29/03/2014 - 09:57

انتبهوا... لن تُفرض الخدمة "المدنيّة" على العرب!../ خالد عبنتاوي

إلعاد شامير: " بعد عشر سنوات، لن تكون عائلة واحدة في الوسط غير اليهودي ولا تخدم خدمة مدنيّة أو عسكريّة"

انتبهوا... لن تُفرض الخدمة

" بعد عشر سنوات، لن تكون عائلة واحدة في الوسط غير اليهودي ولا تخدم خدمة مدنيّة أو عسكريّة"، بهذا التوصيف الخطير شرح إلعاد شامير، مدير القسم العربي في "المؤسسة للتطوّع" الإسرائيليّة وهي أكبر الجمعيّات التي تجنّد وتفعّل خادمين ضمن مشروع الخدمة "المدنيّة"، خطتهم التدريجيّة والبطيئة في عمليّة "الفرض الناعم للخدمة المدنيّة" وذلك في إحدى جلسات لجنة "شاكيد" المخوّلة في نقاش قانون "المساواة في العبء".

مرّ قانون ما يعرف بــ"المساواة في العبء" يوم الثلاثاء 11.03.2014 مرور اللئام والصوت العربي خافت غير مسموع تحت حجة أن القانون معدّ بأساسه لليهود أو بالأحرى "للحريديم" ولا ناقة لنا فيه ولا جمل. هذا التوصيف لعلاقتنا بالقانون وان كانت سليمة من الناحيّة الشكليّة، الا أنها تعكس، بحد ذاتها، جزءاً من الأزمة، أزمة "الاستيقاظ متأخرا" "والفيعان" سريع الحركة قصير المفعول الذي لا يحلّل باطن الأمور وما وراء نصّها.

كيف نقرأ إذا القانون وما وراء القانون؟

اتفق مع الفكرة القائلة أن خدمة العرب أو فرضها عليهم (مدنيا او عسكريا) ليست في أولوية المؤسسة الصهيونيّة في الوقت الحالي أو على الأقل لم تحسم، فهي منشغلة في فرضها على "الحريديم" فقراءة سريعة للقانون وللنقاشات التي دارت حوله منذ توقيع اتفاقيات الائتلاف الحكومي حول "المساواة في العبء" بدءا من لجنة "بيري" مرورا بلجنة "شاكيد" وصولا لمرور القانون في الكنيست، تؤكد هذا الانطباع، إلا أن قراءة أكثر عمقا كفيلة للتيقّن أن ثمّةَ مشروع آخر لا يقل خطورة، بل ربما يزيد، عن مشروع "فرض الخدمة على العرب" وهو ما اسميّه "الفرض الناعم للخدمة على العرب".

لقد كان إلعاد شامير، صاحب التصريح الذي افتتحت مقالي به، صارما وحازما في هذا الرأي القائل بضرورة العمل ببطء دون إزعاج حتى تنفيذ المخطط دون فرض سريع ومباشر، يشاركه الرأي بنفس الحزم شالوم جربي، المدير العام لمديريّة الخدمة المدنيّة، والذي حضر جلسة النقاش المذكورة، وأبدى فيها تفاؤلا كبيرا حول سير المشروع، كيف لا وهو يتحدث عن ارتفاع عدد الخادمين من 1256 عام 2009 الى 3608 اليوم، 90% منهم هن من الفتيات، وتضيف الأرقام أن هنالك ما يقارب 600 شابة تنتظر الانخراط في المشروع إلا أن قلة الملكات المقررة من قبل الحكومة تحول دون ذلك، يُذكر أنه عام 2005، قبل تشكيل المديريّة، خدم ما يقارب 240 عربيا فقط ضمن المشروع.

يضيف جربي وشامير أن هذا "النجاح" تم بالتحديد نتيجة العمل التدريجي غير "المزعج" وجاء حديثهم في الرد على "مزايدات" نوّاب اليمين الاسرائيلي أمثال دافيد روتيم ويسرائيل حاسون حول عدم فرض الخدمة المدنيّة أو العسكريّة على العرب، فثمَّة ذراع تخطيطي وتنفيذي أذكى من هذه "المزايدات" يدرك تماما أن فرض الخدمة المدنيّة اليوم ستعقبه ردة فعل قويّة من الشارع العربي، وسيقوّي حملات رفض المشروع، ويؤكد على صحة ادعاءاتها ومخاوفها.

