01/09/2013 - 12:14

فلسطينيات في مواجهة سلطة الإفلاس السياسي والأخلاقي../ سوار عاصلة

نضال المرأة ليس وليد الحاضر، ولا هو بوليد أوسلو، بل هو نتاج مسيرة كفاحية طويلة منذ سنوات العشرين وحتى اليوم

فلسطينيات في مواجهة سلطة الإفلاس السياسي والأخلاقي../ سوار عاصلة

خرج الشباب الفلسطيني الأسبوع الماضي للتظاهر ضد استمرار المفاوضات بعد استشهاد 3 شباب من مخيم قلنديا في مواجهة مع جنود الاحتلال، وشاب آخر من مخيم عسكر في مواجهة مع أمن السلطة الفلسطينية.

ما يثير التساؤل هو كيف أخذت الأمور منحى آخر غاب فيه غضب الشارع عن المشهد، ليُصَبّ على المتظاهرين، وتتحول الضجة الإعلامية إلى جدل حول أخلاقيات الفتيات اللواتي شاركن في المظاهرة.
من المفارقة أن تأخذ صورة الفتاة الفلسطينية التي واجهت الأمن، وقدمت نموذجًا حيًا للمرأة الثائرة في الاحتجاج ضد الممارسات غير الأخلاقية للاحتلال والسلطة شكلا غير أخلاقيًا.

يستحضر هذا المشهد في ذهني أحداث الثورة في مصر عندما تعرضت بنات الميدان للتشهير بسمعتهن ونعتهن بالعاهرات من قبل بقايا نظام مبارك. كان أوج هذه الانتهاكات أحداث مجلس الوزراء عندما قامت قوات الأمن التابعة للقوات المسلحة بالاعتداء الجسدي على الفتيات وتسحيل "ست البنات" في الشارع، انطلقت على أثرها حملات لمساندة المرأة المصرية، والدفاع عن حقها في المشاركة في الاحتجاجات. ولعل أقوى شعارات الحملة كانت "ارفعي رأسك يا كل من كنتي في الميادين...الجيش عرى نفسه ما عركيش".

تكمن رمزية هذا الشعار فيما يحمل من دلالات تكشف عن سلوكيات النظام، حيث جاءت حادثة سحل ست البنات لتعري النظام من الزوائف، وتكشف عن أخلاقه وممارساته ضد النساء، ربما لم تصل ممارسات الأمن الفلسطيني إلى حد تسحيل وتعرية الفلسطينيات في الشوارع، إلا أن هذه الأساليب في القمع والتشهير بسمعة الفتيات تعري هذه السلطة أيضًا كما عريّ النظام في مصر.

الاستحواذ على أي سلطة وترسيخ الحكم يوجب استخدام أساليب قمعية مختلفة لفرض نظام سياسي يصوَّر كممثل للخير العام. إن ما يجري اليوم في الشارع الفلسطيني هو حرب سياسية تشنها السلطة على المعارضة وتحديدًا على المرأة الفلسطينية ونشاطها السياسي، متمترسة خلف متاريس الأخلاق والعادات الاجتماعية وحماية الأمن العام.

يقوم النظام السياسي - الاجتماعي بإعادة إنتاج منظومة القيم الأخلاقية والأيديولوجية والثقافية ليكرسها كإحدى آلياته في حماية نفسه. هدف هذه المنظومة هو إعادة صياغة مفاهيم الخطأ والصواب والتسميات من منظور أخلاقي، لتتحول المعارضة إلى محور شر يجب محاربته، فيقمع أي فكر مناهض للسائد، وتكَرَّس ثقافة سياسية تتحرك ضمن منظومة من الرؤى تتلاءم مع النظام السائد ومكاسبه.

ما كتب عبد الرحمن الكواكبي عن طبائع الاستبداد في أواخر القرن الثامن عشر أفضل ما يمكن أن يقال في وصف هذه الحالة: "الاستبداد يتصرف في أكثر الأميال الطبيعية والأخلاق الحسنة، فيضعفها أو يفسدها أو يمحوها.. هو يقلب الحقائق في الأذهان ويستخدم قوة الشعب، وهي قوة الحكومة على مصالحهم لا لمصالحهم، فيصبح طالب الحق فاجرا وتارك حقه مطيعا، والمشتكي المتظلم مفسدا، والنبيه المدقق ملحدا، والخامل المسكين صالحا أمين"ا.

اذًا تحاول السلطة الفلسطينية، مستعينة بكافة أذرعها الإعلامية ومؤسساتها تبرير ممارساتها، وخلق انطباع لدى الشعب الفلسطيني أنها تحمي الأمن العام من هؤلاء الذي يقفون في وجه السلطة من المضي قدُمًا بالقضية الفلسطينية عبر المفاوضات.

ما شهدته مظاهرة رام الله وما دار بعدها من جدل واتهامات بحق الفلسطينيات المشاركات وقلب المشهد واتهام من شاركوا بالعهر وانعدام الأخلاق، ووصفهم بكلمات نابية ما هو إلا تقنية سلطوية تحاول من خلالها السلطة قلب المشهد وإلصاق ألقابها وأفعالها بأبناء شعبها.

هذا العنف والتحريض الذي يمارَس في حق المعارضة هو حصيلة مناخ سياسي- اجتماعي وما يصحبه من ثقافة سياسية متواطئة مع الاحتلال الإسرائيلي وثقافة سلطوية ذكورية مترسخة في آن.

التحريض ضد المتظاهرات والتشكيك في أخلاقهن يهدف إلى المساس بسمعة المتظاهرات، وتشويه صورة النضال الفلسطيني. وتلجأ السلطة إلى استعمال هذا النوع من الخطاب الأخلاقي لإفقاد المعارضين للسلطة مصداقيتهم وإبعادهم عن النشاط السياسي وتعبئة الشارع الفلسطيني ضدهم.

لجوء السلطة إلى هذه الأساليب يفضح إفلاسها السياسي والأخلاقي وضعف أساليبها وتمسكها بأي شيء يثبّت وجودها. هذه السلطة التي تدّعي الأخلاق والشرف تمارس التبعية والتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي، واحتكار السلطة والفساد والنصب وسرقة المال العام ومصادرة الحريات، وتشويه معالم ورموز الثقافة الوطنية وحرف النضال الفلسطيني عن بوصلته.

أين كان رجال السلطة أيام الانتفاضة الأولى والثانية؟ وأين كانت المرأة الفلسطينية التي دفعت فلذات أكبادها وحياتها لأجل كرامة بلدها وشعبها؟ ألم تكن في مقدمة الصفوف؟

المرأة الفلسطينية تواجه أشد التحديات في مسيرتها النضالية، فهي واجهت على مدار السنين قمعًا على عدة مستويات، فقاومت الاحتلال الإسرائيلي وسلطة متواطئة مع هذا الاحتلال من جهة، ومجتمعا ذكوريا رجعيا من جهة أخرى. نضال المرأة ليس وليد الحاضر، ولا هو بوليد أوسلو، بل هو نتاج مسيرة كفاحية طويلة منذ سنوات العشرين وحتى اليوم.

النضال الفلسطيني ضد الاحتلال وكل من يتواطأ معه هو قيمة أخلاقية بحد ذاتها. نحن شباب وشابات هذا الوطن نسعى للحفاظ على مكونات المجتمع الفلسطيني الإنسانية، وسوف ندافع عن ثوابتنا الوطنية، وعن حق فتياتنا ونسائنا في المشاركة السياسية، لأن حرية شعبنا من حرية نسائنا.
 

التعليقات