18/07/2014 - 13:18

التحديات القادمة ودرب القيادة../ د. باسل غطاس

جاء الوقت لكي تبدأ الانطلاقة لبناء لجنة المتابعة، وفورا من دون تأخير البدء بخطوات عملية ومتفق عليها لوضع الأسس لتفعيل لجنة المتابعة كمؤسسة لها جهاز وظيفي يعمل على تنفيذ القرارات، وعلى وضع السياسات وخاصة الإعلامية والتوثيق وبناء قواعد المعلومات

التحديات القادمة ودرب القيادة../ د. باسل غطاس

تعتبر الفترة الحالية التي نمر بها استثنائية فعلا بكل المقاييس في حراجتها ودقتها وتغير القوى والموازين الفاعلة فيها إقليميا ودوليا. خاصة في درجة رثاثة واهتراء الوضع العربي وبشكل بارز في ما كان يسمى دول المواجهة، وتشتت الوضع الداخلي الفلسطيني لدرجة التمزق بالرغم من الإعلان الرسمي عن المصالحة وإقامة حكومة الوحدة الوطنية. فهل من المعقول ألا تهب مدن الضفة الغربية لمؤازرة غزة بينما يخرج فلسطينيو الداخل ومعهم مئات الألوف في اليمن والمغرب وكل المدن الأوروبية والأمريكية مطالبين بوقف الحرب الاجرامية والعدوان الهمجي على غزة؟ كم من الدم الفلسطيني يجب أن يسفك بعد وكم من المجازر سترتكب إسرائيل في غزة حتى يتحرك العالم؟ وهذه المرة نقول بكل أسى وحتى يتحرك الشارع الفلسطيني الذي حتى جريمة القتل الهمجي للفتى محمد أبو خضير لم تجعله يفلت من قبضة القوى الأمنية والتنسيق الأمني.

من ناحية أخرى هناك ارتفاع غير مسبوق في منسوب العنصرية والتطرف اليهودي الإسرائيلي بقيادة حكومة يسيطر عليها فعلا اليمين المتطرف والمستوطنون. أصوات يهودية معتدلة تتخوف علنا من أن اغتيال عرب وحتى يهود ممن يتظاهرون ضد الحرب هو مسألة وقت. اجتمعت هذا الأسبوع مع مجموعة من الشباب اليهود التجمعيين فكرا ونشاطا، وكان بينهم إجماع أن درجة الفاشية والعنصرية في المجتمع الاسرائيلي غير مسبوقة، والأخطر هو الإجماع الداخلي شبه الكامل حتى في أوساط ما كان يسمى "اليسار الإسرائيلي" وقوى "سلام الآن" على ضرورة ضرب غزة وتحطيم حماس.

 لست ممن يقولون "اشتدي أزمة تنفرجي"، ولكني وبالضرورة أقرأ الصورة على حقيقتها، وأبحث بواقعية عن نقاط الضوء والقوة وعن إمكانيات استغلال الأزمات لإيجاد الفرص للتغيير وإحداث اختراق في ما لم يكن من الممكن تحقيقه في الأوضاع العادية. وأريد هنا أن أسلط الضوء على وضعنا عرب الداخل وعلى المتغيرات الحاصلة في داخلنا وما يتوجب علينا أن نعمله بالمستقبل القريب.

تحت الحكومة الحالية وسابقتها تعرض الفلسطينيون حاملو المواطنة الاسرائيلية إلى سلسلة من مشاريع القوانين العنصرية وحملات التحريض العنصري والإقصاء وصولا إلى ممارسات وقوانين تمس بمجرد استمرار الوجود مثل "قانون برافر" واستمرار سياسة هدم البيوت والمصادرة والإقصاء السياسي برفع نسبة الحسم لمنع التمثيل العربي في الكنيست، وتصعيد سياسة القمع والتضييق على أي مظهر من مظاهر الاحتجاج السياسي إلى درجة العودة إلى ممارسات المخابرات وأجهزة القمع في سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. لكن المجتمع الفلسطيني في الداخل وحركته الوطنية فاجأوا المؤسسة الصهيونية بتمسكهم ليس فقط بحقوقهم الجماعية وبهويتهم الوطنية، وإنما بكونهم جزءا حيا ومتفاعلا من الشعب الفلسطيني وقادرا على التحرك وبسرعة للتأثير على مجريات الأمور للدفاع عن الحق الفلسطيني في مواجهة استمرار الاحتلال والاستيطان وسياسة الفصل العنصري.

 المفاجأة الكبرى كانت في التجند الشبابي للمظاهرات والمواجهات الاحتجاجية، ثم في تحوله إلى رأس الحربة في النضال الميداني بداية في التصدي لقانون برافر العنصري، وبعدها في مظاهرات التضامن مع الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام، وفي الرد السريع والمتواصل على ممارسات الاحتلال منذ اختطاف المستوطنين الثلاثة، وخاصة في الرد على القتل الوحشي للفتى محمد أبو خضير من شعفاط. هذا وبدون مبالغة جعلنا رقما صعبا في معادلات الصراع السياسي في المنطقة، مما دفع بعض المحللين الإسرائيليين للقول بأن نتانياهو يأخذ موضوع رد فعل الفلسطينيين في الداخل على ما قد يحث في غزة في حساباته للحرب.

