15/08/2013 - 16:28

المرحلة المقبلة وإستراتيجيات المواجهة../ د. باسل غطاس

الواجب الوطني وخطورة المرحلة القادمة تحتم علينا التركيز على المشترك وتغليبه والتعامل مع خلافاتنا بروية وتحجيمها لا تعظيمها وتحويلها إلى حلبة لتوجيه الضربات وتسجيل النقاط.

المرحلة المقبلة وإستراتيجيات المواجهة../ د. باسل غطاس

أنهت الكنيست واحدة من أسوأ دوراتها بكل المقاييس، وخاصة من حيث سن القوانين العنصرية بالقراءة الأولى، وعينيا ما يسمى بـ"قانون توطين البدو" المعروف بـ"قانون برافر-بيغن"، وقانون رفع نسبة الحسم إلى 4% مما يعني منع التمثيل العربي في البرلمان. أضف إلى ذلك إقرار ميزانية هي الأسوأ منذ سنوات من حيث التقليصات ورفع الضرائب والضربات الموجعة المتوقعة للطبقات الضعيفة والمتوسطة. ورغم المصاعب العديدة والتناقضات المتفاقمة فقد صمد الائتلاف الحكومي وخاصة محور "لبيد- بينيت" الذي أثبت أنه بالرغم من انتهازيته السياسية فهو محور ثابت وصامد على الأقل في السنة القادمة. وبناء على تصرف القطيع الذي تميزت به كتلة "يش عتيد"، وهذه ظاهرة مثيرة فعلا في المشهد السياسي الإسرائيلي، نتوقع أن ينجح الائتلاف الحكومي بتمرير هذه القوانين في القراءتين الثانية والثالثة مع تعديلات معينة مثلا في نسبة الحسم.

إذا الأفق السياسي في المشهد السياسي الإسرائيلي متلبد ومكفهر فيما يتعلق بالقضايا الجوهرية للأقلية القومية وعلاقتها بالدولة. وهنا يجب أن نضيف، حتى تتوضح الصورة تماما، موضوع الخدمة المدنية التي تدفع السلطة باتجاهها بالموارد والتصميم على تجنيد 5000 متطوع حتى آخر عام 2015، وهذا سيكون مقدمة لإدخال العرب لاحقا في قانون المساواة في "تحمل الأعباء". ويرتبط بهذا وبخطورة غير مسبوقة موضوع تجنيد المسيحيين في الجيش. لقد تعاملنا مع الموضوع حتى الآن على أنه مقصور على كاهن عميل ومهووس وبعض المتجندين المتصهينين المدعومين من اليمين الإسرائيلي حتى دخل نتانياهو ومكتب رئيس الوزراء على الخط ليتخذ الموضوع أبعادا أكبر وأخطر بكثير، ويضع شعبنا بكل طوائفه أمام ضرورة تحمل مسؤولية تاريخية عن الموضوع.

هذا التلبد والاكفهرار يحاط بحالة من الضبابية والأحداث التي تعصف بنا من المحيط العربي المتلاطم، وهي تؤثر في أحوال المجتمع العربي في الداخل حتى أكثر مما نتصور. صحيح أننا لا نشكل رقم فاعل ومؤثر في هذه الأحداث ولكن مجتمعنا بانتمائه القومي العميق للشعب الفلسطيني والأمة العربية وانتماءاته الدينية أيضا، وخاصة قطاعات الشباب والمثقفين يتفاعل مع ما يجري وتظهر هناك خلافات حادة في المواقف وبلبلة تذكيها سرعة الأحداث وقلة المعلومات. ويجب أن نرى هذا التفاعل بإيجابية في النهاية مع أنه حاليا يشكل أحد التحديات لمواجهة المرحلة المقبلة في المواجهة مع المخططات والسياسات الصهيونية التي أوجزنا أهمها في المقدمة. وإذا أردتم عاملا أخر يعقد الصورة ويجعلها مفتوحة على احتمالات عديدة بما فيها أزمات في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي يدخل على الخط موضوع المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية التي لا تحمل أي بشائر بحصول أي تغيير جدي، وهي لا تسهم حاليا سوى بتعميق الشق في الشارع الفلسطيني، وتكريس وضع الانقسام ولا تشي سوى بمزيد من التنازلات الفلسطينية التي بدأت مع البدء بالمفاوضات بدون وقف الاستيطان بل وباستمراء حالة الهزيمة ببدء الجولة الأولى من المفاوضات بالتزامن مع الإعلان عن بناء 1200 وحدة سكنية في القدس والمستوطنات.

