01/04/2014 - 16:21

صمتنا يعني موتهم.. / وديع عواودة

هذه هي الساعة للقيام بحملة احتجاجات شعبية على غرار حملة المساندة للعيساوي وزملائه الأسرى في إضرابهم الكبير عن الطعام، لإنقاذ الأسرى من استثنائهم، وبالتالي الحكم عليهم بالإعدام بالموت البطيء

صمتنا يعني موتهم.. / وديع عواودة

تواصل إسرائيل مناوراتها لابتزاز السلطة الفلسطينية مستغلة نقطة ضعف إنسانية تتجسد بقضية الأسرى القدامى من خلال تعليق الدفعة الرابعة منهم بخلاف اتفاق مسبق كفلته واشنطن.

في إطار ذلك تبذل الكثير من طاقاتها للتهرب من إطلاق أسرى الداخل مدفوعة بعدة أسباب، المعلن منها هو المحافظة على السيادة ومنع التدخل بشأن إسرائيلي داخلي. أما أهم العوامل الحقيقية غير المعلنة فينم عن التشبث بإستراتيجية فصل المجتمع العربي الفلسطيني عن شعبهم والإصرار على التعامل معهم كـ "عرب إسرائيل" كجزء من منظومة ترويضهم، تحكم بهم والسيطرة عليهم، وهي قد بلورت غداة النكبة عام 48 وشاركت فيها وزارة المعارف بمضامين مناهجها وتعييناتها ورقابتها بالإضافة لجهاز المخابرات خاصة في فترة الحكم العسكري.

حتى الآن تبدي السلطة الفلسطينية حزما وثباتا يدللان على تطابق أقوالها وأفعالها وهذا يحتسب لها، وبالذات للرئيس محمود عباس طالما صمد ولم يفرط بأسرى الداخل.

وسط محاولات احتلال الوعي ومشاريع الأسرلة غير الإنسانية وقطع الأغصان من الشجرة الفلسطينية الأم لم يأبه أسرانا بأنظمة السيطرة والترهيب وانخرطوا في الحركة الوطنية الفلسطينية منذ الستينيات، وشاركوا شعبهم نضالاته من أجل التحرر والحقوق. بعض هؤلاء شاركوا في كفاح مسلح وهذا أمر طبيعي في تلك الفترة، قبل اتفاقية أوسلو وقبل التبلور النهائي لفكرة الدور السياسي فقط لفلسطينيي الداخل لخصوصية وضعيتهم.

بالمجمل قدم هؤلاء الكثير فيما قدم المجتمع العربي نفسه القليل للحركة الوطنية الفلسطينية عدا البقاء في الوطن وترسيخه من خلال المواطنة. هؤلاء الأسرى تفوقوا على نظام الترهيب وعلى واقع الخوف الملازم لفترة ما بعد "البوست تراوما" (الكرب بعد الصدمة) فراهنوا بحياتهم من أجل الصالح العام.

لم يقدم هؤلاء الخدمة لقضية شعبهم الوطنية فحسب، بل حفظوا لنا في الداخل بعض قطرات ماء الوجه بثمن باهظ، ثلاثة عقود خلف القضبان وفي عتمة الزنازين حتى حرموا من معانقة الأم والزوجة ومن المشاركة في تشييع الأب.

لا عذاب يقابل عذابات الأسرى وتضحياتهم فهم يخوضون معارك غير متكافئة مع الهراوات والغاز المسيل للدموع لاستعادة حقهم بإدخال صحيفة أو كتاب، وينتظر أهاليهم في الحر والبرد ساعات للقائهم لدقائف ومن خلف جدار زجاجي. وفيما ننشغل نحن بكيف نخفف وزننا والإفلات من التخمة.. يخسر هؤلاء نصف أوزانهم في معارك الأمعاء الخاوية ويكابدون شتى صنوف المرض ويعتاشون على المسكنات فقط.

اعتقل هؤلاء وحرموا من كل الحقوق منذ زمن طويل وقبل أن يصل البلاد التلفاز الملون، الحاسوب والفيسبوك والأيفون.. فهذه كلها بمثابة صحون طائرة بالنسبة لهم. وهذا جزء يسير من تضحياتهم البطولية.

هم اختاروا هذه الطريق طواعية وعن وعي كامل، وكان بمقدور كل منهم أن يكون مثلك ومثلي فيعمل ويتزوج ويبني أسرة ويرزق بأطفال يسعد برؤيتهم يكبررون ويتعلمون، لكنهم آثروا الوطن على سواه. فماذا فعلنا من أجلهم؟

في هذه الساعات يقف أسرى الداخل في لحظة حاسمة ربما تكون الأخيرة وما أحوجهم لصوتنا وعرائضنا واعتصاماتنا ومظاهراتنا، بيد أن صوتنا ما زال خافتا ومتلعثما ويكتفي معظم قادة الأحزاب والنواب ببيانات روتينية أو بزيارات للأسرى.

هذه هي الساعة للقيام بحملة احتجاجات شعبية على غرار حملة المساندة للعيساوي وزملائه الأسرى في إضرابهم الكبير عن الطعام، لإنقاذ الأسرى من استثنائهم، وبالتالي الحكم عليهم بالإعدام بالموت البطيء.

حق أسرانا على الأحزاب والجمعيات وأطر الحراك الشبابي والحقوقيين أن نعيد بعض الوفاء لمن ضحوا من أجل شعبهم شعبنا وإنقاذ ماء وجهنا. صمتنا يعني الحكم بالموت عليهم موتا بطيئا. ويخطئ من يظن أن القرار الإسرائيلي بشأنهم لا يتأثر بموقف فعال للمجتمع العربي، ولذا لا بأس حتى في إيصال رسالتهم ورسالتنا حول خطورة استثنائهم، استثنائنا من الدفعة الرابعة لا سيما أن إسرائيل التي تعتبرهم رسميا إسرائيليين لكنهم تعاملهم كفلسطينيين.
 

التعليقات