تتماشى هذه الفكرة وما صرّح به شالوم جربي ملمحا أن فرض الخدمة المدنيّة اليوم سيكون من "مصلحة" القيادات العربيّة، وسيضرّ بالمشروع وينسف المخطط، مقترحا أيضا أن يتم العمل بمنعزل عن الجهاز الأمني، ليس لأنهما غير مرتبطين، فـ جربي نفسه يقرّ بهذا الربط، إنما من منطلق التكتيك الذي انتُهِج منذ بداية المشروع فقد كان لـ جربي نفسه أن رفض قبل مدة الظهور على منصة واحدة مع ضباط في الجيش للحديث عن "المساواة في العبء" معللا أن هذه بمثابة هديّة مجانية للحملة المناهضة للخدمة "المدنيّة" وتأكيدا أن ادعاءاتها صحيحة، الأمر الذي لم ينكره.

هذه المحاولات تأتي في إطار ما أسميته "الفرض الناعم" أي التدريجي والمفصول "شكلا" عن الأجهزة الأمنيّة، فمن المعلوم، مثلا، أن شالوم جربي قد طلب من الحكومة الإسرائليّة ووزارة الأمن أن تزوّد المديريّة مبالغ "صندوق الجنود المسرّحين" وليس تحويلها مباشرة إلى الخادمين كما هو الحال اليوم، وذلك في إطار "الفصل الشكلي" من أجل تنفيذ المخطط.

الخطوات العمليّة في القانون

يتواءم القانون الحالي مع أفكار وتوجّه مديريّة الخدمة المدنيّة الحالية، بعيدا عن "مزايدات" اليمين الصهيوني البلهاء والسطحيّة، فالقانون أو المخطط لا يقوم على فرض الخدمة المدنيّة أو العسكريّة على الشباب العرب، إنما على توسيع وزيادة الملكات القائمة للوصول إلى 6000 ملكة وخادم حتى عام 2017 ( عدد الخادمين اليوم 3608)، بالإضافة لزيادة "الامتيازات" التي يحصل الخادم عليها، ونقل المديريّة التي ستتحوّل إلى "سلطة الخدمة القوميّة" إلى وزارة الاقتصاد التي يرأسها اليميني العنصري نقتالي بينت.

ثمَّ ما هو أخطر من هذا في القانون الجديد وهو اقتراح تفصيل "الخدمة المدنيّة القوميّة" وتقسيمها إلى مساريّن: مسار "الخدمة المدنيّة الاجتماعيّة" ومسار "الخدمة القوميّة الأمنيّة"، الحديث هو عن فروقات في أماكن الخدمة وماهيّتها، وما وراء الحديث أن المخطط الحالي هو الإبقاء على المسار "المدني الاجتماعي" حتى يتسنَّى دمج العرب ضمن المشروع، كما أكد عوفر شيلح في جلسة أخرى، وفتح امكانيّة دمج الجميع مستقبلا ضمن المسار "القومي الأمني" أي في مؤسسات الأمن الداخلي والجبهة الداخليّة.

تتساوق هذه الخطة "الذكيّة" تماما مع تصريحات كان قد أدلى بها يوفال شطاينتس، وزير الماليّة في حكومة نتنياهو السابقة، أن الخدمة "المدنيّة" بحلّتها القديمة مضرّة في الاقتصاد الإسرائيلي وستكون مدمّرة له في حال تم فرضها بحلّتها القائمة واقترح في حينه "خدمة مدنيّة ذات طابع أمني"، وهذا يتماشى تماما مع "الحلّة الحاليّة" ضمن القانون الجديد المعدّل، ما يشير أن القرارات لا تأتي من فراغ وبعيدة تماما عن "المزيدات الببغاويّة" لروتيم ودانون وغيرهم ممن يطالبون بفرض مباشر وسريع للخدمة المدنيّة أو العسكرية على العرب.

