15/01/2014 - 15:42

كيري يسعى لجائزة نوبل على ظهرنا../ هاني عوكل

فحين يلتقي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لا يمارس سوى فن الاستماع وتقديم المقترحات وأخذ الملاحظات الصادرة عن إسرائيل، والاتفاق في معظم القضايا والتطلعات.

كيري يسعى لجائزة نوبل على ظهرنا../ هاني عوكل

للمرة العاشرة وقطعاً ليست الأخيرة، يأتي وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى المنطقة، في إطار ما يسمى دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعلى أمل أن يتم إنجاز اختراق إيجابي حقيقي يؤدي في النهاية إلى تسوية سلمية تحقق هدف الطرفين المتفاوضين.

كثيرة هي المرات التي يحط فيها كيري إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي كل اجتماع يكون مختلفاً في حديثه وأسلوبه، فحين يلتقي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لا يمارس سوى فن الاستماع وتقديم المقترحات وأخذ الملاحظات الصادرة عن إسرائيل، والاتفاق في معظم القضايا والتطلعات.

وحين يلتقي بالرئيس محمود عباس، تكون الجلسة والنغمة مختلفة، ويصبح الحديث عبارة عن نصائح وإرشادات، وما نسميه في أدبياتنا "كولسات" يحيكها للإطاحة بنا في اتفاق يلبي أولاً وأخيراً احتياج الطرف الإسرائيلي، والأهم من ذلك يكون الاجتماع إلى جانب النصائح، محاولات قوية لممارسة الضغوط المعهودة على الفلسطينيين.

علينا أن نسأل هنا: لماذا يأتي كيري إلى المنطقة عشر مرات، ضمن برنامج سيتعدى هذه الجولات، ولماذا يواصل اجتماعاته التي تجاوزت العشرين مع القيادة الفلسطينية، وربما نفسها أو أكثر مع الإسرائيليين، ولا ينفك يذهب إلى الأردن والسعودية وبعض الدول العربية الأخرى للتباحث في الموضوع ذاته؟

كل ما يريده كيري ويطمح له، هو إنجاز شيء مهم في حياته السياسية والمهنية، معتقداً أن الخوض في الملف الفلسطيني قد يضمن له التوصل إلى مبتغاه، ذلك أن كل الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تنشط كما ينشط وزير خارجيتها الحالي، الأمر الذي يعني أن له "غرضاً في نفس يعقوب".

يذكرنا هذا الموقف بنشاط وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنجر، الذي حصد جائزة نوبل العام 1973، ولنشاط الرئيس الأميركي جيمي كارتر، الذي قاد إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد العام 1978، التي حصل أثناءها الراحل أنور السادات على الجائزة نفسها مناصفة مع الإسرائيلي مناحيم بيغن.

وكان معروفاً حسب الإفراج عن الوثائق السرية من قبل وكالة الاستخبارات الأميركية والمتعلقة بالمفاوضات والمباحثات الخاصة التي سبقت الاتفاقية المذكورة، حالة الانئخاذ التي سيطرت على السادات للحصول على جائزة نوبل الدولية، الأمر الذي جعل الـ (CIA) تقول أثناء دراسة ملفه إن "السادات صاحب عقدة جائزة نوبل للسلام".

المعنى أن كيري الذي لا يكاد يلتقط أنفاسه عند كل عودة من المنطقة، حتى يغير مرةً أخرى، يسعى جاهداً لتأمين إطار اتفاق بصرف النظر عن مضمونه، للحصول على جائزة نوبل والتغني بها، على اعتبار أن قلبه على السلام الدائم والعادل.

المقترحات التي قدمها كيري إلى اللحظة، من شأنها أن تنسف عملية السلام لا أن تثبتها وتطيل في عمرها، وكما ذكرنا في أحد المقالات السابقة، ربما يسعى كيري إلى إطلاق أوسلو 2، كاتفاق ثنائي لا مستقبل فيه للدولة الفلسطينية الموعودة.

الوحيد الذي يبدو أنه متفائل بإمكانية تحقيق نجاح في موضوع المفاوضات هو كيري، إنما لا يعكس الواقع ولا تصريحات المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين أي نوع من التفاؤل باحتمال تحقيق اختراقات جيدة، ويحيلون أمر المفاوضات إلى زيارات كيري وما يمكن أن يقدمه.

كيري طالب الرئيس محمود عباس بالموافقة على يهودية إسرائيل، والأول ثبّت هذا المطلب باعتباره يشكل الموقف الأميركي الداعم للدولة اليهودية، وحينما رفض عباس ذلك، خرج نتنياهو إلى الإعلام يتهم السلطة الفلسطينية على أنها تشن حملة تحريض على الكراهية.

