15/03/2014 - 13:30

الغاز الإسرائيلي واستتباع الأردن اقتصاديا../ أحمد. م. جابر

المؤكد أن هذه الصفقة ليست بعيدة عن الوجه الاقتصادي لمشروع كيري، والأهم أنها ستترك آثاراً وخيمة على الأردن، حيث سيصبح الغاز الإسرائيلي مصدر الطاقة الأساسي في إنارة وتشغيل البنية التحتية الأردنية، وسيصبح الأردن رهينة سياسيا واقتصاديا في حالة استتباع متنامية للجانب الإسرائيلي

الغاز الإسرائيلي واستتباع الأردن اقتصاديا../ أحمد. م. جابر

بديهي أن موضع التطبيع ومقاومته موضع محوري جدا، ولكنه يكتسب أهمية مضاعفة هذه الأيام نتيجة لمجريين ربما يكونان مختلفين وربما لا، ولكنه بحث آخر، الأول هو مشروع  كيري  كإطار سياسي له وجه اقتصادي مهم ولايمكن تجاهله، ما يجعل التطبيع الاقتصادي مع العدو الإسرائيلي الذي تحث عليه الولايات المتحدة وتريد زج الدول العربية فيه، موضوع الساعة بل الوجه الآخر للعملية السياسية، ولعله في الحقيقة أحد فخاخها، كون احتمالات فشل العملية كبيرة أو على الأقل مراوحتها في مكانها يصبح موضوع التطبيع بآفاقه الاقتصادية والثقافية وغيرها هو الباب الخلفي الذي سيدخل فيه العدو الإسرائيلي إلى غرف نوم العرب جميعا، والمجرى الثاني هو حملة لعلها غير ذات أهمية يشنها عدد من الكتاب العرب للأسف ضد مكافحة التطبيع، عبر دلالات ونماذج مزيفة، ولكنها تساهم تدريجيا رغم ضحالة منطقها في تزييف الوعي ونشر الأكاذيب وتشويه صورة حملات المقاطعة.

من الطبيعي أن يكون الأردن هدفا اقتصاديا وسياسيا مفضلا عند الجانب الإسرائيلي، فالسيطرة على الأردن أو استتباعه للسياسة والاقتصاد الإسرائيليين سيمنح مكاسب لا نهاية لها تبدأ من موضوعات السياسة واللاجئين والوطن البديل والدرع الواقي، ولا تنتهي باعتبار الأردن بوابة إسرائيل إلى المشرق العربي وممرها الآمن إلى هناك.

وموضوع التطبيع في الأردن يشوبه جدل وارتباك كبير بسبب حالة العداء الشعبي المتمادية لاتفاقية (وادي عربة) ورفض أي شكل من أشكال التطبيع والعمل على دحره من جهة، وبسبب التزامات الحكومة وحلفها مع أميركا ورغبتها بالتزام بهذه المعاهدة كونها تعتبرها وثيقة ضمان لسلامة الأردن وسيادته وبقائه من جهة، ودرعا ضد الأفكار الإسرائيلية حول الوطن البديل من جهة أخرى.

ويعتبر التبادل التجاري من أهم عناصر الجدل، وهو يأتي تنفيذا لاتفاقية التعاون التجاري الاقتصادي بين الأردن وإسرائيل. وآخر القضايا المثارة هي قضية الاتفاق الأخير حول استيراد الغاز من حقل "تمار الإسرائيلي" على شواطئ حيفا المحتلة، ولكن قبل الحديث عن هذا الاتفاق لا بد من استعراض لمحة عينية عن نماذج وحقائق في تاريخ التطبيع الاقتصادي بين الأردن وإسرائيل.

في الوقت الذي نجد أن هناك 1050 شركة إسرائيلية تصدر منتجاتها للأردن، فإن الميزان التجاري يبقى مائلا لمصلحة دولة الاحتلال، ويبدو هذا طبيعيا حين يكون الاقتصاد الإسرائيلي معادلا لعشرة أضعاف الاقتصاد الأردني، مع تنوع هائل في المنتجات الصالحة للتصدير، لتبلغ الصادرات الإسرائيلية تسعة أضعاف الأردنية المقابلة لها، وقد صدرت إسرائيل للأردن عام 2010 مثلا ما قيمته 93 مليون دولار، وعندما تكون العلاقات التجارية قد نمت منذ توقيع الاتفاقية في وادي عربة بمقدار 900% يصبح واضحا من هو الطرف المستفيد. والفضيحة الأهم هي أنه وعلى عكس ما يحدث في العالم كله فإن الأردن لا يقوم بتصنيف منتجات المستوطنات، مع إعفاء مئات السلع الإسرائيلية من الجمارك أو تخفيض رسومها.

بالعودة إلى اتفاقية الغاز الأخيرة، فمن الواضح أن الارتباك الذي ساد التغطية الإعلامية الأردنية وشبه التعتيم الإسرائيلي عليها، يعكس حقيقة الأوضاع، يتعلق الأمر بتوقيع اتفاق بين شركة البوتاس الأردنية وشريكتها "برومين" من جهة، و"نوبل أنيرجي" (مقرها تكساس) الأميركية لتصدير 15 بليون متر مكعب من الغاز من حقل "تمار الإسرائيلي" إلى الأردن على مدى 15 سنة بقيمة 771 مليون دولار. وقد وقع الاتفاقية مدير عام البوتاس الأردنية برينت هايمان ومدير عام برومين أحمد خليفة، والرئيس التنفيذي لنوبل أنيرجي ديفيد ستوفر.