إذا كيف على شعبنا هنا في الداخل، وفي هذه الظروف الصعبة والمعقدة، أن يجهز العدة والعتاد وأن يصل إلى المستوى المطلوب من الأداء السياسي والشعبي لمواجهة المصائب التي تحضرها السلطة لنا؟

للتجمع الوطني الديموقراطي رؤية واضحة عما ينبغي علينا فعله ولطريقة إدارة الصراع مع السلطة. ونقول بداية لكوادر الحركة الوطنية ومختلف الحركات السياسية والجماهيرية الواجب الوطني وخطورة المرحلة القادمة تحتم علينا التركيز على المشترك وتغليبه والتعامل مع خلافاتنا بروية وتحجيمها لا تعظيمها وتحويلها إلى حلبة لتوجيه الضربات وتسجيل النقاط. هذا هو شرط أول للنجاح في حشد المجتمع ورفع مستوى أدائه وتجنده للرد على المخاطر الداهمة. إستراتيجية عملنا السياسي للمرحلة القادمة تستند إلى ثلاثة فرضيات عمل مركزية:

الفرضية الأولى: التصعيد التدريجي للنضال الشعبي والبرلماني والتأليب المحلي والدولي. وعدم الاستكانة إلى الإيقاع الذي تريده المؤسسة الإسرائيلية بحسب أولوياتها. التصعيد في المواجهة هو عنوان المرحلة القادمة، وهذا التصعيد أمر مفروغ منه إزاء تكالب المؤسسة وتصعيد مخططاتها هي. لا يمكن مواجهة وإسقاط مخططاتها بالمستوى الحالي، والمطلوب بدل قياس نبض الشارع هو عمل النملة يوميا وساعة ساعة على حشد ورفع وعي الناس، وفي الكثير من الأحيان انتهاز الفرص لنيل تعاطف أكبر عدد من الناس والمؤسسات محليا وعالميا. هذا هو دور القيادة والنخبة السياسية.

الفرضية الثانية: المبادرة إلى أفعال مدروسة ومبتكرة في المواجهة وعدم الاكتفاء بردود فعل لخطوات تقوم بها الحكومة. وهذا ينطبق على كل واحدة من المخاطر إذا كان قانون برافر أو مشروع الخدمة المدنية وتجنيد المسيحيين أو تحجيم التمثيل السياسي. بمقدورنا وضع إسرائيل في حالة الدفاع عن النفس، ولدينا العديد من الإمكانيات لقلب المعركة وتحويلها إلى "ملعب العدو" ولكن هذا يتطلب أفعالا متناسقة ومدروسة والتفافا جماهيري واسع.

الفرضية الثالثة: أن المرحلة القادمة على جسامة التحديات الكبيرة وخطورتها قادرة على إعادة الفرز المجتمعي باتجاه إطلاق مبادرات جديدة وظهور حركات وأجسام بمقدورها أن تغير المشهد السياسي العربي مما يوفر إمكانيات جديدة وغير مسبوقة في حالة المراوحة في المكان، خاصة فيما يتعلق بالهيئات التمثيلية العربية. تفاءلنا خيرا بالحراك الشبابي في موضوع برافر وكذلك في مخيمات العودة إلى إقرث وبرعم ومبادرات أخرى وننتظر منها الكثير (لماذا خبا وهجها بعد الأول من آب؟ أرجو أن تستعيد أنفاسها وحماسها بسرعة).
وللعمل تتمة بل تتمات...
 

التعليقات