27/10/2013 - 09:58

غياب التوافق يذبح سورية../ هاني عوكل*

يبدو أن الملف السوري ما يزال يغلي على نار الصراع الداخلي المستمر منذ حوالي ثلاثة أعوام، بينما غياب التوافق والإجماع الدولي حول هذا الملف يزيد من الطين بلة، ويضيف تعقيدات من شأنها أن تطيل أمد الحرب التي تطيح معها الأخضر واليابس

غياب التوافق يذبح سورية../ هاني عوكل*

يبدو أن الملف السوري ما يزال يغلي على نار الصراع الداخلي المستمر منذ حوالي ثلاثة أعوام، بينما غياب التوافق والإجماع الدولي حول هذا الملف يزيد من الطين بلة، ويضيف تعقيدات من شأنها أن تطيل أمد الحرب التي تطيح معها الأخضر واليابس.

الأطراف الدولية اتفقت حول الكيماوي السوري في قرار دولي اعتبر الأول من نوعه يمس الملف السوري، ذلك أن الاتفاق الثنائي الأميركي- الروسي في جنيف، قبل إصدار قرار مجلس الأمن أواخر الشهر الماضي، وحده من سحب الحجة من الأميركان بشأن توجيه ضربة عسكرية محتملة إلى سورية، ووحده الذي مكّن من الانتقال إلى مستوى خضع لقرار رسمي يستهدف "تشليح" النظام السوري من ترسانة الكيماوي.

الأطراف الدولية لا تشتغل في الملف السوري اعتباطاً، فعلى سبيل المثال تعتقد الولايات المتحدة أنها حققت هدفاً مهماً يتعلق بوضع الكيماوي السوري تحت عهدة مجلس الأمن الدولي، الأمر الذي لاحظناه في تصريحات النظام السوري، واستعداد الأخير بقوة للكشف عن كل مخزونه من هذا السلاح.

لقد كانت الولايات المتحدة حريصة منذ بداية الصراع في سورية، على الاستجابة لمطالب العديد من الدول بضرورة تنحي الرئيس بشار الأسد عن الحكم، لكنها أي الولايات المتحدة، لم تبد حماساً منذ البداية تجاه الملف السوري، ربما لأسباب خارجية وأخرى داخلية، تتصل عموماً بانقسام الأطراف الدولية الفاعلة إلى معسكرين مع وضد سورية، إلى جانب خوف أوباما من التورط في دخول المستنقع السوري تزامناً مع التركيز على الشأن الداخلي الأميركي على حساب أي دور عسكري خارجي تحديداً.

جميع الأطراف الدولية لعبت في سورية، معها وعليها، إذ شكلت الحرب هناك حالة من الانقسام والاصطفاف بين دول مع الرئيس بشار الأسد وأخرى تعارضه، وبدا أن النظام الدولي يتشكل ويتبلور في دمشق، ويتغير من نظام القطبية الواحدة إلى متعدد الأقطاب.

مع ذلك لم تتمكن القوة العسكرية داخل سورية من حسم الصراع، لا من جانب النظام ولا من قبل المعارضة التي يبدو أن الكثير من الدول بدأت تنظر إليها بمزيد من القلق، بسبب ما أصابها من فسيفسائية وانشطار إلى مئات من التنظيمات والجماعات، جزء كبير منها ينتمي إلى أقصى التطرف.

الحسبة في سورية إلى هذه اللحظة، جد صعبة ومقلقة ولا تبعث على الأمل شيئاً، وعلى الأرجح أن النظام السوري بدأ يستوعب أن وجود تنظيمات بهذا الشكل مع خلافات وتمردات، من شأنه أن ينعكس إيجاباً في أوراق النظام، خصوصاً في حال عقد مؤتمر جنيف 2.

المعنى من ذلك، أن الرئيس بشار الأسد يشعر بأنه غير معني بترك منصبه، يعزز هذا الشعور، القناعة الراسخة بأن معارضة مثل التي في سورية، غير مقنعة ومتماسكة وفي حال انتقلت إلى مربع السلطة فإنها ستكون وبالاً يرتد على المجموع السوري.

طبعاً هذا الشعور لدى الرئيس مدفوع بطبيعة الحال بثبات نظامه أمام كافة التحديات والإرهاصات التي تتصل بالوضع السوري، في حين أنه يستند إلى أطراف دولية قوية ومؤثرة على الساحة الدولية، إلى جانب أن الرئيس الأسد يعتبر أنه انتصر على كل محاولات توجيه ضربة عسكرية ضد سورية، قد تطيح بحكمه.

