01/05/2013 - 08:55

من يتذكر الأول من أيار؟../ فواز طرابلسي

وفي هذا الأول من "نوار" ـ كما يسمّى الشهر في لبنان، تيمنّاً بتفتّح نوارات الزهر والزرع ـ ليس أجمل ولا أجدر من أن نلتقي، وأن نتبادل، التحية القرمطية الألفية: تحية العمل والأمل

من يتذكر الأول من أيار؟../ فواز طرابلسي

في خضم منطقة لا تزال تغلي بالحراكات الشعبية والقتل اليومي، وبدء موسم قطاف الكيميائي، وتزحمها المناسبات والاجتماعات الإقليمية والدولية والأزمات الوزارية، ومعارك السلطات مع القضاء، واجتماعات كيري ووفد الجامعة العربية لإحياء المبادرة العربية، ولو بقلب معادلتها، والدعوة للمرة الألف لاستئناف المفاوضات الفلسطينية، واعتراف حزب الله للمرة الأولى بأنه يخوض قتالاً الى جانب النظام السوري في مناطق تتداخل فيها الحدود والطوائف.
يحلو، مع ذلك، الاحتفال بعيد الأول من أيار، عيد العمال.

حقيقة الأمر أن العمال ونضالهم وقضاياهم وطموحاتهم وآمالهم في قلب الثورات. فقد انطلقت الثورات من تحركات جماهيرية احتجاجا على سياسات التقشف وإلغاء الدعم على المواد الغذائية والمحروقات أو من إضرابات واعتصامات تتعلق بالعمل والحقوق والحريات النقابية العمالية.

يبدأ المسلسل من أول تحرك في تونس إلى الأخير في السودان وفلسطين والأردن مرورا باليمن والمغرب والبحرين. تفجّرت الثورة المصرية بعد سلسلة من النضالات والإضرابات والاعتصامات العمالية وفي امتداد تضامن شعبي مليوني مع نضال العمال. ولعب العمال المنظمون في "الاتحاد العام التونسي للشغل"، وفي فروعه المناطقية خصوصا، الدور الحاسم في إطلاق وتنظيم العملية الثورية التونسية والتنسيق بين قواها ومكوناتها، ولا يزال عمال تونس يواصلون النضال، إلى جانب قطاعات واسعة من الشعب، لمنع المصادرة والردة ومن أجل أهداف الثورة.

ومع أن سوريا هي البلد الوحيد الذي لم تبدأ فيه الانتفاضات من قضية اجتماعية، إلا أنه البلد حيث للثورة أعمق حاملة اجتماعية حرّكت الأطراف والأرياف، بمنتجيها من عمال زراعيين وفلاحين ومزارعين وحرفيين وبالعاطلين عن العمل والمهمشين أيضا، مثلما حركت سكان الضواحي والعشوائيات والفقراء المدينيين وقطاعات واسعة من الطبقات الوسطى.

لذا فالأول من أيار مناسبة للتذكير ليس فقط بالحوامل الاجتماعية للثورات وبشعارها المركزي "عمل، حرية، خبز" وإنما أيضا وخصوصا بقطاعات من الشعب والثورة يجري طمس حقوقها والمصالح والتطلعات، حتى لا نقول إنه يجري تجاهل وجودها ذاته، في خضم تلاطم الثقافويات والهويات القاتلة.

والأول من أيار مناسبة لتذكير الذين ينصبّون الحرية في وجه الخبز بأنهم يتناسون أن أسرع طريق لاغتيال الحرية هو إهمال الخبز، وأن "الفقر إذا جاع بياكل الملك"، على ما ورد في المسرحية الرحبانية، أكان الملك من سلالة ذوي النفط والغاز أو ذوي الجزمة العسكرية والمافيات والعسس.

والأول من أيار مناسبة لتذكير الذين يستخفون بالديموقراطية، باسم العمال والمصالح العمالية، أن الديموقراطية هي النظام السياسي الذي يتيح أقصى قدر ممكن من التعبير عن مصالح العاملين، ويشركهم في القرار السياسي، وأن الديموقراطية من دون هذه الوظيفة تفقد مبرر وجودها وتخلي المجال لشتى المغامرات الفاشية والديكتاتورية.

والأول من أيار مناسبة لاستحضار مصالح العاملين وتطلعاتهم والآمال عند البحث في الحقوق والحريات الديموقراطية. فحقوق الإنسان تصير حقوقا للإنسان عندما تشمل نواحي حياة الإنسان كافة وتوفر للبشر عموما الحد الأدنى من متطبات الحياة الحرة الكريمة. أي عندما تتحرر تلك الحقوق من الاحتكار النيوليبرالي الذي يختزلها بالحقوق والحريات الفردية والشخصية، فيجري استكمالها وردفها بسائر الحقوق في الماء والخبز والسكن والصحة، الوقائية والعلاجية، والبيئة النظيفة والتكافؤ في فرص التعليم. وهذه جميعها تحط الآن العين النيوليبرالية عليها قصد تسليعها وخصخصتها وإخضاعها لمنطق الربح والملكية الفردية. ثم إن الحريات كلها تثمر وتزدهر وتنمو عندما تتحرر من سطوة المال ورأس المال، وفي المقدمة منها حرية القول والتنظيم والإعلام.

والتذكير بالأول من أيار هو المناسبة للتعبير عن مدى حاجة القوى العاملة لمن يمثلها ليس في مجال التنظيم المهني والنقابي، وإنما أيضا في المجال السياسي.

والتذكير بالأول من أيار، وقد ارتبط تاريخيا باليسار، مناسبة لحث من يدّعون أنهم أصحاب العيد وممثلو العمال كي يتحولوا إلى ممثلين فعليين لهم. وكي يتولى هذا التمثيل يسار لا يخجل من نظرته الشاملة إلى الحياة والعالم، هو صاحب أغنى تراث في فهم الرأسمالية وفي نقدها، يسار لا يتردد في استخدام أدواته النظرية ـ حيث النظرية نقطة الانطلاق لا نهاية المطاف ـ من أجل إنتاج معارف عن السلطة والمجتمع تلبّي الحاجة العارمة إلى التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الجذري الذي أبانت الثورات الحاجة اليه وذلك بالمزاوجة الخلاقة بين قيمتي الحرية والمساواة. وعلى اليسار أن يملك جدارة تمثيل أشرف الناس لأنهم الممنوعون من الصرف، بل الممتنعون من الصرف، على قواعد المنطقة والمذهب والطائفة والدين والاثنية والعشيرة والقبيلة وأضرابها جميعا.

وفي هذا الأول من "نوار" ـ كما يسمّى الشهر في لبنان، تيمنّاً بتفتّح نوارات الزهر والزرع ـ ليس أجمل ولا أجدر من أن نلتقي، وأن نتبادل، التحية القرمطية الألفية: تحية العمل والأمل.

تحية العمل لأن العمل هو ما يميّز الانسان عن البهيمة، ولأنه حق لا مِنّة، ولأن العمل هو مصنع الأمل.
وتحية الأمل، لأن الأمل عمل، الأمل ممارسة تحويل العمل إلى إرادة تغيير. ولأننا في إزاء الآمال العريضة التي حملتها الثورات وما يتهددها من انتكاسات وخيبات، نجدنا "محكومين بالأمل" (سعد الله ونّوس) ومطالبين بأن "نربّي الأَمَل" ولو على مهل (محمود درويش).

"السفير"
 

التعليقات