أحد التفسيرات التي ترتبط بكثرة زيارات كيري إلى المنطقة، تتصل بكون وزير الخارجية الأميركي مفاوضاً بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وليس معلوماً في حقيقة الأمر، إن كانت هناك مفاوضات مستمرة بين الطرفين المذكورين بعيداً عن وجود كيري في المنطقة.

لكن في كل الأحوال، وحين يقول كيري إنه سيعود مجدداً لتقديم اقتراحات متوازنة، فهو بذلك يكذب على نفسه وعلى السلطة الفلسطينية، لأنه أولاً قرر أن يعمل مع الإسرائيليين ويتبنى موقفهم بالكامل، وثانياً لأن تقديم اقتراح متوازن سوف ترفضه إسرائيل جملةً وتفصيلاً.

إن كل ما تريده تل أبيب هو التالي: اعتبار القدس عاصمة أبدية لها، والتنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وتعزيز السيطرة على غور الأردن، وإبقاء الحدود عند حالها، مع السماح لإسرائيل بضم المستوطنات الكبرى وبناء أخرى لتأمين أمنها.

إن أي إسرائيلي لن يوافق على عودة فلسطيني واحد، وهذا الأمر نقله وزير الخارجية ليبرمان الذي لا ينفك يتحدث كثيراً عن ضرورة التوسع الاستيطاني والترانسفير القسري لأهلنا في مناطق 48 إلى مدن الضفة الغربية.

أيضاً كان نتنياهو صريحاً ومتطرفاً، حين أعلن معارضته إخلاء البؤر الاستيطانية التي تقع خارج الكتل الاستيطانية، والتي كان كيري قد اقترح إزالتها، واستخدم رئيس الحكومة الإسرائيلية في اجتماعه مع كتلة الليكود، مصطلح "مناطق الضفة هي مناطق الوطن".

مثل هذا التصريح يؤكد أن إسرائيل معنية تماماً بعدم وجود دولة فلسطينية مستقلة، وكثيراً ما يلوح نتنياهو وغيره من أمثال وزيرة العدل تسيبي ليفني، بفزاعة تطور المقاومة واحتمال أن تشكل تهديداً لأمن إسرائيل في حال قامت الدولة الفلسطينية.

في واقع الأمر، كل ملف في موضوع المفاوضات هو صعب وحساس وبحاجة إلى سنوات طويلة للتفاوض حوله، لكن لا يوجد نية ولا قناعة عند إسرائيل لإنجاح المفاوضات، وهي إلى جانب كيري، يستثمران الظرفين الدولي والعربي ويشتغلان بطريقة تحقق مصالحهما.

كل الوقت يضغط كيري على الفلسطينيين لقبول الاشتراطات الإسرائيلية، مثلما فعل حين ضغط عليهم للدخول في مفاوضات مع إسرائيل، وهو نفسه الذي يطلب من الأوروبيين والعرب الضغط على السلطة الفلسطينية حتى تتطابق مواقفها مع طروحاته.

ولا يبدو حقيقةً أن هناك فرجا سيأتي من عند كيري يدفع المفاوضات إلى صيغة متناسبة ومتفق عليها، الأمر الذي يعني أن على السلطة الفلسطينية أن تستثمر باقي الوقت في جانبين، الأول يتعلق بتوفير بدائل استباقية على فشل المفاوضات حين تقع، ووضع مثل هذه البدائل في "الدرج" تمهيداً لاستخدامها عند الطوارئ.

نقول ذلك لأن السلطة لم تحسم أمرها بعد من المفاوضات، وعلى الأرجح أن الرئيس عباس ينتظر جولات كيري لمعرفة المزيد من المقترحات التي سيقدمها الرجل، لكن لا بأس بوضع خطة متكاملة لمرحلة ما بعد المفاوضات، تستهدف النضال السلمي الكفاحي ضد الاحتلال وتوسيع رقعة المواجهة دولياً ضمن نضال دبلوماسي لتحقيق المطالب الفلسطينية المشروعة.

أما الجانب الثاني فيتعلق بضرورة أن تستثمر القيادة الفلسطينية الوقت الحالي لإنهاء الانقسام الداخلي، ووضع آليات تتضمن تمكين الوضع الفلسطيني برمته، تأكيداً لتعزيز عوامل الصمود ضد كافة المخططات الإسرائيلية المتطرفة التي تستهدف الكل الفلسطيني.
 

التعليقات