لقد حسم النظام السوري موقفه من مؤتمر جنيف 2، بإعلان قبوله الذهاب إليه، مدفوعاً برغبة بقاء الأسد في السلطة، الأمر الذي استفز المعارضة السورية، واستفز أيضاً عدداً من الدول العربية تحديداً، التي ترى أن شرط نجاح جنيف 2 مرهون برحيل الأسد عن السلطة.

حتى أن هذه الدول العربية تأخذ على الأميركان ليونتهم في التعامل مع الملف السوري، وأيضاً الملف الإيراني، خصوصاً حينما تعلق الأمر بالموافقة المبدئية من قبل واشنطن على إشراك طهران في جنيف 2، في حال وافقت الأخيرة على مقررات جنيف 1.

على كل حال وكما أسلفنا، يمكن القول إن القوة العسكرية لم تحقق الانفراج الذي كانت تتمناه مختلف الأطراف، ويبدو أن هناك رغبة لدى الأميركان والروس بإيجاد حل سياسي، خصوصاً وأن وزير الخارجية الأميركية جون كيري، صرح أكثر من مرة بأن الحل في سورية سياسي وليس عسكري.
ولأن هناك شبه إجماع على أن الحل سياسي، فقد سعت كل من روسيا والولايات المتحدة إلى المضي في تأمين جنيف 2، ومحاولة الدفع بكافة الأطراف السورية للاستجابة لعقد هذا المؤتمر، والوصول إلى حل يجنب سورية ويلات الدمار والتشرد.

وصحيح أن الحل سياسي، لكن لم تتفق مختلف الأطراف بعد على شكل هذا الحل، ذلك أن الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الأممي إلى سورية، يواصل جولته المكوكية لأكثر من دولة عربية، بغية تقريب وجهات النظر بشأن انعقاد جنيف 2.

لكن يبدو أن اجتماع مجموعة أصدقاء سورية في لندن، الذي ضم وزراء خارجية 11 دولة، أحرج جولة الإبراهيمي، حيث تمخض عن هذا الاجتماع ربط عقد مؤتمر جنيف 2 بموقفين، الأول: إشراك المعارضة المعتدلة فقط في المؤتمر، والثاني: تشكيل حكومة انتقالية بدون الرئيس الأسد.

مع ذلك، تجري محاولات لجمع النظام والمعارضة في طاولة واحدة، وإيجاد حالة من التوافق بين الطرفين لوضع حد للصراع الدائر بينهما، لكن قليلين من يتبنون هذا الموقف في شق التوافق على الحل، أما المعارضة التي تطالب بإقصاء الأسد عن الحكم، لم تقرر بعد موافقتها على المشاركة في جنيف 2.

إذاً هو غياب توافقين، الأول غياب التوافق الداخلي وحالة التشظي الكامل في صفوف المعارضة، وأيضاً غياب التوافق الدولي على شكل وإطار جنيف 2، ولعل السيناريوهات المحصورة في الشأن السوري قليلة، ذلك أن التوقعات بشأن المؤتمر الدولي محبطة إلى اللحظة، ولعل شهادة الوفاة أعلنت قبل تحديد المؤتمر في حال عقد أواخر الشهر المقبل.

وبرأينا، فإن غياب التوافق حول الحل السياسي، سيعني أن الخيار العسكري هو الوحيد تقريباً المتبقي لحسم الصراع أو التمهيد لإيجاد حل سياسي، ودون ذلك فإن مختلف الأطراف ما تزال تراوح في مكانها، لأن النظام السوري لم يقدم تنازلات بشأن استعداده للرحيل، وسمعنا عن نية ترشح الأسد لولاية رئاسية أخرى، وأما المعارضة فهي متمسكة بلاءاتها الأساسية المتعلقة بضرورة إقصاء الأسد وعدم التصالح مع نظامه.

وعلى ما يبدو أن السيناريو الأكثر واقعية في هذه المرحلة، يتصل بتكريس الموقف والإجماع الدولي لصالح ضبط والتخلص من الكيماوي سريعاً، ومواصلة الصراع الدائر في سورية، إلى حين تدرك الأطراف الداخلية ومعها اللاعبون الكبار، أن الظروف باتت مواتية لإنضاج حل سياسي يؤدي إلى نقلة دراماتيكية إلى مربع تفضيلي عن المربع الحالي.
 

التعليقات