20/09/2013 - 14:41

خفة القتل التي لا تحتمل../ د. سهاد ظاهر ناشف

كون الله مُذكرًا هذا لا يعطي للرجل الذكر حق القدسية ولا يعني بأن كل رجل وكل أب هو مقدس ورب

خفة القتل التي لا تحتمل../ د. سهاد ظاهر ناشف

الأول من أيلول 2013،

بعض وسائل الإعلام ذكرت أن الساعة كانت 07:30

بعضها نوهت بأنها ربما 08:00

قبلها بساعة أو ربما أقل

البيت 1: نهضت أماني كعادتها في كل صباح، اغتسلت ولبست ملابس مدرستها الموحدة، نظرت في المرآة وتأكدت بأنها جميلة ككل صباح، جهزت نفسها ليوم دراسي آخر. خرجت...مشت.... فاجأها والدها... التصق بها.... قتلها.

البيت 1: مادلين، نهضت هي الأخرى، جهزت نفسها، ربما فكرت ماذا سترسم اليوم! إنها جاهزة لاستقبال نهارها. خرجت..... مشت.... فاجأها والدها... التصق بها.... قتلها.

البيت 2: على وجهها ابتسامة الطفولة البريئة، فرحة ليوم آخر في الروضة، يوم تلعب به وتقفز وتغني وتتأرجح. حملت حقيبتها التي يغلب عليها اللون الزهري، وبها إفطارها لليوم ورسومات لونتها بألوان الليلك والزهري، جلست في مقعدها الخلفي في السيارة، تحركت السيارة... توقفت السيارة.... نزل والدها من السيارة وذهب باتجاه أختيها، قتلهما وعاد إلى السيارة. ارتعبت، ربما بكت وربما صرخت. ربما هدّدها بالسلاح إن لم تسكت. وصلت معه إلى مكان عمل أمها .... مشيا.... رأت أمها.... وضع السلاح على رأسها .... قتلها.

البيت 3: نهضت زهيرة، ربما منفعلة ليوم عملها الأول ربما خائفة لحدس خالجها بسوء آت صوبها.... جهزت نفسها خرجت إلى عملها، وصلت، ابتدأت نهارها، فاجأها على غير عادته، ممسكًا بيده لمى.... قتل لمى أمام عينيها وأرداها قتيلة ..... قتلها.

البيت 4: نهض عبد السلام، سيذهب كعادته كل صباح إلى عمله كمدير لبيت المسنين. فكر، خطط، تناول قهوته.... لبس ملابسه.... خرج من بيته....ب اغته فجأة بشير نجار .... قتله.

أكمل مسافرًا بسيارته..... انتحر.

4 مسارح جريمة، 4 مسارح حياة، 5 سيناريوهات قتل مدتها حوالي 45 دقيقة[1].

تساؤلات لا بد منها:

هل حاول أحد ما اللحاق به وإيقافه؟ ألم تره عيون المارة؟ ألم يره الناس؟ وإن رأوه، ماذا فعلوا؟ هل اتصل أحدهم بالشرطة لحظة قتل مادلين وإيمان؟ أين كان عدد الرجال الهائل الذي حمل أجسادهن إلى مثواهن الأخير؟ لماذا لم تصل الشرطة إليه قبل إنهائه مخططه الكامل؟

مادة للتفكير:

في قلب دبورية مركز للشرطة

في دبورية أكثر من 10,000 إنسان/ة

خفة القتل في مجتمعنا أصبحت لا تُحتمل، ولكن كيف أصبح القتل بهذه الخفة المحتملة في مجتمعنا؟

القاتل رجل، غالبًا. ويمكن القول أيضًا: القاتل هو رجل دائما. لماذا؟

معلومة: في العقد الأخير قُتلت 88 امرأة، فتاة، طفلة فلسطينية في الداخل، منها 13 في سنة 2013. كل النساء والفتيات والطفلات قتلن على يد رجال، فقط رجال؟

تساؤل: لماذا تُقتل النساء؟ لما يقتلها رجال؟

تنويه: الإجابة هي ليست بالضرورة لأن المجتمع أبوي.

قبل ثلاثة أشهر توجهت زهيرة للشرطة وقدمت شكوى ضد القاتل. ماذا فعلت الشرطة؟

معلومة: يدعي قائد منطقة العفولة في الشرطة أن الشرطة قدمت للنيابة توصية بتقديم لائحة اتهام ضد الجاني. لكن النيابة تنفي ذلك لا بل وتدعي أن الشرطة أوصت بإغلاق الملف! من يصدُق؟

الإجابة: أميل لتصديق أن كلاهما كاذب.

زهيرة كما العديد من النساء الفلسطينيات اللاتي قتلن، تقدمت بشكوى للشرطة. كثيرًا ما تكون الشرطة على دراية بأنّ حياتها مهددة ولا تعمل أي شيء يمنع من يهددها من الاقتراب منها. على العكس، تدخُّل الشرطة والمؤسسة الإسرائيلية يقتصر على إبعاد النساء إلى الملاجئ ويبقى الجناة أحرارًا. لماذا لا تكون الملاجئ لمن يهددون حياة امرأة؟

حسب معطيات الشرطة تم إيقاف الأب القاتل من دبورية مرتين سابقًا بسبب العنف العائلي وحيازة سلاح، لكن لم تُقدّم لائحة اتهام وأغلق الملف. تمامًا كما العديد من حالات العنف والقتل الممارس على النساء الفلسطينيات. مادلين وإيمان عانتا من عنفه حتى بعد طلاقه من والدتهما، ولذلك فضلتا قطع كل صلة به، لكنه فرض صلته بهن بأن يكون قاتلهن وآخر من تراه أعينهن. سلاحه مسروق وغير مرخص تماما كالعديد من الأسلحة المنتشرة بعلم الشرطة في مجتمعنا، ورصاصها يطال الكثير من بنات وأبناء المجتمع الفلسطيني في الداخل.

