24/06/2014 - 09:53

إسرائيل والهند... علاقات الشراكة تترسّخ/ عدلي صادق

في حديث أدلى به للصحافة، قبل أيام، قال السفير الإسرائيلي لدى الهند، ألون أوشبيز، إن المدخل الأوسع لعلاقات إسرائيل مع الهند كان باب ولاية غوجارات، شمالي شرق الهند، التي كان نارندرا مودي، رئيساً لحكومتها المحلية.

إسرائيل والهند... علاقات الشراكة تترسّخ/ عدلي صادق

في حديث أدلى به للصحافة، قبل أيام، قال السفير الإسرائيلي لدى الهند، ألون أوشبيز، إن المدخل الأوسع لعلاقات إسرائيل مع الهند كان باب ولاية غوجارات، شمالي شرق الهند، التي كان نارندرا مودي، رئيساً لحكومتها المحلية.

فقد دخلت الشركات الإسرائيلية الكبرى، ليشمل نشاطها معظم القطاعات الاقتصادية الحيوية، من إنتاج الماس إلى تحلية مياه البحر، مروراً بأعمال البُنية التحتية للموانىء والمشروعات الزراعية وتقنياتها، وانتهاء بالتعاون الشرطي والأمني. وقد أشار سفير إسرائيل إلى أن العلاقات مع "مودي"، الذي بات الآن رئيساً لوزراء الهند، ترسخت منذ العام 2002! ومن تأمّلِ البهجة التي تحدث بها السفير؛ بدا لافتاً أن خيار الدولة العبرية، عندما وسعت مدخلها إلى الهند من خاصرتها الشرقية العليا، وهي ولاية غوجارات، استندت إلى ملمحين ديموغرافيين، كان فيهما لنارندر مودي "مأثرته" السبّاقة التي تطمئن إليها إسرائيل: ما يُقال عن عدائه اللافت للمسلمين الذين هم ضمانة الموقف المساند للقضية الفلسطينية، عندما تسلم رئاسة حكومة الولاية، وقد بلغ الأمر على هذا الصعيد، حدّ اتهامه رسمياً بالضلوع، شخصياً، في أحداث العنف التي طالت الأقلية المسلمة في الولاية، ثم وجود أقلية يهودية، كان مودي "حنوناً وكريماً" معها، حسب تعبير السفير الإسرائيلي!

ويوم تسلّمِ نارندرا مودي رئاسة حكومة ولايته؛ وضع مسألة التنمية نصب عينيه، وجعل النهوض بالولاية هدفه لتأسيس أنموذج تنموي مميز، تتمناه كل الولايات الهندية، الأمر الذي يسهّل عليه شق الطريق إلى رئاسة الحكومة الاتحادية في عموم الهند. واجتمعت مصادفاتٌ عديدة، وفرت المناخ لإسرائيل، لكي تلعب لعبة الشراكة الأمنية مع الهند في مكافحة "الإرهاب". لعل أسوأها الهجوم الإرهابي الكبير في مومباي (26/11/2008)، فقد كان من أفدح نتائج ذلك العنف الأعمى، أن افتتحت إسرائيل لصناعاتها العسكرية سوقاً واسعة، كان الأوفر ربحاً منها هو الأقل كُلفة: أنظمة مراقبة ورصد للشواطىء، وأسلاك شائكة بمجسّات رصد إلكتروني، أوهمت الهنود أنها ستكون سياجهم الواقي من تسلل إرهابيين من باكستان، وطائرات من دون طيار.

ولأن التعاون يجر التعاون، فقد توسعت المبيعات الإسرائيلية ذات الطابع العسكري والأمني، لتشمل الصواريخ وأنظمة التسليح للسفن وللطائرات، قبل أن يتطور الأمر إلى مشروعات صناعية عسكرية مشتركة، في مجال الصواريخ الباليستية. وبدأ، في موازاة ذلك، بالطبع، التوغل الإسرائيلي الأعمق في الهند، بعناوين مشجعة للهنود، كنقل التقنية الزراعية الإسرائيلية إلى القطاع الزراعي الهندي، من خلال تأسيس مركز زراعي تطبيقي، خصصت له مساحات كبيرة من الأراضي، يتدرب فيه الهنود على التقنيات الإسرائيلية الزراعية، وحقق ذلك نجاحاً كبيراً استحث المزيد منه، ليصبح هناك، خلال عامين، عشرون مركز إنتاج زراعي في عشر ولايات هندية! 

