01/09/2014 - 16:51

ويسألونكَ عن غزّة/ أحمد دراوشة

غزّة أيها السادة، تقاوم في زمن الخذلان، وتحارب في زمن الخنوع والإستسلام، وتنتصر في زمن الخسارة والانهزام، هي غزّة، تموت الحرة ولا تأكل من ثديِها

ويسألونكَ عن غزّة/ أحمد دراوشة

تكرفَسُ عليَّ الأمور وتختلط في ما بينها، وأراني حائرًا بأمري؛ لا أدري ما أُجيب عندَما أسألُ عن إسمِ شهيدِ القدسِ، بتسرّعٍ مقصود أقول: "حمزة الخطيب" عفوًا "محمد أبو خضير" قَصَدْتُ.

لا لضعفٍ في مخيّلتي أو وهنٍ أقول ذلك، بل لإنَّ الشيءَ بالشيءِ يُذكَر، والقتلَ بالقتل يُعرَف، والجُرحَ بالجُرحِ ينزِف، ولأن وحشيّةَ القتلِ في شآم العزِّ وفلسطين الكرامة ومصر الإباءِ واحدةً، وأيادي الغدر التي تعيث في الوطن العربي فسادًا خرجت من رحمٍ خبيثٍ واحد، مهما تغيّرت الأساليب وتبدّلت الصفات وتقلّبتِ المعاني.

وكنتُ أتلعثمُ في المظاهراتِ قصدًا، أهتفت بأعلى صوتي "يا حماة حنّا معاكِ للموت" بدلاً من "يا انتفاضة شيلي شيل"، وكنت أرى في حصار حلب حصارَ يافا، وفي تدمير دمشق تدميرَ القدس، وكلَّ شهيدٍ في حمص تبكيه عجوز نصراوية تحنّيه ستُّ حيفاويه تبكي في دمار حماة، تهجيرَ صفد.

وكنتُ أرى في كل قنبلة غازٍ مسيل للدموع تُرمى، بيتًا من بيوت الشام يُبنى، وكل رصاصةٍ تُطلَق في الضفة وغزّة تخَفّف العذابَ عن أهل العراقَين، وأعلمُ، لعمري، أن السلاح واحد، وأن القاتلَ الواحد، وأعلمُ، لعمري، أننا ما دُمنا نستوردُ سلاحَنا من أعداءِنا فلن نقتُلَ به إلا أنفسنا!

ويسألونكَ عن غزّة، قـــُل لها فَضْلٌ وجلال وعِزّة، وإن جُرمَ المتآمرين عليها وجرم القاتلين فيها سيّان، وآهِ يا غزّة لو تعلمين كم فَرِحَ بعض العُربانِ بقصفكِ، وهذا شأنُ القاطنين في بلاد تسمى (كنانة العرب)، وآه يا غزّة لو تعرفين أين البنادق تُصّوب؛ على صدور الأطفال اليتامى والنسوة الأيامى في سوريا الوطن، وسيشهد التاريخ،يا غزّة، أن البلد الذي دخل الفرد فيه لا يتجاوز المئة دولار، جمع حكّامه أضخم ترسانة كيماويّة في العالم، لم يستعملوه في حروبهم بل على شعوبِهِم، ثم أنكروا، ثم شككوا، ثم أقرّوا وسلّموه للأعادي .. فهل هنالكَ عبث بالأوطان أكثر من هذا؟

ولكِ يا غزّة أيضًا أن تتباهي، ولسكانك أن يتفاخروا في الأرض بكل بهاء وعنفوان، فحربُكِ التي خُضتِ هي الوحيدة الصحيحة في المنطقة الآن، حيث يتنازع سكّانها أمرهم بينَهم، ويحاربُ الأَخ أخاه، وتجولُ الطائرات السوريّة في الجو لا لتحرّر الأرض بل لتقصف حّلّب؛ وحيث يجتاز الطيران الحربي الإماراتي، مسافة الـ 700 كم، لا ليزوّدكم بالوقود، بل ليقصف طرابلس.

نعم يا غزّة، قد يحقِدُ البعض عليكِ، وقد يتمادى الكثير على مقاومتِك، وقد يزايدُ العربانُ عليك، فلا تكترثي يا غزّة، واصمدي واصبري وصابري، فتلك أمة، لعمري، كالميتة – الضرب بها حرام.

غزّة أيها السادة، تقاوم في زمن الخذلان، وتحارب في زمن الخنوع والإستسلام، وتنتصر في زمن الخسارة والانهزام، هي غزّة، تموت الحرة ولا تأكل من ثديِها.
 

التعليقات