الارتباك يعكس وضعا يتأرجح بين القبول باتفاقية وادي عربة وملحقها الاقتصادي كتصريح نهائي لجواز التطبيع الاقتصادي وبين من يعتبرها كأس سم أجبر الأردن على شربه ولا بد من التخلص منها عبر ترياق المقاطعة وحرمان إسرائيل من مزايا الاتفاقية، خصوصا أن العلاقة السياسية لا تفرض التطبيع الاقتصادي، وهو جدل محتدم بين الحكومة وقوى سياسية ونقابية وجمعيات وشخصيات عامة وإعلام.

والتصريحات الأردنية المتناقضة تشي بالكثير فرغم نفي رئيس مجلس إدارة شركة البوتاس جمال الصرايرة أي اتفاقيات  مع شركة البوتاس الإسرائيلية، يبقى هذا النفي لامعنى له مع إثبات حقيقة الصفقة، ورغم الادعاء أن الشريك الكندي الإستراتيجي هو من يتحمل مسؤولية الاتفاق، فإن هذا الادعاء يدعو للسخرية، فمنذ متى كان يحق للشريك الإستراتيجي الأجنبي القيام بصفقات تنطوي على أبعاد سياسية من هذا النوع. كما أن التذرع بإقدام الشركة الفلسطينية على عقد صفقة مشابهة لا يصح بسبب الظروف الاستثنائية للجانب الفلسطيني بدون  تغييب مثالب الصفقة المعنية. كما أن الادعاء بتجارية الصفقة البحتة وأنها عقدت مع الشركة الأمريكية جاء بغرض الامتناع عن عرضها على مجلس النواب لإقرارها. مع العلم أن مصادر حكومية أردنية كانت أكدت لجريدة الغد 14/1/204 أن الحكومة استطاعت التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل لاستيراد الغاز وذلك بعد تعديل اتفاقية استيراد الغاز من مصر والتي كانت تحظر على الأردن استيراد هذه المادة من طرف آخر، إثر عجزها عن الوفاء بالتزاماتها بتصدير الكميات التعاقدية الأصلية إلى الأردن. وقد بين المصدر أن الجانب الإسرائيلي اشترط حصر استخدام الغاز المصدر من إسرائيل بشركة البوتاس العربية، فيما تحفظت الحكومة على الشرط لإتاحة استخدامه في مجالات أخرى.

الإسرائيليون أيضا حاولوا التعمية على الموضوع بادعاء أن نوبل أنيرجي التي تملك  حصة  من حقل تمار (90 كم غرب حيفا) هي المصدر للغاز، ولكن من المعروف أن الحكومة الإسرائيلية تملك القول الفصل في موضوع تصدير الغاز، وقد عطلت مشاريع سابقة للتصدير، حيث أن التصدير والغاز خصوصا موضوع سيادي، حيث تعول إسرائيل كثيرا على عائدات التصدير، والأردن هو أول مستورد، وسيكون التوصيل عن طريق أنابيب من المصانع الكيميائية الإسرائيلية في بئر السبع عن طريق البحر الميت إلى الأردن.

جدير بالذكر أن "نوبل أنيرجي" تملك 36% من حقل "تمار"، وتملك "إسرامكو نيجيف" 29% و"ديليك" 16%.  أما شركة البوتاس الأردنية فأسهمها موزعة بنسب 27% للحكومة الأردنية، و28% لـشركة ( pcs ) الكندية، وتملك العربية للتعدين 20% والضمان الاجتماعي الأردني 5% والبنك الإسلامي للتنمية في جدة 5% والحكومة العراقية  4.7%، والحكومتان الليبية والكويتية 4% لكل  منهما. ومن الغريب صمت الدول العربية التي تملك حصصا على هذا الاتفاق كونها تعتبر متورطة فيه بشكل أو بآخر.

من البديهي أنه لا يصح أيضا نفي الصفة السياسية عن الصفقة والتذرع بتجاريتها البحتة، وإلا ما الذي يدفع وزارة الخارجية الأمريكية لوضع ثقلها وراء الموضوع، ما جعل مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الطاقة عاموس هوخشتاين يعقد 14 لقاء خلال عام ونصف للدفع بالاتفاق، بل إن عددا من الاتصالات جرت بين مكتب رئيس الحكومة نتنياهو والديوان الملكي حسب ما أفاد موقع (ماكو) الإسرائيلي وكذلك صحيفة "إسرائيل تايمز" و"يسرائيل هيوم".

ولماذا قررت الحكومة فجأة وقف التنقيب عن طريق شركة "بريتش بتروليوم" في موقع الريشة لاستخراج الغاز الأردني وتفكيك معداتها وترحيلها من الأردن بعد إنفاق 350 مليون دينار ورغم وجود تأكيدات على وجود كميات تجارية من الغاز هللت وطبلت لها وسائل الإعلام الأردنية في حينه. ولماذا لم يسع الأردن حسب كل المصادر إلى الغاز القطري أو الكويتي أو الاماراتي  أو العراقي مثلاً.

بالتأكيد أن الكثير من الأسئلة ستظل عالقة ولكن المؤكد أن هذه الصفقة ليست بعيدة عن الوجه الاقتصادي لمشروع كيري، والأهم أنها ستترك آثاراً وخيمة على الأردن، حيث سيصبح الغاز الإسرائيلي مصدر الطاقة الأساسي في إنارة وتشغيل البنية التحتية الأردنية، وسيصبح الأردن رهينة سياسيا واقتصاديا في حالة استتباع متنامية للجانب الإسرائيلي، ويساهم هذا الاتفاق بشكل كبير في كسر عزلة إسرائيل.

التعليقات