12/12/2013 - 15:59

بين الخنوع والعدوانية في سلوك الناس../ فراس غنادري

يطور التدرب اليومي الواعي لأنماط السلوك المفسرةِ أعلاه من تفكيرنا وسلوكنا ونهجنا الجازم، ويزيد من ديبلوماسيتنا واحتمالات نجاحنا في الوصول إلى أهدافنا برضى جميع الأطراف من ناحية، ويعزز من قدرتنا على صد ورفض أي محاولاتٍ انتهازيةٍ وغيرعادلةٍ قد نتعرض لها ولا نرغب بها بلباقةٍ دون اغضاب أو التقليل من الآخرين واحترامهم بل من خلال كسب تفهمهم وتقبلهم لمواقفنا من الناحيةِ الأخرى

بين الخنوع والعدوانية في سلوك الناس../ فراس غنادري

من يواكب ويتنبه لسلوك الناس أثناء حواراتهم ونقاشاتهم وجدالاتهم، يجد أنها تتسم في كثيرٍ من الأحيان بالعدوانيةِ (Aggressiveness)  المتبادلةِ أو بالعدوانيةِ من طرف والخنوعِ (Passiveness) من الطرفِ الاّخر وبدرجاتٍ مختلفةٍ، وطبعاً في أجواءٍ كهذه... حدث ولا حرج عن حضورِ المشاعر السلبيةِ وأنماطِ السلوكِ السيئةِ كالغضبِ والحزنِ والأهانةِ والكذبِ والحيرةِ والخوفِ والابتزاز العاطفي والشعور بالفشلِ وبالذنب...إلخ،  وبالتالي تقل فرص وإمكانيات تحقيق الأهداف والتفاهم والوصول إلى حلولٍ متفقٍ عليها ومرضيةٍ لأطراف النقاش.

وبين الخنوع والعدوانيةِ ندَرَ ما نجد من يتواصل بالجزمِ  (Assertiveness)، والجزم هو قدرة الإنسان على الحوار الموضوعي مع إصرارهِ على موقفهِ وإعطائهِ أولويةً لحاجاتهِ الاّنيةِ ولرأيهِ دون الانتقاصِ من الاّخرين وحاجاتهم واآرائهم مع الحفاظ على الاحترامِ المتبادلِ، وهي قدرةٌ مكتسبةً وليست صفةً موروثة، ويمكن للإنسان التدرب عليها وتعلمها وتذويتها. حيث يولد الناس بالمجمل ويكبرون متأثرين بالبيئةِ من حولهم إما عدوانيين أو خنوعين، وكما قلنا بدرجاتٍ مختلفةٍ بينهم وباختلاف الزمان والمكان والأوضاع النفسيةِ والظروف الحياتية والتحديات المختلفةِ، وأما التقلب بين الحالتين  (Passive- Aggressive) فهي حالة نفسية ليست في نطاق ولا مجال خبراتي ولست بصدد نقاشها هنا... 

ويعلمنا الواقع أن هنالك القليل من الحالاتِ التي ربما لا حاجة للجزمِ فيها، فالتواصل المثمر الذي تُحترم فيه مشاعر الأطراف المتناقشةِ واآرائهم ومواقفهم مطلوب في أي علاقةٍ وحوار، في نطاق العمل والعائلة وبين الأزواج ومع الأولاد وفيما بينهم ومع الأصدقاءِ والمعارفِ والجيران ومع الباعةِ في المتاجر...إلخ.

فالإنسان الجازم لا يتنازل عن أهدافهِ وآرائهِ ومعتقداته من جهةٍ أولى، لكن لا يلغي مكانة الاّخرين وحاجاتهم من الجهةِ الثانية، فهو واعٍ لمشاعرهِ ولأحاسيسهِ مما يمكنه من التحكم بسلوكهِ فيبحث دائماً عما يمكنهُ  فعلهُ وكيف يمكنهُ التقدم في النقاشات والمواقف والتحديات المختلفةِ وإيجاد البدائل من أجل الوصول الى التفاهمِ والوفاق والنتائج المرجوةِ، ويبحث دائماً عن الوسائلِ والسلوكياتِ المجديةِ التي عليه استحضارها في أي حوارٍ أو نقاش، فيصغي للاّخرين ولأحاسيسهم ولمشاعرهم ويحترمهم حتى وإن اختلفوا عنهُ أو عارضوا أفكاره ويستعرض ويقيم آراءهم قبل أن يحكم أو يعترض عليها ولا يفترض مسبقاُ ماهية دوافعهم، بل يحاول أن يفهم وجهات نظرهم ومنطلقاتهم مع استمرار تمسكهِ بأهدافهِ وحاجاتهِ، كذلك يبحث عن الحقائق قبل اتخاذ القرارات والمواقف. ولا يتخذ المواقف المتطرفة من نوع "لا يمكن"، "مستحيل"، "دائماً وأبداً"...

يتمتع الشخص الجازم بدرجاتٍ عاليةٍ من المصداقيةِ والكريزما والهدوء النفسي والصبر، وعليه أن يكون واثقاً بنفسهِ وبقوةِ مواقفهِ في جميع وسائل تعبيره الكلامي وبنبرةِ صوتهِ ولغة جسدهِ وتعابير وجهه، وهو ينظر دائماُ إلى عيون الاّخرين عند الحديث والنقاش معهم.

يبحث الإنسان الذي يتمتع بصفة الجزم عن حلولٍ مرضيةٍ لطرفي النقاش "Win Win" وعن كيفية جسر أية هوةٍ، ويكون مقداماُ ومبادراُ عند التحديات وفي حالات عدم الوضوح من جهة، ويتحدث بمصطلحات من نوع  "نحن" و "سويةُ" و"مع بعضنا البعض"...  بدل تعنته  وتكبره واستعماله المتكرر لكلمة "أنا" من الجهةِ الأخرى، كذلك هويكون أول من يتحمل المسؤولية عند الفشل. ويعرف أيضاُ كيف يكون لبقاً ومجاملاً للاّخرين حيث يثني على إنجازاتهم ونجاحاتهم ويطري على الجميل والجيد من قدراتهم ومهاراتهم وآرائهم وصفاتهم في المكان والزمان المناسبين وبالقدر الصحيح وبدون نفاق. 

يطور التدرب اليومي الواعي لأنماط السلوك المفسرةِ أعلاه من تفكيرنا وسلوكنا ونهجنا الجازم، ويزيد من ديبلوماسيتنا واحتمالات نجاحنا في الوصول إلى أهدافنا برضى جميع الأطراف من ناحية، ويعزز من قدرتنا على صد ورفض أي محاولاتٍ انتهازيةٍ وغيرعادلةٍ قد نتعرض لها ولا نرغب بها بلباقةٍ دون اغضاب أو التقليل من الآخرين واحترامهم بل من خلال كسب تفهمهم وتقبلهم لمواقفنا من الناحيةِ الأخرى.

التعليقات