07/01/2014 - 18:17

أنواع وأنماط التوجهات المهنية../ فراس غنادري

تظهر الأبحاث أنه تبدأ التوجهات المهنية وقيمها بالتبلور والترسُخ الواضح لدى الإنسان في الأعمار ما بين 25 و 35 سنة، وكلما زادت خبرة الإنسان وتجربته وكثُرت الحالات والتحديات التي يواجهها، تزداد لديه المؤشرات لماهية عوامل الدفع والتحفيز والاكتفاء المهني لديه، لذا يجب إعطاء عملية اختيار المهنة الوقت والتخطيط الكافيين من أجل الوصول إلى القرارت والخيارات الصحيحة

أنواع وأنماط التوجهات المهنية../ فراس غنادري

كنتُ قد ناقشتُ في مقال "مقومات نجاح الفرد واكتفائه" المركبات المختلفة التي قد تزيد من احتمالات نجاح الفرد ووصوله للاكتفاء في الدراسةِ والعمل وفي الحياةِ عامةً. وكتتمة لذلك المقال، أحاول في مقالي هذا ومن خلال دراساتي وتجربتي المتواضعة أن أقدم شرحاً مبسطاً لأنواع التوجهات المهنية وقيمها المختلفة، علني أقدم بعضاً من الفائدة والتوجيه والحث على التفكير والتقييم الصحيح لاختيار التوجهات المهنية التي تتناسب مع رغبات الفرد وقدراته وطابعه.

وغالباً ما يقع الأهل في فخِ تحديد الهدف لأولادهم، "التعلم والحصول على الشهادة"! ونتيجةَ ذلك تكون أنه تتغير مسارات التعليم بين مرة إلى ثلاثُ مراتٍ لدى 30%-50% من الطلاب في المعاهد العليا! ولا يعرف الكثير من الطلاب ماذا سيعملون بعد الدراسةِ الجامعيةِ، ويكتشف قسم لا بأس به منهم أنهم اختاروا المجال الخاطئ والذي لا يعبر عن تطلعاتهم ولا عن قيمهم المهنية و/أو لا يتلاءم مع فرص العمل المتاحة. ويكون الشخص وأهله قد أضاعوا الكثير الكثير من المال والوقت والمجهود.

تظهر الأبحاث أنه تبدأ التوجهات المهنية وقيمها بالتبلور والترسُخ الواضح لدى الإنسان في الأعمار ما بين 25 و 35 سنة، وكلما زادت خبرة الإنسان وتجربته وكثُرت الحالات والتحديات التي يواجهها، تزداد لديه المؤشرات لماهية عوامل الدفع والتحفيز والاكتفاء المهني لديه، لذا يجب إعطاء عملية اختيار المهنة الوقت والتخطيط الكافيين من أجل الوصول إلى القرارت والخيارات الصحيحة.

ويمكن أن تتحول توجهاتنا المهنية نتيجةً للظروف أو للفرص المتاحة التي تتجاوب مع تطلعاتنا وتقدمنا وتغيُر وجهتنا المهنية، كذلك قد تتغير من خلال الأحداث الكبيرة التي نمر بها في حياتنا، على سبيل المثال قد تبدأ حياتك المهنية بتطلعاتٍ كبيرةٍ لوصول أعلى الدرجات والمراتب الوظيفية، لكن بعد أن تتزوج وتنجب أطفالاً مثلاً تجد أنك قد انتقلت مرحلةً تهدأ فيها التطلعات وتتوازن.

وعلى الرغم من أن التوجهات المهنية قد تتغير، الا أن هذا لا يعني أنها دائمة التدفق فهذا صحيح إلى حدٍ ما، حيث يكون لمعظم الناس في حياتهم المهنية توجه مهني واحد مسيطر أو اثنان على الأكثر. كما وهنالك أيضاً أشخاص لا يطورون توجهات مهنيةً مسيطرة، وقد ينتج هذا إما لوجود حاجاتٍ وقيمٍ مهنيةٍ متغيرةٍ، حيث يمكن لهؤلاء الأشخاص الاكتفاء من مهنٍ مختلفةٍ من دون وجود اختيارات مفضلةً أو طاغيةً، أو قد يكون هذا أمراً مؤقتاً بسبب مرور الفرد في مرحلةِ تقييمٍ من جديد لحاجاته ولقيمهِ المهنية، وفي اللحظةِ التي تُحسم فيها الأمور، يختار توجهاً مهنياً معيناً. أما في حالة العديد من الناس فيوجد لديهم عمل (job) يتقاضون مقابلاً مادياً منه وليس مهنةً (career) وهذا ما لا بأس به، لكن الفرق بين الحالتين هو البعد العاطفي الذي يهدف فيه الفرد الى أمورٍ وحاجاتٍ أخرى ما بعدَ المردود المالي من العمل مثل الاكتفاء والتأثير والسلطة وتحقيق الذات، وتختلف نوعية هذا البعد وماهيته باختلاف الأشخاص وظروف المكان والزمان.

