25/11/2013 - 12:51

هل يصل الربيع العربي إلى الجزائر؟../ هاني عوكل

وعلى الأرجح أن يكون المرض وحده من يعيق رئاسة بوتفليقة، إنما غير ذلك، فإن الرئيس يمضي في مهامه ويبدو أنه سيوفق في الولاية الرابعة، وسيتغلب على عقبات غير كبيرة في المنظور الحالي. ويبقى السؤال المطروح: وماذا بعد بوتفليقة؟

هل يصل الربيع العربي إلى الجزائر؟../ هاني عوكل

أكثر من عشرين عاماً مرت على ما يسمى بعشرية الدم، هذه الأخيرة التي عانت خلالها الجزائر من ويلات نزاع داخلي وحرب أهلية أدت إلى مقتل أكثر من 200 ألف جزائري، في لحظة تاريخية مهمة كانت فيها البلاد على موعد مع فصل ديمقراطي مهم.

التجربة الجزائرية في الإصلاحات ومساعي التحول الديمقراطي كانت مبكرة، وخضعت لامتحان رهيب وصعب للغاية، ولعل البلاد شهدت بالفعل محاولات للانتقال السياسي، ارتبطت بطبيعة الحال بموجة من الإضرابات والاحتجاجات الشعبية على حكم الحزب الواحد في الثمانينيات من القرن الماضي.

كان الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد يحكم الجزائر منتصف الثمانينيات، لكن عانت البلاد حينها من فساد وانخفاض في أسعار النفط، وتدهور اقتصادي انعكس على حياة الناس، في وقت ارتفعت فيه أسعار السلع الأساسية مثل الخبز، وتشددت قبضة الأمن وقيدت الحريات العامة، ما أدى إلى تنامي حالة احتجاجية شعبية أوائل شهر تشرين الأول من العام 1988.

لم يكن أمام بن جديد حينها سوى إخماد الاحتجاجات، لكن قوة الأخيرة دفعت بالرئيس الراحل إلى التفكير جدياً بالمضي في إصلاحات ديمقراطية قام بها بالفعل، بينما كان الحزب الواحد أي جبهة التحرير الوطني، منقسما بين تيار إصلاحي وآخر تقليدي متمسك بتكريس العسكر والانفراد في حكم بوقود الشرعية الثورية.

بن جديد أراد أن ينقل النظام من الشرعية الثورية إلى الدستورية، ولعله استجاب حقيقةً لصوت الشارع الجزائري، خصوصاً وأن البلاد شهدت ولأول مرة بعد الاستقلال، موقفاً جزائرياً عارماً ضد النظام، الأمر الذي حذا ببن جديد إلى اعتماد سياسة الانفتاح بشكل عام، تزامناً مع السماح بالتعددية السياسية.

ولعل دستور 23 شباط 1989 كان تتويجاً لنضالات الجزائريين في أهمية التعددية السياسية والتداول السلمي والديمقراطي للسلطة، وبعد هذا التاريخ بعدة أشهر كان النظام الجزائري يعترف رسمياً بالجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي كسبت الانتخابات البلدية والتشريعية في كانون الأول من العام 1991.

لم يكن يعتقد النظام آنذاك أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ ستفوز في كل من الانتخابات البلدية والتشريعية، ومن ثم لم يستوعب هذه النتيجة التي تعامل معها بقسوة، حيث وضع رموز الجبهة الإسلامية في السجن، وعاد إلى السلطة بمبرر أن الهدف من ذلك هو حماية البلاد والدفاع عن مصالحها، ولاحقاً حل الحزب الإسلامي في آذار 1992.

مع ذلك، دخلت البلاد في سنوات طويلة من النزاع الداخلي الذي أرهقها وأعادها كثيراً إلى الوراء، فيما بزرت أحزاب على سطح الحياة السياسية في الجزائر، وظلت جبهة التحرير الوطني إلى يومنا هذا، تقود السلطة في البلاد.

وقد شكل فوز عبدالعزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية عام 1999، نقلة نوعية في المشهد الجزائري عموماً، ذلك أنه حقق إنجازات ملموسة تحسب له، فهو صاحب الفضل في اعتماد سياسة الوئام المدني والسلم الأهلي، ثم المصالحة الوطنية التي أنهت الاقتتال الداخلي الذي كلف البلاد كثيراً.

الرجل حقق إنجازات اقتصادية وأمنية مهمة، حيث تحسن الأداء الاقتصادي الجزائري، وتم دفع الديون المقدرة على البلاد بحوالي 40 مليار دولار، هذا فضلاً عن الاستقرار السياسي الذي تتمتع به الجزائر الآن، بعد سنوات طويلة من نزاع أخذ معه الأخضر واليابس.

مع ذلك فإن بوتفليقة الذي ترشح لثلاث ولايات، سيكرر هذه التجربة في ولاية رئاسية رابعة، تعقد في شهر نيسان 2014، الأمر الذي تنتقده المعارضة الجزائرية لعدة أسباب، من أهمها انتشار الفساد في زمرة بعض المقربين من الرئيس بوتفليقة.

