28/04/2014 - 21:49

هل بَقِيَ ربيعٌ عربي؟/ بدر الإبراهيم

تسود أجواء التفاؤل في صفوف خصوم "الربيع العربي"، فيبدون كل سرور مع الإحباطات المتتالية للثورات التي قامت عام 2011، وكل شماتة بالمتحمسين للتغيير، ويؤكدون أن ما حصل كان فقاعةً وانتهت، وأن الواقع الذي نتج، بعد هذه الثورات، أثبت أنها لعنةً حلَّت على العرب، وحان وقت التصحيح عبر "الثورات المضادة".

هل بَقِيَ ربيعٌ عربي؟/ بدر الإبراهيم

تسود أجواء التفاؤل في صفوف خصوم "الربيع العربي"، فيبدون كل سرور مع الإحباطات المتتالية للثورات التي قامت عام 2011، وكل شماتة بالمتحمسين للتغيير، ويؤكدون أن ما حصل كان فقاعةً وانتهت، وأن الواقع الذي نتج، بعد هذه الثورات، أثبت أنها لعنةً حلَّت على العرب، وحان وقت التصحيح عبر "الثورات المضادة".

الواقع الذي نتج بعد الثورات، ويحتج به خصومها، حجة عليهم، فهذه الفوضى والاضطرابات وكل المشكلات التي ظهرت، بعد فقدان الأنظمة الاستبدادية سيطرتها المركزية، تؤكد حجم الخطايا التي اقترفتها هذه الأنظمة بحق بلدانها وشعوبها، فقد كشف الزوال الجزئي للغطاء السلطوي عن كوارث، تسببت فيها هذه الأنظمة في المجتمعات العربية، على جميع الصعد. وعليه، فإن المشكلات التي نعايشها بعد قيام الثورات هي نتيجة فساد الأنظمة، وممانعتها الإصلاح. وهنا، يمكن القول إن الثورات تأخرت، وكانت بحاجة لتكون أكثر جذرية للخلاص من أساس هذه المشكلات والكوارث.

لم يُزهر الربيع بالفعل، إذا كان للربيع المدلول المتعلق ببناء أنظمةٍ جديدةٍ، تناقض أنظمة الاستبداد، لكن أهم ما قدمته الثورات العربية هو تحريك عجلة التاريخ، فقد فتحت الباب أمام الانتقال إلى مرحلة مختلفة في العالم العربي، وبعدما كان الجمود سيد الموقف، في ظل حالة شاملة من التردّي في النظام الرسمي العربي، جاءت الثورات لتحرك المياه الراكدة، وتفتح أفقاً جديداً لتغيير المعادلات القائمة في المنطقة، ولا شك في أن تحولاً كبيراً حصل في الخطاب والممارسة السياسية، بفعل دخول الجماهير إلى ساحة الفعل السياسي، وإن لم يكتمل هذا التحول.

تثير الإحباطات من النتائج الحالية للثورات العربية أسئلةً، تحمل طابع التشكيك في كل ما حصل في السنوات الثلاث الماضية، وتثار تساؤلاتٌ بشأن تقييم الحراك الذي حصل: هل كان ثورةً بالفعل أم لا؟ بعيداً عن التعامل مع مفهوم الثورة كحالةٍ متعاليةٍ، تفترض تحقق شروط أيديولوجيةٍ معينةٍ، لتحظى بتسمية ثورة، فإنه يمكن فهم الثورة كحالة تمرد على النظام القائم من خارجه، لا تعترف بشرعية هذا النظام، وتسعى إلى استبدالها بشرعية جديدة. في ضوء هذا الفهم، يمكن التعامل مع الثورات العربية على أنها ثورات غير مكتملة.


