12/02/2014 - 16:49

أي دور يلعبه في الثورة السورية مثقف "الاحتياجات الخاصة"؟../ باسل قبيسي*

ما شهدناه في حقبة الربيع العربي وتحديدا في مسار الثورة السورية، "فرمتة" لكل تعاريف الأدب والثقافة والسياسة، ونحن نشهد اغتصاب هذه التعريفات من قبل "المحافظين الجدد" لتيارات حملت أفكارا يسارية وثورية وأخرى يمينية محافظة تزدان بالشعارات الجوفاء والصور البراقة لمشاعل الثقافة والأدب والسياسة وخلوها من صورة الإنسان

أي دور يلعبه في الثورة السورية مثقف

يمكن القول بكل صراحة وشفافية، إن أكثر من تعرض للهجوم والتحريض من قبل الأجهزة الأمنية العربية وكتابها، والتقدير من قبل الشباب، لأن أفكاره ومصداقيته كانت الأكثر إيلاما للأنظمة كما يبدو، خلال الأعوام الثلاثة الماضية من عمر الثورة السورية هو المناضل المثقف المفكر العربي عزمي بشارة، وفي ذات الوقت هو يتربع على رأس المثقفين المتابَعين على امتداد الشارع العربي الذي يشهد حراكا ثوريا تجذر في محطته السورية نحو مزيد من انكشاف للدور المفترض أن يلعبه دعاة الثقافة والأدب والفكر في المجتمع العربي، ومن غير المقبول لأي شخص إنكار الحالة المعرفية التي وصل اليها بشارة، وتجربته في الميدان النضالي والفكري لمجتمع الفلسطينيين داخل فلسطين عام 48 مع ولادة حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي أسس له بشارة، وبالتالي نجح هذا التأسيس بترك صورة أصيلة عن المثقف في إطلالات وبحوث بشارة عن الربيع العربي وجذريته السورية التي أفضت الى حقيقة معرفية يتلقفها المواطن العربي بعيدا عن البروباغاندا السلطوية.

ما كشفته كوبونات "الثقافة والإعلام" المخابراتية مؤخرا، كانت قد كشفت عنها ثورات الربيع العربي في الشارع قبل تلك الكوبونات من خلال تخلي رهط واسع من الأدباء والمثقفين عن دورهم الأخلاقي والإنساني لمساندة الإنسان المعذب بالاستبداد والطغيان، والحملة التي طالت بشارة أيضا هي تعبير عن بؤس ويأس المؤسسة الإعلامية الرسمية للأنظمة التي تقف خلف نشاط "المثقف" الخادم لرواية هزيلة لا يمكن لها أن تغطي الواقع، فأهم ما يميز الثورة السورية أنها عرت كل الادعاءات والشعارات التي سبقت الربيع العربي، وسقطت في الامتحان السوري بشكل مدو، بات العقل لا يقبل كل هذا الهذيان المدعي بنتاجه الثقافي والمعرفي أن محوره الإنسان وحريته وكرامته.

تفهم من الهجوم والجدل المثار سخفاً واعتباطاً على ما أسست له وسائل إعلام السلطات في دمشق والإمارات والسعودية، أن الذي فكك وحلل بنية النظام القومجية "المعرفية الادعاء" تكمن "خطورة" فكره المعرفي هنا في رسالة المثقف وجسارته التي جسدها بشارة كنقيض لمثقفي "الاحتياجات الخاصة" الذين صدمتهم الثورات العربية، وباتوا بحاجة لعلاج ما بعد الصدمة في عيادة السلطات "الإعلامية"، فلا يمكنهم التوجه إلا إلى ذات الأدوات التي يوفرها النظام من سلع الشعارات التي ثارت عليها الجماهير العربية وحطمت الصورة الآسرة والجذابة للأديب والمثقف السلطوي الذي انحاز فعلاً إلى الهوية الاستبدادية في صوره المتعددة وكتاباته المنفصلة عن الواقع، كما هي نظم الاستبداد ترمي من شرفة طغيانها غدق الاتهامات المفككة لروابط المثقف الحقيقي معها، وتزيد من روابطه المجتمعية الملتصقة بمفهوم دوره الطبيعي فتختار سن الرماح باتجاه من يعري بنيتها وتركيبتها الوظيفية. على أن هذه الاتهامات والهجمة التي تعرض لها بشارة أثبتت في واقع الحال الوعي الاجتماعي الفعال لمفهوم ودور المثقف في المجتمع العربي على غير ما يردده ذوو الاحتياجات الخاصة التي تنضح ثقافتهم فقط في "المؤامرة" وشعارات لها دلالة الفخامة مثل "الاستعمار والصهيونية"، وعند أسئلة الواقع السوري تتبدى البهائمية المطلقة وتتوقف صناعة المعرفة إلا من عيادة "الكوبونات" ليختفي وجه المثقف في خضم انهماكه بتقديم ولائه ليس للإنسان الآدمي الذي يدعي انتماءه له بل إلى دوره ووظيفته التي برمج نفسه من أجلها.

