23/04/2015 - 16:31

تناتيش ونغابيش/ بلال فضل

تناتيش ونغابيش/ بلال فضل

العقاد

 * خلال أزمة مارس (آذار) 1954 التي كانت بداية القضاء على المجال السياسي المفتوح، بكل مميزاته وعيوبه وتعقيداته، تطوع كتّاب ومثقفون كثيرون لمهاجمة الاختلاف السياسي والحزبي، واعتباره أهم أسباب تخلف مصر، متحدثين عن أهمية التوحد والاصطفاف والكلمة الواحدة، وكما يلاحظ الدكتور شريف يونس، في كتابه المهم "نداء الشعب"، كان عباس محمود العقاد الكاتب الوحيد "الذي تصدى لمنطق القوامة التربوية الشعبية الانتقالية، وما يترتب عليها من فكرة اقتراح نظام سياسي، يفرضه الضباط على البلاد"، وكان ذلك في مقال يتيم، كتب فيه "إن الخلاف بين الناس في المسائل العامة طبيعة لا تزول، حتى في شؤون الأمة المقدسة. وإذا قُمعت هذه الخلافات، فإنما تُقمع بسلطة مطلقة مستمرة، وليس استمرار السلطة المطلقة في الأمة أهون من اختلافات الأحزاب، والاختلاف على تحقيق المصلحة العامة أرحم وأنفع، من الوفاق على تبادل المصالح الشخصية. ولسنا نريد أن تستدعى الأحزاب استدعاء، بل نترك المسألة للعوامل الطبيعية في أدائها، وأن نوازن بين سلطة مطلقة مستمرة، وبين تجربة تتعلم فيها الأمة مع الزمن، وفوق ذلك الجو النيابي في مصر يتغلب على فساد الأحزاب كرها واضطراراً، بفضل رقابة الأمة التي تبقى منها على الدوام بقية متنبهة يحسب حسابها كل حزب وكل زعيم"، مقترحاً حل الجدال السياسي الدائر في الموضوع كالآتي: "أسلم الآراء في اعتقادي أن نعمل في هذا الموضوع بقرار هيئة قومية يجري انتخابها على أساس قانون عصري، والخلاصة أن تقرير مصير الحكم في الأمة مسألة قومية تُسأل فيها الأمة".

كان ذلك آخر ما كتبه العقاد في المسألة، حيث اختار بعدها أن يحتفظ بآرائه السياسية الصريحة في ما يجري لنفسه وللمقربين من مريديه، وها نحن بعد ستين عاماً نبدأ الخلاف المرير من جديد، حول خطورة السلطة المطلقة، وأهمية الخلاف في المسائل العامة، بدلاً من أن نبدأ من حيث انتهت بنا تجربة حكم العسكر الأليمة، التي أسكتت كل الأصوات، ليعلو صوت المعركة الأزلية التي لا ينتهي الحشد لها، ولا تنتهي هزائمنا فيها.

* ".. الإفراج عن المحكوم عليهم من محاكم عسكرية وإلغاء الأحكام العسكرية، أمنية طالما ترددت في الخواطر، وجاشت في الصدور، ولا نخص الصحفيين بالارتياح، مع أنهم عانوا من كابوس هذه الأحكام، وما تفرع عليها من رقابة وإنذار ووعيد وتهديد وإقفال وتعطيل وأوامر بالكتابة والتليفون... ولا يزال ماثلاً للعيون الابتهاج الذي شمل الأمة بعودة الذين أبعدوا عن البلاد، بحكم النظام العرفي، فقد ظهر هذا الابتهاج فيها، بمظهر ندر أن يكون له مثيل في تاريخ الشعوب، وحسبنا هذا دليلاً ساطعاً على شدة النفور من النظام العرفي، وثقل وطأته على الكبار والصغار. وقد انفردت مصر بطول عصر الأحكام العرفية فيها، من جراء الحرب العظمى، فإن هذه الأحكام ألغيت في سائر البلدان قبلما ألغيت عندنا. ومما قابله الناس بالارتياح الكثير الإفراج عن 260 من الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية وأودعوا السجون، وقد كان المأمول أن يعم هذا الإفراج جميع الذين حكمت المحاكم العسكرية عليهم، طبقا لما تمنّته الأمة غير مرة، وما بسطته في الصحف لولاة الأمور".

كانت هذه سطورا سبق نشرها بتاريخ 7 يوليو، ولكن ليس 7 يوليو الماضي، وإنما 7 يوليو سنة 1923 في تغطية خبرية لصحيفة المقطم، وستجد النص الكامل في كتاب (الدستور المصري 1923 والحكم النيابي في مصر وتاريخ ذلك من سنة 1866 إلى الآن) لجامعه ألبرت شقير، الصادر عن ذاكرة الكتابة من الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف المؤرخ الكبير أحمد زكريا الشلق، وأترك لك التعليق والتأمل.

* نغبشة أخيرة بمناسبة ذكرى رحيل أبونا صلاح جاهين: أدهشتني معرفة أن أوبريت (الليلة الكبيرة) العظيم، كان في الأساس مصنوعا كإعلان لمنتجات شركة كبيرة في ستينات القرن الماضي، ما جعل الموسيقار كمال الطويل يرفض تلحينها، حين عرض عليه صلاح جاهين ذلك، ليذهب العمل إلى الكبير سيد مكاوي. روى ذلك الطويل، في حوار إذاعي قديم عثرت عليه مصادفة، قائلا "أعترف وأقر بأن هذه الصورة البديعة الجميلة لصلاح جاهين ماكنتش واعي ولا داري بعظمة هذه الصورة، لإن أنا لما كنت باتخيل إنها معمولة لشركة دعاية لمنتجاتها، طار المعنى الحقيقي لهذه الصورة الجميلة من ذهني، إلى أن فوجئت بشيء عظيم جميل حلو مازال باقيا إلى اليوم وسيظل، قدمه الفنان الجميل سيد مكاوي وبشكل بديع، بهذه الصورة اللي إتعملت مرة عرايس ومرة مسرح ومرة أغنية كلما أسمعها أقول له عفارم عليك يابو السيد والله أحسنت، وأقول لنفسي: كده برضه تضيع منك جوهرة".

رحم الله الجميع.

التعليقات