19/03/2015 - 15:43

عن انتخابات الكنيست في صورة مؤسرلة/ د. عبد الله البياري

صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 17 مارس/آذار 2015، وهو اليوم الذي أجريت فيه انتخابات الكنيست، نشرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية في عددها رقم ( 2544) صورة لـ"فلسطيني بدوي" حاملًا صورةً دعائية لبنيامين نتنياهو، والعلم الإسرائيلي، وقد كُتب تحتها: "إ

عن انتخابات الكنيست في صورة مؤسرلة/ د. عبد الله البياري

صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 17 مارس/آذار 2015، وهو اليوم الذي أجريت فيه انتخابات الكنيست، نشرت صحيفة 'الأخبار' اللبنانية في عددها رقم ( 2544) صورة لـ'فلسطيني بدوي' حاملًا صورةً دعائية لبنيامين نتنياهو، والعلم الإسرائيلي، وقد كُتب تحتها: 'إسرائيل تنتخب اقتصادها وأمنها'.

مامعنى أن تضع 'الأخبار' اللبنانية هذه الصورة عنوانًا للحدث الرئيسي وعددها الذي تتحدث فيه عن انتخابات الكنيست –العدو- الإسرائيلي؟

ألا تستبطن هذه الصورة موقفًا متحيزًا قبلًا، ضد فلسطينيي الداخل المحتل؟  وتساهم في تمرير وترسيخ الصورة النمطية المؤسرلة (صهيونيًا وعربيًا) عنهم؟ 

فتلك الصورة المؤسرلة، تقفز فوق أكثر من نمط مواجهاتي فلسطيني في آن واحد ليتم تقديمها وجبة جاهزة للمتلقي العربي من جريدة تقدم نفسها منبرًا للمقاومة والممانعة، في وصفها لميدان مواجهة فلسطيني ضد مؤسسة احتلالية وهي الكنيست الإسرائيلي وانتخاباته، بعيدًا عن موقفنا الداعي لمقاطعة هذه الانتخابات كاملة والمؤسسة التي تتم في ظلها،  إذ كنا نتمنى أن تكون 'القائمة العربية المشتركة' متفقة على المقاطعة وليس المشاركة، كورقة ضغط معبرة عن الجماهير الفلسطينية في الداخل المحتل.

 إن البدوي في الصورة والذي يحمل علم إسرائيل وصورة نتنياهو على صدره  (ولعل هذا تحديدًا سبب اختيار تلك الصورة، بالنسبة لما قد تحدثه من 'صدمة' لدى المتلقي. وعلينا ألا ننكر وجود هؤلاء، فالفلسطينيون بالنهاية ليسوا شعبًا من ملائكة، ووجودهم له دلالاته الموضوعية والذاتية أيضًا)، ينفي لدى المتلقي العربي ضمن عقلية تعميمة إعلاميًا، ومعرفة تتأثر كثيرًا بالصور في عصر الصورة السريعة، (كالوجبة السريعة)، 'البدوي' المقابل له، الذي هُدمت قريته عشرات المرات ضمن سياسات الاحتلال والإحلال الإسرائيلية، التي مثلها مخطط برافر، ووقف ضده وأسقطه –من ضمن من أسقطه- 'الفلسطيني البدوي' المطموس في الصورة المؤسرلة تلك؛ وهو ما يُعد امتدادًا  للسياسة الإسرائيلية (سياسيًا وخطابيًا) التي تقوم على فصل الفلسطيني البدوي والفلسطيني الدرزي (وحاليًا الفلسطيني المسيحي) عن باقي شعبه الفلسطيني المقاوم والمواجه وهويته العربية الجامعة، باعتبارهم أول من تأسرل، ولعل هذه الإستراتيجية في تفتيت الفلسطيني إلى هويات متناحرة ذات ولاء إسرائيلي، هي التي من خلالها يمكن فهم لماذا تضع إسرائيل، الفلسطيني الدرزي والفلسطيني البدوي دائمًا في خط المواجهة الأول للمؤسسة الإحتلالية (شرطة وجيشًا) ضد الفلسطينيين في كل تظاهراتهم ومظاهر حياتهم اليومية كالمعابر ونقاط التفتيش، وغيرها.

تلك الصورة تقفز فوق إنجاز فلسطيني في الداخل المحتل يتحقق لأول مرة، وهو توحيد الأحزاب العربية المشاركة والممثلة للفلسطينين/ات في 'قائمة مشتركة' في الكنيست، وتقدم صورة الفلسطيني بشكل اختزالي حاملًا علم إسرائيل وصورة نتنياهو، للمتلقي العربي، فيعيد الأخير تقييم أولوية سؤال المشاركة في الإنتخابات –باعتبارها مواجهة مع الاحتلال- من عدمه على أسس غير موضوعية تطمس فكرة الاتحاد التي تمثلت في القائمة العربية المشتركة، وتضع الفلسطيني في صورة 'البدوي المؤسرل' وما للبداوة ها هنا من دلالة في مقابل حداثة الدولة الإسرائيلية 'التي هي واحة التنوير في صحراء التخلف والبداوة'  كما تقدم إسرائيل نفسها كولونياليًا، أو 'الفلسطيني المقاطع' وما للفلسطينية من دلالة الوطنية والعمالة ضمن نفس الجبهة الفلسطينية، حصرًا.
هذه التقابلية الضديّة المركبة، هي ماتساهم في تكثيف حالة الإستقطاب التي تنخر سؤال المشاركة والمقاطعة فلسطينيًا على أكثر من وجه، جاعلةً من المشاركين خونة (ومتخلفين) وحدهم على شاكلة البدوي في الصورة، والمقاطعين وطنيين (فلسطينيين) وحدهم، أو العكس، وهي الدائرة التي يخرج منها الإحتلال ومؤسساته باعتباره هو العدو الأول، ويصبح الفلسطيني في مواجهة الفلسطيني، وهو ماعملت السياسة العربية المؤسرلة على تكثيفه في الوعي العربي الجمعي اتجاه الفلسطينيين، وإلا فما الفارق بين الفلسطيني الذي 'باع أرضه' كما وصفته أدبيات كامب ديفيد والبدوي في الصورة؟ أوليست الصورة في أكثر توصيفاتها تأدبًا، إهانة وتخوينًا للفلسطينيين بعمومهم وتحديدًا فلسطينيو الداخل المحتل، منهم؟

وإذا نظرنا للصورة من منظور خطابي أكبر ولو قليلًا لتبين، أن الأسرلة الخطابية والإدراكية التي أسست لها عقلية كامب ديفيد في الإعلام والسياسة والثقافة العربية، لم ينج منها الخطاب الإعلامي في دولة ذاقت ويلات الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه قبلًا، ونعني لبنان، وبالذات من منبر كمنبر 'الأخبار'، وهي نفس الدولة التي تحررت من الاحتلال بالمقاومة المسلحة، كما أنها كذلك من دول الطوق، وهي التي 'يجب' أن تكون على درجة وعي أعلى من تلك التي أنتجت هذا النمط من الصور التعميمية المتحيزة والمؤسرلة، أو هكذا يُفترض، إذا كانت المعركة معركة وعي قبل البندقية. 

التعليقات