لم تنجح القوى الشبابية في إيجاد طليعة منظمةٍ، قادرة على قيادة البلدان العربية في المرحلة الانتقالية، واكتفت بتشكيل قوة ضغط على النظام والنخب التقليدية، ولم تفلح النخب السياسية العربية التقليدية في تحويل حراك الجماهير في الشارع إلى فعل ثوري في المؤسسات، واختارت طريقاً غير ثوريٍ، لتسيير المرحلة الانتقالية، بعد إسقاط رأس النظام، عبر الولوج إلى قلب النظام القديم، فانتقلت من الثورة على النظام إلى إصلاحه من الداخل، وعقدت، في سبيل ذلك، تفاهمات مع القوى الفاعلة داخل النظام القديم، فمنحتها بذلك شرعية الاستمرارية، وبدلاً من إبعاد الشخصيات الرئيسية في كل المؤسسات، واستبدالها بأخرى من الصفوف الخلفية لبناء شبكة مصالح جديدة، تم التعاون مع هذه الشخصيات التي كرَّست نفوذها، وشيئاً فشيئاً، أعادت هيمنتها على النظام.

أيضاً، لم تلتفت النخب السياسية التقليدية إلى الإشكال المُرَكَّب في النظام السياسي العربي، فوجود الاستبداد يترافق مع وصايةٍ غربيةٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ على أغلب الأنظمة العربية، بل إن معظم هذه الأنظمة تربط وجودها، وحركتها، في الإقليم بالوصاية الأمريكية والغربية. وهكذا، فإن الثورة، في هذه الحالة، لا تستهدف الاستبداد وحده، بل ارتباطاته المتعلقة بالوصاية الغربية، أيضاً. وجزءٌ أساسي من استبدال شرعية تلك الأنظمة بشرعيةٍ جديدةٍ، يكمن في تفعيل مفهوم الاستقلال الوطني عن الوصاية الأجنبية، وتحويل شعارات الميادين التي تتهم تلك الأنظمة بالعمالة إلى فعلٍ سياسيٍ، يسعى إلى استقلال القرار وتعزيز السيادة. ما حصل أن الغرب عمل على استيعاب الثورات، من دون معاداتها مباشرة، وسعى إلى تفريغها من مضمونها الاستقلالي، وساعدته في ذلك النخب التقليدية التي عملت على إجراء تفاهمات معه، لتحقق لها قبولاً دولياً، وسعت إلى إعادة إنتاج السياسات الاقتصادية نفسها التي ترهن البلدان العربية لوصاية القوى الغربية.

وإذا انتقلنا بالحديث من الحالة الثورية، باعتبارها هدماً للنظام القديم، إلى الحديث عن بناء النظام الديموقراطي الجديد، المناقض لنظام الاستبداد، فسنجد نُخَبَاً إسلامية وعلمانية (ومعها كثيرون من الشباب الثوري) سعت إلى إقصاء بعضها، وحوَّلت التنافس السياسي داخل النظام الديموقراطي إلى صراعٍ هويّاتيٍّ، يضرب وجود أرضية مشتركة للممارسة الديموقراطية، ويسمح لقوى النظام القديم بإعادة تنظيم صفوفها، ولعب دور الحكم المرجح بين أطراف الصراع.

عوامل عديدة ساهمت في عدم اكتمال الحالة الثورية، لكن هذا كله لا يلغي حصول تحولٍ كبير في العالم العربي، ودخولنا في مرحلة انتقالية، يُعاد فيها تشكيل أمور كثيرة، متعلقة ببنية الدولة العربية وشرعيتها. تحركت عجلة التاريخ، ولا يمكن تصور العودة إلى حالة الجمود السابقة، بالشكل الذي يأمله بعضهم، ويسعى إلى تحقيقه. لكن هذا لا يعني أن التغيير الذي تنشده القوى المناهضة للاستبداد يمكن تحقيقه، من دون مراجعة نقدية لما مضى واستخلاص العبر.

بدأت وعود الربيع بقيام الثورات، ولن نشهد الربيع قبل اكتمالها، وفي الطريق إلى ربيعٍ مزهر أخطاءٌ، يجب تصحيحها، وعقباتٌ لابد من تخطيها، وصراعاتٌ كبيرة مع أطرافٍ عديدةٍ، لا مناص من خوضها.

التعليقات