سوية مع هذا الحراك والنشاط الحيوي والمبارك ظهرت أزمة القيادة أو بالأحرى غياب المؤسسات القيادية الجماعية للمجتمع الفلسطيني في الداخل، وحقيقة كون لجنة المتابعة العليا ليس أكثر من إطار تنسيقي بين مركباته، لا قدرة له ولا حول ولا إمكانيات تنفيذية، وينتهي وجوده بانفضاض اجتماعه. وتحولت لجنة المتابعة إلى منفس لغضب وخيبة أمل جماعية يصب جام غضبه عليها، وكأنها مؤسسة يمكن مساءلتها أو محاسبتها. ولكن حقيقة أن نقد "القيادة" أو "لجنة المتابعة" وتوجيه النصائح لها أحيانا والتحريض عليها أحيانا أخرى خاصة من قبل بعض المثقفين العاجزين سوى عن توجيه الوعظ والنقد أصبح تعميما غير مسؤول يسهل الهروب إليه من باب "كفى الله المؤمنين شر القتال".

المطلوب هو التعامل مع أزمة غياب المؤسسات الجمعية القيادية والبنى الوطنية القومية الجامعة وهنا الموضوع ليس فقط للاجتهاد والتنظير، وإنما للبدء في البناء والتنفيذ. وربما بالذات الآن، ونحن وشعبنا كله يمر في هذه الظروف العصيبة، جاء الوقت لكي تبدأ الانطلاقة لبناء لجنة المتابعة، وفورا من دون تأخير البدء بخطوات عملية ومتفق عليها لوضع الأسس لتفعيل لجنة المتابعة كمؤسسة لها جهاز وظيفي يعمل على تنفيذ القرارات، وعلى وضع السياسات وخاصة الإعلامية والتوثيق وبناء قواعد المعلومات. هذا يتطلب التوافق على رئيس مهني يعمل بوظيفة كاملة مع طاقم أو مدير مهني متفرغ يعمل تحت رئيس يكون شخصية سياسية متوافق عليها من قبل الأحزاب، ممكن أن تكون شخصية حزبية تتوالى دوريا على الرئاسة أو شخصية توافقية لأربع سنوات.

الشرط الأول والأخير هو مأسسة اللجنة وهذا يتطلب الموارد الأولية التي لا يمكن بعد قبول تهرب مركبات لجنة المتابعة، وخاصة الأحزاب الكبيرة، من تحمل المسؤولية عنها، كما لا يمكن بعد تقبل وضع تكون فيه لجنة المتابعة مكانا لجولات وصولات خطابية للبعض، ويكون هذا هو التعبير الوحيد عن وجوده السياسي. يمكننا وخلال أسابيع قليلة لو توفرت الإرادة السياسية لدى مركبات لجنة المتابعة الرئيسية الارتقاء بعمل لجنة المتابعة من خلال التوافق على رئيس دوري ومدير مهني معين مع طاقم ملائم أو رئيس متفرغ متوافق عليه، وهذا يتطلب أمرين: قرار واضح لدى القوى السياسية الرئيسية بالبحث عن التوافق وتغليب المصلحة الجماعية خاصة في هذا الظرف العصيب، والأمر الثاني تخصيص الدعم المالي بالحد الأدنى وذلك بالتزام كافة مركبات لجنة المتابعة بتوفير الدعم الشهري ( في حدود المئة ألف شيكل شهريا) حسب صيغة مشتقة من تمويل الأحزاب الممثلة بالبرلمان وتلك غير الممثلة بحيث يكون توزيع مصادر الميزانية توزيعا عادلا، ويؤمن استقرار مالي لعمل اللجنة ولدفع التزاماتها الأولية. طبعا من المفروض أن يقوم الطاقم المهني على توفير دعم مالي إضافي من مصادر محلية وعالمية لبناء وتوسيع هيئات لجنة المتابعة. لا يمكن قبول وضع لا يشارك فيه الجميع في تمويل لجنة المتابعة، فمن يشارك في اتخاذ القرار كمركب في لجنة المتابعة عليه المساهمة ولو بالحد الأدنى في بنائها وتمويلها وليس فقط بالمشاركة في اجتماعاتها وتسجيل المواقف فيها.

ليس أقل أهمية هو انفتاح لجنة المتابعة للقوى المجتمعية الجديدة الفاعلة والمؤثرة مثل الحراكات الشبابية ومؤسسات المجتمع المدني وزيادة التمثيل والتأثير النسائي سواء من خلال المركبات القائمة أو بضم مؤسسات نسوية ذات حضور جماهيري. هذا الانفتاح يجب ألا يكون مرتبطا بعملية إعادة البناء وما يرتبط به من ضرورات بيروقراطية وتوازنات حزبية، وإنما انفتاح فوري بدعوة هذه القوى لحضور اجتماعات المتابعة والمشاركة بها وإسماع صوتها.

النقد الشعبي والضغط يجب أن يتوجها إلى هذا المنحى، لأنه وللمرة الألف يثبت أن شعبنا يريد ويستجيب للعمل الجماعي والمشترك، ويرى أنه لا بديل عن وجود لجنة المتابعة، ومطلبه شرعي بأن يتم تطويرها لكي ترتقي لتحديات المرحلة. وعدم القيام بخطوات جدية وعملية في هذا الاتجاه سيعني بالضرورة بدء البحث عن بناء بدائل ستنمو من القاعدة الشعبية وستفرض نفسها على المشهد السياسي. 

التعليقات