إلى جانب ما ذكر، من المحتمل أن يلجأ الرئيس إلى تعديل الدستور لتمديد ولايته عامين آخرين، مع العلم أن المعارضة كانت في الأساس قد رفضت في العام 2008 فكرة تعديل الدستور، وترشح بوتفليقة للرئاسة، لكنها لم تتحصل على نتائج مرضية، لأنها أولاً معارضة مشتتة ومنقسمة بين ليبراليين وإسلاميين، وثانياً لأن بوتفليقة تمكن آنذاك من تشكيل تحالف ضمن له تحقيق أغلبية برلمانية أجازت تعديل الدستور وانتخابه مرة أخرى عام 2009.

السبب المهم والرئيسي الذي ترفعه المعارضة ضد بوتفليقة يتعلق بصحة الرئيس، ذلك أنه تعرض أكثر من مرة لهزات صحية أرقدته المستشفى، وبدأ هذا المسلسل المرضي يصيب الرئيس منذ العام 2005 إلى أن طاله بقوة في نيسان 2013، حين تعرض لجلطة دماغية وغاب عن مشهد حكم السلطة قسرياً لعدة أشهر.

بوتفليقة عاد إلى الجزائر بعد رحلة من العلاج في فرنسا، لكنه لم يكن قادراً على الوقوف لمقابلة زواره، إذ بثت مشاهد التلفزيون لقاءه بالوفود المختلفة وهو على كرسي متحرك، في حين تقول تقارير إنه بدأ يتعافى من أزمة المرض.

مع ذلك يبدو أن المرض يشكل تحدياً رئيسياً لترشح بوتفليقة، لكن الأمين العام لجبهة التحرير الوطني الجزائرية عمار سعداني، حسم هذا الأمر أخيراً، وأعلن رسمياً ترشح الرئيس لولاية رابعة، مستدركاً أن ذلك لا يشكل سابقة، خصوصاً وأن بوتفليقة ترشح قبل ذلك.

ويبدو أن الحزب الحاكم في الجزائر يعتمد في اختيار بوتفليقة لإعادة تولي رئاسة البلاد، إلى تاريخ الرجل ورصيده في العمل السياسي، وفي المقابل وعلى الأرجح أنه ليس هناك شخصيات كاريزماتية متفق عليها في جبهة التحرير الوطني، يمكنها أن تلعب دور الرئيس المستقبلي.

وربما أيضاً يتم استحداث منصب نائب للرئيس، يمكن هذه الشخصية من أن تقوم بدور الرئيس بوتفليقة في حال خضع الأخير مرة أخرى للعلاج، ولعل القصد من ذلك، أن الحزب الحاكم لا يرغب في المجازفة باختيار اسم من طرفه، يمكنه الترشح لانتخابات قد تؤدي إلى خسارة حزب جبهة التحرير الوطني.

من هنا يخشى الحزب الحاكم أن تؤدي الانتخابات المقبلة إلى إعادة سيناريو تجربة 1991، لذلك يبدو أنه يراهن على بوتفليقة، لما يتمتع به الرجل من سمعة جيدة في أوساط الجزائريين، ولكونه مجرّبا في ثلاث ولايات، إلى جانب أن الشعب الجزائري يخشى عودة النزاع الداخلي من جديد.

هذا التخوف انعكس على البلاد التي لم يشملها الربيع العربي، خصوصاً وأنها جارة لكل من تونس وليبيا اللتين طالهما هذا الربيع، ولا يبدو أن الجزائر مقبلة على هذا الفصل، خصوصاً وأن الشعب يراقب جيداً تبعات ومآلات الربيع في عدد من الدول العربية.

فضلاً عن ذلك، ما يزال يتمتع حزب بوتفليقة بمكانة قوية في الشارع الجزائري، بعد سلسلة الإصلاحات التي قام بها الرئيس، إلى جانب أن المعارضة مشتتة ولا يبدو أنها قادرة على تشكيل تحالف يؤهلها لخوض الانتخابات والاتفاق على رئيس واحد.

هذا يعني أن السيناريو الأوفر حظاً، يتصل ببقاء الرئيس في السلطة لولاية رابعة، وعلى الأرجح أنه سيواصل بإجراء إصلاحات لمحاربة الفساد، من أجل تخفيف حدة المعارضة، وأيضاً لعل الرئيس سيعتمد سياسة تقوم على التوازن والتكامل بين دور العسكر والرئاسة في تسيير السلطة.
وعلى الأرجح أن يكون المرض وحده من يعيق رئاسة بوتفليقة، إنما غير ذلك، فإن الرئيس يمضي في مهامه ويبدو أنه سيوفق في الولاية الرابعة، وسيتغلب على عقبات غير كبيرة في المنظور الحالي. ويبقى السؤال المطروح: وماذا بعد بوتفليقة؟

التعليقات