذه الخطوات الهائلة أنها تأتي مكملة لتلك التي اتخذها العديد من اتحادات النقابات الكبيرة للعمال في كل من جنوب أفريقيا، بريطانيا، إيرلندة، أسكتلندة والعديد من الدول الأوروبية وشمال أمريكا. وهذا لا يمكن فصله بأي شكل من الأشكال عن القرارات الشجاعة التي اتخذتها فنزويلا، بوليفيا، نيكاراجوا، والإكوادور إبان حرب الـ 22 يوم على غزة عام 2009 وإغلااق سفاراتها في إسرائيل، ولا عن استجابة عدد كبير من الفنانين/ات والكتاب للنداءات التي وُجِّهَت لهم/ن بعدم الغناء أو زيارة إسرائيل إذا كان يعنيهم/ن حقا القانون الدولي وحقوق الإنسان

المقاطعة وحق تقرير المصير../ د. حيدر عيد *

قام اتحاد أساتذة ايرلندة بالإجماع، في خطوةٍ هي الأولى من نوعها يتم اتخاذها من قبل اتحاد أساتذة في العالم، بتبني نداء المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل. وكانت جامعة جوهانسبرج الجنوب أفريقية قد قامت بخطوةٍ ريادية قبل عامين، وذلك من خلال إنهاء علاقاتها الأكاديمية والبحثية مع جامعة "بن غوريون" الإسرائيلية. ويأتي ذلك بعد إصدار العديد العديد من اتحادات الطلبة في جامعات بريطانية، أمريكية، جنوب أفريقية، أسكتلندية، إيرلندية، وغيرها، قرارات إما بالمقاطعة أو دعوة إدارات جامعاتها لعدم الاستثمار في إسرائيل أو في شركات تستفيد من ممارسات إسرائيل القمعية ضد الشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاث، وتعديها على القانون الدولي والقانون الإنساني. ما يميز هذه الخطوات الهائلة أنها تأتي مكملة لتلك التي اتخذها العديد من اتحادات النقابات الكبيرة للعمال في كل من جنوب أفريقيا، بريطانيا، إيرلندة، أسكتلندة والعديد من الدول الأوروبية وشمال أمريكا. وهذا لا يمكن فصله بأي شكل من الأشكال عن القرارات الشجاعة التي اتخذتها فنزويلا، بوليفيا، نيكاراجوا، والإكوادور إبان حرب الـ 22 يوم على غزة عام 2009 وإغلااق سفاراتها في إسرائيل، ولا عن استجابة عدد كبير من الفنانين/ات والكتاب للنداءات التي وُجِّهَت لهم/ن بعدم الغناء أو زيارة إسرائيل إذا كان يعنيهم/ن حقا القانون الدولي وحقوق الإنسان.

ولكن من الواجب علينا في هذا السياق أن ننظر إلى الصورة بمجملها. و الصورة المنقوصة التي يروج لها بعضهم، إما عن وعي أو بدونه، هي أن هذه التطورات والمكتسبات النضالية المتلاحقة للقضية الفلسطينية لم تأتِ من فراغ، أو من توجه غربي بحت للمجتمع المدني في الدول المعنية. على العكس من ذلك فأي قراءة دقيقة للقرارات التي تتخذها هذه النقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني تنص وبشكل لا لبس فيه بأنها تأتي استجابة لنداء المقاطعة الفلسطيني الصادر عام 2005، أو لنداء المقاطعة الأكاديمية الصادر عام 2004 عن الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل. وهذا الأخير تم تبنيه من قبل مجلس التعليم العالي في فلسطين الذي يضم رؤساء الجامعات الفلسطينية ووزير التعليم. وعليه فإن المؤسسات الأكاديمية الفلسطينية برمتها ملتزمة بقرار مقاطعة الجامعات الإسرائيلية كلها بسبب تواطئها مع سياسات إسرائيل من احتلال واستيطان وتفرقة عنصرية. هذا على الرغم من وجود جامعة فلسطينية واحدة تغرد خارج السرب من خلال اتفاقيات تعقدها مع مؤسسات أكاديمية إسرائيلية تحت غطاء تعاون ثلاثي يشمل جامعات فرنسية تارة وكندية تارة أخرى..!

وعلى الرغم من حملة "الهاسبراه" التي أطلقتها وزارة الخارجية الإسرائيلية منذ فترة، ومحاولاتها المستميتة لتبييض وجه إسرائيل القبيح، و ذلك من خلال إما استخدام فلسطيني/ة يلعب دور "العم توم" كما حصل عام 2011 عندما قامت بارسال وفد طلابي يضم بعض الفلسطينيات "المحجبات"(!) إلى العديد من الدول، من ضمنها جنوب أفريقيا، أو من خلال بعض المنظمات، الأمريكية بالذات، مثل "صوت واحد" و"بذور السلام"، التي تُنَظِّر للسلام من خلال "الحوار" و"المفاوضات" بهدف الجمع بين "الطرفين" لتخطي "الحواجز النفسية" التي تفصلهما..! ولا شك أن كل هذه المحاولات التي ترعرعت في أجواء أوسلو وتوابعها والحديث عن "سلام الشجعان" خالي المعنى والذي لم يؤد بعد 20 عاماً إلا إلى تعزيز الاحتلال الاستيطاني للضفة الغربية، ترسيخ القوانين العنصرية داخل إسرائيل وعزل فلسطينيي الـ 48 عن محيطهم الفلسطيني/ العربي بشكل أكبر، وتحويل قطاع غزة إلى معسكر اعتقال كبير، حسب اعتراف منظمات دولية رئيسة، وتغول اليمين الفاشي بشكل أدى إلى فوزه في انتخابات الكنيست لأكثر من مرة، وانكشاف عورة ما يسمى بـ"اليسار" الصهيوني وزوال الخطوط الوهمية التي تفصله عن اليمين.