وجب التنبّه إلى ما لا يقل خطورة في المخطط الأساسي، الذي بنيّ عليه القانون، أي مخطط لجنة "بيري" الذي رأسها يعقوب بيري، خريج جهاز الأمن الإسرائيلي، الرامي لفتح "حوار" جدي ضمن لجنة مشتركة بين قيادة المجتمع العربي وبين المؤسسة الإسرائيليّة حول أساليب فرض الخدمة المدنيّة، يجب أن نحلل هذا الاقتراح في سياق الرؤية الشاملة التدريجيّة التي عرضت جزءًا منها وليس بمنعزل عنها، وإعلان مقاطعة اللجنة المشتركة مسبقا.

مقترحات سريعة

لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل هذا المخطط عن مخطط التجنيد العسكري للعرب، وإن كان التركيز الحالي هو على تجنيد أبناء الديانة المسيحيّة كون الظرف اليوم مؤات إقليميا ومحليا ويلقى قبول بعض رجال الدين المنتفعين، فالحديث عن مخططات تطبخ في ذات المطبخ وذات العقليّة التي تؤمن بالعمل التدريجي، وهذا ما رمى اليه الضابط المسؤول عن تجنيد الأقليات في جيش الاحتلال الإسرائيلي رامز أحمد حيث يقدم أرقاما منافية لأرقام " منتدى تجنيد المسيحيّين" الذي لا يختلف بديماغوغيته وسطحيته عن نواب اليمين و"مزايداتهم"، فالأرقام الرسمية تتحدث عن وجود 137 جنديا عربيا مسيحيا وليس 500 كما يدعي البعض مضللا، ويؤكد قسم "الأقليات" في جيش الاحتلال أنه لم يطرأ أي زيادة أو تغيير، منذ خمس سنوات، في عدد المجندين في كل دورة (الذي يقارب ال 50 شابا\ة).

يتضح لنا إذا، من السرد أعلاه، أننا أمام مخطط لا يقل خطورة عن الفرض المباشر للخدمة "المدنيّة" وهو "الفرض الناعم" لها، ويتضح أيضا تساوق تام في العقليّة والتنفيذ بين الذراع السياسي المتنفّذ وبين الذراع التنفيذي المهني، وعليه لا بد من إعادة الاعتبار لما أسميناه لدى انطلاق الحملة المناهضة للتجنيد بــ"الإجماع الوطني الأهلي العام الرافض للخدمة المدنيّة" هذه المرة مع التأكيد على رابطها بالخدمة العسكريّة، وفضح المخطط إعلاميا وشعبيا، فآخر مؤتمر عام جدي في هذا الموضوع عقد قبل 7 سنوات!

كذلك من الملاحظ أن الأولويّة اليوم في مديرية الخدمة في التوجّه للمناطق النائية المستضعفة من الناحيتيّن الاجتماعيّة والاقتصادية كالقدس المحتلة (ما يقارب ال 80 خادما وخادمة) وضواحيها كأبو غوش، عين رافا عين نقوبا وفي النقب حتى وصل الأمر إلى الجولان المحتل، عليه يجب تركيز العمل في هذه المناطق بالتحديد دون إغفال غيرها. كذلك التركيز على شريحة الفتيات فهن يشكلن 90% من مجمل الخادمين، وشريحة الشباب ممن أنهوا وأنهين للتو الدراسة الثانويّة فمعظم الخادمين 90% من هذا الجيل العمريّ.

إننا إزاء مخطط يُرصد فيه الملايين والمئات من المتفرّغين المنتشرين شمالا وجنوبا يعتمد في أساسه على "طول النفس" والتأني في العمل، وهو تكتيك صهيوني إستراتيجي معروف، لكنه يعتمد كذلك في أساسه على "قصر النفس" لدينا وانعدام المثابرة، من هنا يجب مجابهته بنفس الروح وأكثر منها، فانتبهوا أيها السادة... لن يتم فرض الخدمة المدنيّة علينا حاليّا.
 

التعليقات