أما أنماط التوجهات المهنية العامة المتعارف عليها في أبحاث وأدبيات هذا المجال هي:

• أشخاص تنافسيون وهم يركزون على التحصيل ويسعون للتقدم في التدريج المهني من أجل المكانة والتأثير والمقابل المالي، فيجتهدون ويوظفون كل طاقاتهم وقدراتهم لتحسين نتائجهم وعلاقاتهم مع من يملكون "مفاتيح" تقدمهم، وبالتالي يطورون من مواقعهم ومدى تأثيرهم.

• أشخاص يبحثون عن الأمان الوظيفي كحاجةً، فيتحولون إلى جزءٍ من التنظيم وهويتهُ ويتبعون النظام والعطاء والتفاني في العمل ويسعون للحفاظ على وظيفتهم ونيل الاعتراف والتقدير ويبحثون عن التقدم الثابت، وإن كان بطيئاً كتعبير عن تقديرهم في مكان العمل.

• هنالك من يبحث عن الحرية والاستقلالية التامة والأرباح الحرة وعدم الارتباط بالآخرين، وهؤلاء مستعدون لبذل مجهود كبير، ويكونون عادةً من المختصين في مجالٍ ما أو أصحاب مصالح صغيرة وغالباً يبحثون بالإضافة للأرباح عن الإثارةِ في العمل.

• وهنالك من هم بحاجة للحماس والتحديات وأن يكونوا في مركز الأحداث والتجارب المميزة والإبداع ويصعب عليهم الابتعاد أو الانفصال عن عملهم حتى في أوقات فراغهم، وهم عادةً من أصحاب التخصص الحرفي أو التقني أو الفني أو رجال أعمال وتهم هؤلاء أيضاً الاستقلالية في العمل.

• ويوجد من يبحث عن التوازن بين العمل والتقدم فيه من ناحية وحياتهم الخاصة من الناحية الأخرى، ويكون العمل لهؤلاء مجرد أحد الأبعاد المهمة ضمن أنماط حياتهم فيحاولون الفصل بين العمل وبين ذواتهم وحياتهم الخاصة.

ولا يعبر التوجه المهني الواحد عن تطلعات أي شخص وقيمهِ المهنيةِ بشكلٍ كامل، وإنما يبرزٌ توجهُ واحدُ أكثر من غيره مع تفاوتِ التركيبةِ النسبيةِ لمزايا ومركبات مختلف أنواع التوجهات المفسرة أعلاه لدى الشخص الواحد. ويعتبر الأشخاص متعددي التوجهات المهنية البارزة كأنجح الأشخِاص وأكثرهم تقديراً في أماكن عملهم، كما ويؤدي تنوعهم في أي مكان عمل إلى تكافليةٍ كبيرةٍ، وبالتالي إلى نجاح وتميز مكان العمل.

وفي النهايةِ أقول إنهُ على الفرد:

• أولاً: أن يكون ذاته مع قدرات.
• ثانياً: أن يعي قدراتهِ ومقوماتهِ واهتماماتهِ ورغباتهِ وقيمهِ المهنيةِ وتغيرها.
• ثالثاً: أن يُكَوِنَ قائمةً ولو صغيرة بالمهن التي قد تناسب مقوماته واهتماماته وقيمه المهنية.
• رابعاً: أن يجمع المعلومات بشتى الوسائل عن ماهية وطابع كل مهنة، وما هي إمكانيات ومسارات التقدم
والتطور فيها، وما هي فرص العمل وأماكنها ومستوى الدخل لكل مهنة ومهنة.
• خامساً: اختيار المهنة الواحدة بناءً على كل ما سلف.
• سادساً: معرفة ما نوع التعليم والتدريب والشهادات المطلوبة والأماكن الممكنة لتحصيلهم والتكاليف
والمدة الزمنية المرتبطة.

بالنجاحِ والمتعةِ والاكتفاء وتحقيق الذات...
 

التعليقات