من أكثر الصدمات التي أصابت الإنسان العربي الفلسطيني هي مواقف المثقف الفلسطيني والعربي عموماً، بين هلالين، (في لبنان لا يوجد مثقف بارز واحد مع النظام بل فقط كتاب وإعلاميو الأنظمة محافظو هذه المرحلة الجدد) وارتدائه عباءة الإنكار لما يدعي من مقاومة للظلم والاحتلال والطغيان، بل يتنكر لقصته وروايته وأبحاثه المتلعثمة في قضية الإنسان السوري والفلسطيني، شخصياته الروائية وأبطال قصصه يتحولون فجأة الى عملاء مأجورين قليلي الأدب مرتبطين بأجهزة المخابرات الكونية إرهابيين حمساويين خونة وإخوانجية..الى آخر ما في جعبة الإفلاس الثقافي الإعلامي، و"الباحث في علم الاقتصاد" تتحول مافيا الاقتصاد والأمن لديه إلى قمة الوطنية والإصلاح، ويتكور إلى كائن مجرد من العبرة الأخلاقية والإنسانية، وتصبح الثقافة بلا قيمة ووزن، تصبح كالسكين والبرميل المتفجر فوق الضحية، وهي لا تعبأ بعدد الكلمات التي احتوتها تعاريف المثقف الذي يمسك بفتيل البارود بيده والأخرى تتحسس عقلها المحشو بفصاحة الشعارات من كثرة لوكها باتت سما على جراح الضحايا ومكافأة لسفاحي العصر الحديث، وأكثر تمجيدا للطغاة بالتخلي عن إدراكه الحسي والمعرفي.

كما قال إدوارد سعيد في صور المثقف صفحة 36: "إن لم يربط المفكر نفسه ذهنياً بقيمة الصدق في الكفاح السياسي، فلن يقدر على نحو مسؤول أن يكون على مستوى التجربة الحية بكاملها".

تلخيص ما أورده سعيد في تعريف المثقف بأن حالة الإنكار التي يعيشها مثقف السلطان والفرار من الواقع ليست هي المنجية دوماً، ففي الحالة السورية للثورة كم كبير من نفاق متصدع لم يفلح النظام في رص صفوف روايته عبر بيادق الثقافة المتصدعة والمتهالكة بين بيروت ورام الله وعمان والقاهرة، هذا اللوبي المفضوح لم يستطع الحفاظ على قناع الفاشية المرتكبة ضد السوريين وضد قضية الفلسطينيين عمق وموروث ثقافة السوريين المقموعين بها، لذا تتبدى صور الانعزال المحتوم على مثقفي الاحتياجات الخاصة لأنظمة الاستبداد، وهم يراهنون على غير حسهم الإنساني بمحفزات لا تمت لا للثقافة ولا للإبداع، ولا للإنسان غير الإنسان المرسوم في عيادة السلطات التي يشرف عليها مثقفو الاحتياجات الخاصة.

ما شهدناه في حقبة الربيع العربي وتحديدا في مسار الثورة السورية، "فرمتة" لكل تعاريف الأدب والثقافة والسياسة، ونحن نشهد اغتصاب هذه التعريفات من قبل "المحافظين الجدد" لتيارات حملت أفكارا يسارية وثورية وأخرى يمينية محافظة تزدان بالشعارات الجوفاء والصور البراقة لمشاعل الثقافة والأدب والسياسة وخلوها من صورة الإنسان، هذا الكائن المتمرد الثائر على أدوات قهره وظلمه الممثلة أيضا بأدوات الثقافة الاستبدادية والأجهزة القمعية، لن تستطيع كل هذه الصيغ المبتذلة من اللوبيات القومجية المتثقفة ولا كتاباتها اللغوية المترهلة مع جسد النظام وشعاراته إلا صناعة المزيد من انحطاط اللغة والذات الغارقة بكل شيء إلا من الأخلاق و الثقافة التي غدروا بها وغادرتهم على نحو مخز.

التعليقات