20/09/2013 - 10:57

في ذكرى الهبة.. عرب الداخل داخل المعادلة../ عوض عبد الفتاح

إن العداء الذي استشرى ضد عرب الداخل بعد مشاركتهم في الهبة الشعبية العارمة والذي تجسد في سيل من القوانين والممارسات العنصرية والعدائية، هو وجه واحد للمشهد الذي تشكل خلال هذه الفترة، أما الوجه الآخر وهو الأهم هو تغيّر عرب الداخل وتحولهم إلى رقم صعب في معادلة الصراع. والمهمة المطروحة أمامهم هو كيفية ترجمة هذا الجانب إلى واقع جديد. لا زال أمامنا مشوار طويل، ولكن لدينا اليوم أدوات ومعطيات جديدة تضيف إلى ذخيرتنا النضالية المتراكمة

في ذكرى الهبة.. عرب الداخل داخل المعادلة../ عوض عبد الفتاح

 تفصلنا أيام قليلة عن ذكرى الهبة الشعبية العارمة التي اجتاحت شوارع وأزقة البلدان العربية الفلسطينية، بما فيها الأحياء العربية في المدن الفلسطينية الساحلية التي أصبحت تُدعى بالمدن المختلطة بسبب أخطبوط السرقة والتهويد والممارسة الكولونيالية..

قبل 13 عاماً، فوجئ العالم الذي كان ذهب إلى النوم مطمئناً إلى دور اتفاق أوسلو في ترويض المارد الفلسطيني، وتوفير الحماية والأمن للمشروع الكولونيالي الإسرائيلي، باستيقاظ هذا المارد بكامل قوته وعنفوانه مستمداً قوته من مقاومته العنيدة والطويلة منذ بداية الغزوة الصهيونية والبريطانية للبلاد المقدسة-فلسطين. وتأكد أن هذا الشعب عصيّ على الترويض على خلاف قيادته التي تحولت إلى شركة أمنية خاصة لحماية الاحتلال. وجاء اغتيال الشهيد عرفات على يد إسرائيل بعد أن بدأ الأخير بمراجعة الخطأ الذي ارتكبه. فأتت راعية المفاوضات- العبثية- الامبريالية الأمريكية، بقيادة تكفر بالمقاومة حتى الشعبية اللاعنفية منها ، وتقدس المفاوضات وتحولها إلى طقوس عبر مفاوضها الرئيس الذي حول "لعبة الكلام مع العدو" إلى حياة.

المفاجأة الثانية (التي أصابت العالم) آنذاك هي زحف الغضب إلى داخل الخط الأخضر، ليس على شكل مظاهرات ومسيرات مرخصة بل على شكل تسونامي جماهيري غاضب وعارم خرج من داخل المدن والقرى الفلسطينية والجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل إلى خارجها معطلاً طرقاً رئيسية في البلاد. وهو التطور الذي وصفه قادة الدولة العبرية بجبهة معادية داخلية. لم يكن قرار لجنة المتابعة آنذاك بإعلان الإضراب العام احتجاجاً على مجازر الاحتلال في ساحة الأقصى سوى المسرّع في إطلاق عفوية الناس واستعدادها للتضحية في سبيل شعبها، ووجودها ومستقبلها.

أدركت الدولة العبرية إزاء هذا المشهد الذي اجتاح بيتها الداخلي، أنها أمام يقظة شاملة للشعب الفلسطيني وأن كل سياسات التجهيل، والعدمية القومية، تنهار أمام أعينها. كان خبراؤها قد توقعوا ردود فعل غاضبة من عرب الداخل في يوم من الأيام ولكنهم لم يتوقعوا حجمها ومدتها. إذ امتدت المواجهات على مدار أيام متواصلة كان من الصعب إيقافها بدون قرار من لجنة المتابعة التي أرادت اختصار الدم والأرواح نظراً لجنون القيادة الإسرائيلية التي استعملت الذخيرة الحية لتفريق مسيرات شعبية.

وضعت هذه الهبة الشعبية لفلسطيني الداخل، التي سقط فيها 13 شهيداً، ومئات الجرحى، في مواجهة شاملة وجريئة غير مسبوقة، على خريطة الصراع الدائر بين الشعب الفلسطيني والحركة الصهيونية منذ أكثر من قرن.

هناك من انبرى من بين ممثلي الجمهور الفلسطيني داخل الخط الأخضر، ناقداً لخروج الناس تضامناً مع أبناء شعبهم، وانجرفوا وراء جوقة التحريض الإسرائيلية ضد المواطنين العرب واتهامهم هم وقياداتهم الوطنية بالتطرف واللامسؤولية. لقد تم التصدي لهذه الأصوات المتخاذلة وإسكاتها أو على الأقل منعها من إطلاق التصريحات الانهزامية بصورة علنية. وكان التجمع الوطني الديمقراطي أكثر القوى التي اجتهدت وعملت على التصدي لهذه الأصوات، وهو الأمر الذي أبقى الحزب وقياداته تحت نار الاستهداف على شكل تحريض منهجي ومحاولات لنزع الشرعية القانونية عنه.

وإذا لخصنا بجمل قليلة انتفاضة عرب الداخل في الأول من أكتوبر عام 2000، نقول إن عرب الداخل بدأوا يفرضون قضيتهم على أجندة محافل دولية هامة، التي بدأت تتجرأ على إثارة هذه القضية مع الدول العبرية على خلاف ما كان قائماً عندما كانت ترفض تدخّل هذه المحافل في شؤونها الداخلية. لقد جاء هذا بفضل تضحياتهم ونضالاتهم، والتي استند عليها الناشطون والقيادات العربية المحلية في حملاتهم في الخارج.

لقد نجحنا في إسقاط الكثير من الأقنعة عن الدول العبرية، وكشفنا بشكل لا يقبل الدحض التناقض الكامن بين ديمقراطيتها ويهوديتها. كانت الدولة تستند أساساً في حملتها الدعائية على علاقتها مع الأقلية الفلسطينية، فتعرضها على أنها علاقة ديمقراطية. وقد ظل هذا الادعاء منتشراً على نطاق واسع عالمياً حتى انفجار هبة القدس والأقصى.

ومن يرصد الكتابات في العديد من منابر الغرب الإعلامية الليبرالية والمحافظة، سيلاحظ كم من المواد كتبت عن عرب الداخل من خلال علاقتهم بالدولة العبرية وهي كتابات انتقادية واضحة.

هذا كله يطرح أسئلة حول مستقبل دور عرب الداخل في الصراع، الدفاع عن وجودهم والنضال من أجل حقوقهم اليومية والقومية وفي مساهمتهم في النضال الوطني الفلسطيني وفي الخيار الديمقراطي الآخذ في التداول في أوساط فلسطينية وصديقة متنامية.

إن العداء الذي استشرى ضد عرب الداخل بعد مشاركتهم في الهبة الشعبية العارمة والذي تجسد في سيل من القوانين والممارسات العنصرية والعدائية، هو وجه واحد للمشهد الذي تشكل خلال هذه الفترة، أما الوجه الآخر وهو الأهم هو تغيّر عرب الداخل وتحولهم إلى رقم صعب في معادلة الصراع. والمهمة المطروحة أمامهم هو كيفية ترجمة هذا الجانب إلى واقع جديد.  لا زال أمامنا مشوار طويل، ولكن لدينا اليوم أدوات ومعطيات جديدة تضيف إلى ذخيرتنا النضالية المتراكمة.

التعليقات