24/04/2013 - 10:05

عن التنسيق الأمني وندية مرسي../ علي جرادات

في مقابلة له مع فضائية "الجزيرة" دافع الرئيس المصري، مرسي، عن التعاون والتنسيق الأمني مع إسرائيل. وعلل ذلك –جوهراً وأساساً- بالقول: هذه ليست سياسة مصرية جديدة، بل هي قائمة منذ ثلاثين عاماً. ومن الطبيعي أن نستمر فيها كما بين أي "دولتين متجاورتين" تريدان استقرار الحدود بينهما تلبية لمصالح وأمن كل منهما. واستدرك: (لكننا اليوم نمارس هذه السياسة من موقع الندية وليس من موقع الرضوخ لأحد -يقصد إسرائيل- أو بناء على طلب من أحد -يقصد الولايات المتحدة)

عن التنسيق الأمني وندية مرسي../ علي جرادات

في مقابلة له مع فضائية "الجزيرة" دافع الرئيس المصري، مرسي، عن التعاون والتنسيق الأمني مع إسرائيل. وعلل ذلك –جوهراً وأساساً- بالقول: هذه ليست سياسة مصرية جديدة، بل هي قائمة منذ ثلاثين عاماً. ومن الطبيعي أن نستمر فيها كما بين أي "دولتين متجاورتين" تريدان استقرار الحدود بينهما تلبية لمصالح وأمن كل منهما. واستدرك: (لكننا اليوم نمارس هذه السياسة من موقع الندية وليس من موقع الرضوخ لأحد -يقصد إسرائيل- أو بناء على طلب من أحد -يقصد الولايات المتحدة).

إن ما له معنى سياسي في حديث مرسي هو ما قيل قبل الاستدراك. أما الاستدراك فكلام زائد بلا قيمة سياسية، لأنه يدعي التميز بلا رصيد واقعي، ولأنه جاء للتغطية على حجة غير مقنعة، خاصة وأنها تصدر عن رئيس أكبر دولة عربية صعد إلى السلطة على كتف انتفاضة شعبية كان بين مطالبها تحرير الإرادة الوطنية المصرية من التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة وإسرائيل، فضلاً عن أنه تولى السلطة ممثلاً لجماعةٍ طالما دعت إلى "تدمير الكيان الصهيوني" من موقع الرافض لمعاهدة كامب ديفيد والتزاماتها وقيودها المذلة، وطالما استعملت تبعية النظام السابق وخضوعه الاقتصادي والسياسي والأمني ورقة لكسب الشعبية وبلوغ السلطة. هذا ناهيك عن أن مرسي يعرف -قبل وأكثر من غيره- أن مناهضة الشعب المصري وقواه الوطنية لسياسة السادات ومبارك تجاه إسرائيل لم تكن بسبب التفاصيل بل بسبب إبرامهما لمعاهدة "كامب ديفيد" المذلة التي فرضت على مصر التخلي عن واجبها القومي تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، وبسبب اعتبارهما إسرائيل "دولة مجاورة" فيما لا تزال تحتل فلسطين وتتنكر لحقوق شعبها وتمارس كل أشكال التوسع والعدوان وجرائم الحرب الموصوفة ضده، بل ولا تزال تشن الاعتداءات والحروب وتمارس عمليات التخريب والتجسس وانتهاك السيادة ليس فقط ضد "دول الطوق" بما فيها مصر، إنما أيضاً ضد الدول العربية كافة، وضد بعض دول الغلاف الشرق الأوسطي والأفريقي للوطن العربي.

يروم ادعاء الندية في التعاون والتنسيق الأمني مع إسرائيل إقناع المواطن المصري والفلسطيني، والعربي، عموماً، بأن هنالك ما هو جديد في سياسة السلطة المصرية "الجديدة" تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية. وللحق فإن ثمة جديداً على هذا الصعيد. لكن السؤال: ما هو مضمون هذا الجديد. بلا مبالغة  ودون تجنٍ على أحد، فإن الرئيس مرسي جاء بما هو أسوأ من سلفه. أما لماذا؟ لأنه، (وهو القادم إلى السلطة باسم ثورة شعبية وممثلاً لجماعة ترفض معاهدة كامب ديفيد)، لم يجرؤ على مراجعة هذه المعاهدة لا كمبدأ ولا حتى كملاحق أمنية تمس بنودها العلنية والسرية بأمن مصر واستقلالها وسيادتها وتواجد جيشها وحركته، عموماً، وفي سيناء، خصوصاً، كما أنه لم يجرؤ على اتخاذ خطوات سياسية سيادية تنهي الحصار المفروض على قطاع غزة. هذا ناهيك عن أنه لم يكتفِ بمواصلة  لعب دور الوسيط الأمني حيال ما ترتكبه إسرائيل، بدعم أمريكي، من اعتداءات عسكرية ضد غزة واستباحة شاملة للفلسطينيين، عموماً، بل أضاف توريط نفسه وورط مصر في لعب دور الضامن السياسي لمنع تهريب السلاح إلى غزة، ولمنع فصائل المقاومة من الدفاع عن شعبها، بحسبان أن مقاومتها صارت في عداد "العمليات العدائية"، حسب أحد بنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم في القاهرة برعاية وإشراف وضمان الرئيس مرسي ووزيرة الخارجية الأمريكية بعد العدوان الإسرائيلي البربري الأخير على غزة. وفي هذا يكمن الأساس السياسي لتصعيد الجيش المصري سياسة هدم الأنفاق وإغلاقها وإغراقها بالمياه العادمة بصورة تفوق ما كان يفعله النظام السابق.