وأثناء العمل الإسرائيلي على قدم وساق، للتوغل في السوق الهندية، تطورت بوتائر سريعة، العلاقات الأكاديمية بين جامعات إسرائيل والجامعات الكبرى في الهند. ولكي ترد إسرائيل أريحية الهنود بمثلها، دعت الشركات الهندية للاستثمار في حقل الغاز الطبيعي الذي اكتشفت كمياتٍ منه في البحر المتوسط، قبالة سواحل فلسطين المحتلة ولبنان. وقد بشّر السفير الإسرائيلي، في حديث سابق، بأن دولته ستكون واحدة من أكبر مصدري الغاز، إذ تتوقع أن يكون المتاح لها، تحت مياه البحر، نحو سبعة مليارات برميل، من حقل واحد قبالة حيفا، وسيكون 60% من إنتاجه كافياً لتغطية الاحتياجات الإسرائيلية المحلية، ويُصدر 40%، ووعد بأن تكون الهند من أكبر المستوردين. واشترط على هذ الصعيد، ألا تكون الشركات على علاقة من أي مستوى بإيران.

ولكي نتبين بؤس العمل الإيراني، فضلاً عن بؤس العمل العربي في الهند، ننوّه إلى أن إيران تغض الطرف، تماماً، عن التوغل الإسرائيلي في القارة الآسيوية، وفي الهند التي تُعد إيران شريكة تجارية مهمة لها. فعندما أرادت طهران أن تعمل ضد إسرائيل في الهند، لجأت إلى الوسيلة الحمقاء التي لا طائل منها، وهي تنفيذ محاولة اغتيال لسيدة ديبلوماسية من البعثة الإسرائيلية في نيو دلهي. وجاءت النتائج والحيثيات خائبة بامتياز، ومسيئةً أدبياً للبلد الإسلامي، بل إن الإسرائيليين استخدموا الحيثيات الدرامية للواقعة، لاستدرار عطف الهنود، إذ رُوي أن السائق الهندي الذي يعمل لدى الديبلوماسية الإسرائيلية افتداها، وعرّض حياته للخطر، وغطى العضوة في البعثة الإسرائيلية، فامتزجت، حسب التفسير الديبلوماسي الإسرائيلي، روح نكران الذات والإيثار، في العلاقات الهندية الإسرائيلية "في مواجهة الإرهاب في دلهي والقدس وفي مومباي وتل أبيب"! اليوم، تقوم بين الهند وإسرائيل علاقات أعمق من التي كان يحلم بها ديفيد بن غوريون مؤسس الدولة، والذي كان قد ابتدع في مستهل عقد الخمسينيات، ما سماها "عقيدة الأطراف"، أي أن يتجاوز الحصار العربي عبر تأسيس صداقات مع دول آسيوية وإفريقية، لتحسين البيئة الاستراتيجية والجيوسياسية، وبذل محاولات مضنية مع الهند التي صوتت في 1947 مع الدول العربية ضد قرار التقسيم، رفضاً لقيام دولة إسرائيل، إذ مُنيت محاولات وفد الوكالة اليهودية التقرب من الوفد الهندي بفشل ذريع. وبعد إنشاء إسرائيل، ظل الهنود يرفضون الاعتراف بها، وعلل جواهر لال نهرو موقفه، وهو معارضة الهند اقتلاع العرب الفلسطينيين من ديارهم، ولتجاوز إسرائيل الخطوط المحددة لها في قرار التقسيم، ولأنها دولة قامت على أساس ديني، وهي جزء من الحركة الاستعمارية الغربية.

لكن، ما فتح الباب لعلاقات إسرائيلية هندية هو ما استجد من مواقف بعض الدول العربية، والفلسطينيين أنفسهم الذين دخلوا في عملية تسوية مع إسرائيل، على قاعدة الاعتراف بها. حتى ذلك التاريخ، لم تستطع إسرائيل، على الرغم من الضغوط، الاستحواذ على موطىء قدم في الهند، يزيد عن قنصلية منعزلة ذات طابع تجاري في مدينة مومباي، لكن اتفاق أوسلو فتح الباب لإسرائيل.

اليوم يستوطن الإسرائيليون الأراضي المحتلة عام 1967، وتجاوزوا الخطوط بعد الخطوط، فيما العلاقة الهندية الإسرائيلية تفتح خطوطاً تجرّ خطوطاً في الهند.

التعليقات