ومن أسوأ ما روجت له ثقافة "السلام" الأوسلوي السائدة هو "عدم واقعية" المطالبة بعودة اللاجئين الفسطينيين إلى القرى والمدن التي طُهِّروا منها عرقياَ عام 1948، وبالتالي اختزال حق تقرير المصير، المكفول دولياَ، في الجزء الذي احتل عام 1967 من خلال تصنيم فكرة الاستقلال والتهليل لها بطريقة ديماغوجية ادَّعت أنها تمتلك إجماعاً فلسطينياً، وإن كان هذا الإجماع لا يشمل الشتات ولا الـ 48..! والأخطر من ذلك وقوع النخب التنظيمية المقاومة في هذا الفخ الأوسلوي حيث أن ما تبقى من اليسار الستاليني واليمين الديني الفائز في انتخابات المجلس التشريعي، اي أحد مؤسسات السلطة الوطنية الناتجة عن اتفاقيات أوسلو، قد تبنت هذا الطرح الذي يختزل القضية الفلسطينية في إقامة دولة على، أو ضمن، حدود 67. (للاطلاع على موقف حركة "حماس" يمكن مشاهدة مقابلة كريستان منبور على قناة "سي ان ان" مع السيد خالد مشعل بعد حرب اسرائيل على غزة عام 2012، والعديد من التصريحات لقيادات الصف الأول للحركة).

ولكن ما يميز نداء المقاطعة الفلسطيني الصادر عام 2005 هو أنه يتخطى هذا الطرح بشكل كامل من خلال التركيز على حقوق الشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاثة، واستهدافه لكل أشكال الاضطهاد الصهيوني المركب من احتلال، استيطان، تطهير عرقي وأبارتهايد. وهذا بالضبط هو البديل العملي الذي يعيد اللُحمة للشعب وتنظيماته. ومن الملاحظ في هذا السياق أن هذا النداء، وفي حدود علمي، هو الوثيقة الوحيدة التي لا يوجد خلاف حول تفسيرها بين الفصائل على أرض الواقع، كما أنها متبناة من قبل الغالبية الساحقة من المجتمع المدني. وبالتالي هي تكتيك نضالي مرتبط بإستراتيجية تحريرية تستلهم توجهاتها من نضالات فلسطينية سابقة، وأممية شبيهة بتجاربنا.

وعليه فإن هذا النداء يتخطى الخلافات الأيديولوجية ويعيد الاعتبار لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاثة. وبدلاً من ربط التحرير بإزالة حاجز عسكري، وإعادته في مكان آخر، أو سيادة تحت أرضية على الحرم الشريف، أو تنسيق أمني لا طائل منه، أو الاختلاف على شكل "اللباس المحتشم" أو "قصة الشعر" أو "البنطلون الساحل"، أو وقف "إطلاق النار" الى أن تتغير الظروف الموضوعية، فإن الطاقات كلها يجب أن تُوَّجه نحو أهداف واضحة المعالم: الحرية والعدالة والمساواة. إن هذه العلاقة الواضحة بين الفهم السليم لحق تقرير المصير والرؤية المفقودة لدي القيادتين اليمينيتين المتحكمتين في القرار السياسي الفلسطيني هي التي ميزت النضالات التحررية في القرن المنصرم من الجزائر إلى جنوب أفريقيا مروراً بإيرلندة الشمالية التي جاء من أساتذتها، ولا غرابة في ذلك، قرار التضامن ذو الدلالة الهائلة.

فبدلاً من استجداء البيت الأبيض، والتوسل لأنظمة عربية أوليغارشية لإعادة إعمار غزة، والبكاء على أسرى بعد موتهم، واستنزاف الموارد البشرية في تناحر فصائلي بغيض، والحرب الضروس على من يملك الحق في تعيين مجلس أمناء لهذه الجامعة أو تلك، والتنافس على استرضاء هذا النظام العربي أو أسياده، وتكفير وتخوين كل من يختلف أيديولوجياً، وأحياناً سياسيا، مع الفصيل الحاكم، علينا أن نوجه الطاقات للحملة الوحيدة الناجحة في عزل إسرائيل. وهذا باعتراف قادتها ومؤسساتها البحثية التي لم تتوان عن الوصول لنتيجة واضحة وضوح الشمس ألا وهي أن حملة المقاطعة وعدم الاستثمار وفرض عقوبات على إسرائيل باتت تشكل خطرا إستراتيجياً يصعب على الدولة، ذات الترسانة النووية والجيش الجرار المزود بأسلحة أمريكية حديثة من "اف16" إلى قنابل الفوسفور، التعامل معه.

التعليقات