لماذا؟ لما كل هذا العنف؟

ظاهرة قتل النساء ليست بجديدة ولا تقتصر أو تنحصر في المجتمع الفلسطيني أو العالم العربي، بل هي ظاهرة مشتركة لكل الثقافات والحضارات مع تفاوت بالأعداد فقط. لكن ما الذي يميّز المجتمع الفلسطيني عن سائر المجتمعات؟

لا بد من البدء بطرح الإجابات عن بعض الأسئلة.

لا يمكن فصل ظاهرة قتل النساء عن مظاهر العنف عامة في مجتمعنا. سيزداد عدد الضحايا مهما عملت الجمعيات النسوية والحقوقية، طالما القتل والانتحار الجمعي آخذ بالازدياد. الشرطة والنيابة لا تحركان ساكنًا، ولن تحركانه لأنهما معنيتان بعرب أقل على أرض أكبر. لأنها معنية بمجتمع فلسطيني ضعيف ومفكك. اليوم "مزاجنا الجمعي" يتميز بالتفكك والانتحارية الفردية والجمعية. هذا مراد كل مستعمِر، ويقوم بتعزيز ذلك من خلال إقصاء وتهميش من يستعمره/ا إلى المنطقة المُقصاة-المُحتواة بذات الوقت. في هذه المنطقة يستطيع السيد التحكم بحياة عبده بسهولة أكبر وحياة العبد عرضة لخطر الموت بشكل دائم. في هذه المنطقة يستطيع السيد اختيار منح الحياة أو الموت لعبده. النساء المهددة تُبعد للملجأ، إذا هي مبعدة ومهمشة ثلاث مرات: كأقلية فلسطينية مُحتلة، كامرأة وكمهدّدة بالقتل.

إذًا، السيد الإسرائيلي متمثلا بالشرطة والنيابة والمؤسسة القضائية، قرّر منحها الموت، وهو يفعل ذلك بشكل تكتيكي وبأدوات استعمارية بحتة، مثل التعامل مع قتل النساء كفعل ثقافي وحضاري يميز المجتمع الفلسطيني. وكذلك بواسطة تسمية القتل بمسميات عدة؛ "القتل على خلفية الشرف" أو "القتل على خلفية غرامية"، وبذلك فهو يخلق حقيقة يصدقها حتى المستَعمَر ويتداولها بسهولة ويستخدمها وسيلة لتبرير جريمته.

قتل النساء والعنف عامة هو المرحلة الثانية من ثلاث مراحل العنف. نحن ما بعد المرحلة الأولى وهي تغلغل عنف السلطة الإسرائيلية في الفضاء الفلسطيني ولهذا ففي المرحلة الثانية، حين لا يستطيع الفلسطيني إرجاع العنف للسيد والحاكم فإنه يمارسه على نفسه وتبدأ عمليات جلد الذات وهدم الذات التي تتمثل بالعنف والقتل للآخرين في المجتمع بما فيهن النساء.

لا بد للإشارة بأن العديد من الفلاسفة مثل حنا أرندت، جان بول سارتر ، فرانتس فانون، ميشيل فوكو وغيرهم، تطرقوا للعنف كممارسة دائمة الوجود مع وجود سلطة. وهكذا طالما تواجدت سلطة استعمارية وسلطة أبوية سيبقى العنف مستشريًا وآخذًا بالازدياد خاصة ضد النساء.

إضافة للقمع الاسرائيلي والتهميش الذي يخلق ممارسات القتل والانتحار الجمعي، المجتمع الفلسطيني هو مجتمع أبوي. صحيح، لكن العالم بأسره أبوي. أبوية المجتمع الفلسطيني ليست هي السبب الوحيد والمباشر لقتل النساء بل هي جزء من العوامل التي تعزز القتل. ما يميز المجتمع الفلسطيني هو جدلية البنية الاستعمارية والبنية الأبوية. هذه الجدلية هي التي تعزّز وتزيد من قتل النساء. في كلا البنيتين هنالك سيد: الحاكم والأب. كلاهما الأب الذي يأخذ مكان الرب ويسمح لنفسه التحكم بحياة وممات بناته وأبنائه. رب البيت، هذا السيد الأصغر الذي يأخذ ليديه أدوات السيد الأكبر. وكثيرًا ما تعطيه النساء هذا الحق.

الحل: التحرّر من سلطة الأب وسلطة السيد، من خلال التخلص من فكرة أننا العبد/ة التابع/ة للسيد الأب أو الحاكم.

سؤال، لكن دون إجابة: هل القتل هو دلالة على قوة؟ أم أنه قمة الضعف؟

سؤال، لكن مع إجابة: لماذا القاتل غالبا هو رجل؟

قاتل المرأة والرجل هو غالبا رجل لأن جميع المجتمعات التوحيدية الحالية، وهذا أيضًا يوضح مقولتي بأن العالم بأسره أبوي، يتعامل مع الخالق على أنه رجل، كونه مذكرا في القرآن والتوراة ورجلا في الإنجيل.

من يُحيي ويُميت مذكّرا

للرجل الذكر ملكية على وسائل الإحياء والإماتة

رجال، فقط رجال هم من حملوا أماني ومادلين ولمى وزهيرة إلى مثواهن الأخير.

يقتلون، يدفنون

يُقتلن، يُدفنّ.

كون الله مُذكرًا هذا لا يعطي للرجل الذكر حق القدسية ولا يعني بأن كل رجل وكل أب هو مقدس ورب.



[1]بعض المعلومات في المقال جُمعت من تقرير وأرشيف جمعية نساء ضد العنف.

 

التعليقات