مع كل هذا "الجديد" في سياسة الرئيس مرسي وممارساته على صعيد التعاون والتنسيق الأمني مع إسرائيل، ومع راعيها الأمريكي، كيف لمواطن، مصرياً كان أو فلسطينياً أو عربياً، أن يقتنع بحديث مرسي عن "الندية"؟! وأكثر من ذلك، وقبل ذلك:

* كيف لمن يعرف ألف باء السياسة أن يأخذ حديث مرسي عن الندية على محمل الجد بعد أن وصف إسرائيل، (على طريقة سلفه، مبارك، ومن قبله، السادات)، بـ"الدولة المجاورة"، محرراً إياها بذلك من صفات "العدو التوسعي العدواني الغاصب لحقوق العرب والمسلمين" و"الكيان اليهودي" و"أداة الغرب الكافر" في أرض فلسطين، قلب بلاد الأمة الإسلامية"، حسب خطاب "جماعة" مرسي قبل الوصول إلى السلطة؟!

* كيف لعاقل أن يصدق حديث مرسي عن الندية بينما لم يبدِ الإرادة أو الاستعداد لشق سياسة اقتصادية جديدة مختلفة عن سياسة سلفه، مبارك، القائمة على الاقتراض والاستدانة والمعونات والمساعدات المالية الأجنبية، ومن الدول والمؤسسات ذاتها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والبنك وصندوق النقد الدوليان، أداتا التحكم الأمريكي الأساسيتان في سياسات دول "المحيط" التابعة وانتهاك سيادتها وحريتها واستقلالها وفي إجهاض نهوضها الاقتصادي وشل قدرتها على التعامل بندية في السياسة والأمن والاجتماع؟!

* كيف لمن يحترم عقله أن ينساق وراء كلام مرسي الإنشائي عن بناء سياسة خارجية ندية تحتاج -أول وأكثر ما تحتاج- إلى شرط توحيد الصف الوطني المشروط بتوافر الديمقراطية السياسية والاجتماعية التي لم يُبنَ أي مستوى لها في التاريخ دون توافر الاعتراف بمبدأ المساواة بين البشر بوصفهم مواطنين بمعزل عن دينهم وطائفتهم ومذهبهم وجنسهم و.....الخ وهو المبدأ الذي يتنافى-على طول الخط- ويتناقض- بالمطلق- مع أنظمة التمييز بين أتباع الأديان والطوائف والمذاهب المختلفة، ومنها –مثلاً- نظام الملة العثماني الذي يبدو أن الجناح المتشدد في قيادة جماعة "الإخوان المسلمين" ما زال يعتقد بإمكان إحيائه في مصر من خلال ممثلها في رئاسة الدولة. ونحيل كل من لا يصدق هذا الاستنتاج أو يتهمنا بالمبالغة في استخلاصه إلى ما أورده القائد "الإخواني" السابق، ثروت الخرباوي، في كتابين يستحقان القراءة والتمعن في ما جاء فيهما من استنتاجات مدعمة بمعطيات مذهلة ومرعبة، هما: كتاب تحت عنوان "قلب الإخوان" وآخر تحت عنوان "سر المعبد". علماً أن الرجل ترك جماعة "الإخوان المسلمين" حديثاً، ( في العام 2002)، بعد أن أمضى فيها-ناشطاً وعضواً وقيادياً-  مدة ثلاثة عقود. هذا ناهيك عما كتبه أو يقوله آخرون من قادة سابقين في الجماعة، منهم-مثلاً- الدكتور محمد حبيب، نائب المرشد العام السابق للجماعة، وكمال الهلباوي، المسؤول السابق عن الفرع الأوروبي في التنظيم الدولي للجماعة.

بقي القول: إن الندية التي تحدث عنها مرسي هي محض دعاية، بل مجرد موسيقى تصويرية للتغطية على ما يتنافى معها ويناقضها على صعيد الممارسة منذ تولى الرجل السلطة وحتى يوم الناس هذا.  
 

التعليقات