19/06/2015 - 20:19

لماذا لا تسيّس نقابة المحامين؟/ خالد تيتي

لا شك أن مهنة المحاماة ومكانتها قد فقدت بريقها في الأعوام الأخيرة، ويعود هذا لعدة أسباب أهمها التضخم في عدد المحامين، إلا أن أهمية المحاماة في الحيز العام لا زال قائما وبقوة

لماذا لا تسيّس نقابة المحامين؟/ خالد تيتي

أظهرت نتائج انتخابات نقابة المحامين الإسرائيلية نتائجًا مرضية لجمهور المحامين العرب، من حيث المقاعد في لجنة النقابة القطرية، ومن حيث فوز المرشح الذي دعمه أغلبية المحامين العرب لرئاسة النقابة، المحامي إيفيه نافيه، رئيس لواء تل أبيب في النقابة، والذي كان في المعسكر 'المعادي' في الانتخابات السابقة، والذي تعرض لتحريض غير مسبوق في حملة الانتخابات من قبل أطراف يمينية في النقابة ومن منظمة إم ترتسو التي دخلت المعترك بصورة غريبة وغير مفهومة كونها لا ناقة لها في النقابة ولا جمل. ويقول البعض إن هذا التدخل هو تدخل مأجور من قبل أعداء نافيه، وإن اختيار 'إم ترتسو' جاء بسبب احترافها التحريض على العرب وأنصارهم.

لا شك أن مهنة المحاماة ومكانتها قد فقدت بريقها في الأعوام الأخيرة، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها التضخم في عدد المحامين، إلا أن أهمية المحاماة في الحيز العام لا زال قائما وبقوة، والأدوات التي من الممكن اكتسابها عبر هذه المهنة التاريخية والمهمة عابرة للمجالات، ما بين القانون والاقتصاد والتجارة والطب والإعلام وغيرها من المجالات المؤثرة. وبالرغم من التصاعد المستمر في عدد المحامين لا زالت هذه المهنة مصدر قوة وتأثير في المجتمع لمن يجيدها ويحترفها. ولا يقتصر تقاطع المحاماة مع المجالات الاجتماعية والمادية فحسب، فثمة تقاطع بارز للعيان للقانون ورجالات القانون بالسياسة والسياسين. الأمر الذي غالبًا ما ينتج اتصال وثيق بين السياسي والقانوني حد التوأمة بين الاثنين، فالأول غطاء للثاني والثاني أداة لتحريك الأول. 

وقد أنجز المحامون العرب في السنوات الأربعة الأخيرة مما لا بأس به، على الصعيد التمثيلي واستثمار التأثير لإبرام تحالفات تعود بالفائدة على المحامين العرب في الإطار النقابي البحت. فالأول مرة عيّن محاميا عربيا ممثلا للنقابة في لجنة تعيين القضاة المركبة من وزير القضاء ووزير آخر وقضاة في العليا وأعضاء كنيست، وقد كان لهذا التعيين أثرا ما في زيادة عدد القضاة العرب وتقوية مكانتهم. والأول مرة ثمة إنجازات على صعيد تطوير مرافق النقابة في لواء الشمال ( منطقة الناصرة) وفي تطوير الخدمات والاستكمالات المهنية التي تقدم للمحامين العرب. وكانت آخر الإنجازات في إجبار النقابة فتح صناديق اقتراع في المحاكم الشرعية في الطيبة وباقة الغربية.

هذه الإنجازات المهمة وغيرها، تفتح الطريق نحو تمكين المحامين العرب أكثر، لذلك يجب استثمارها وتحويلها إلى نموذج نقابي قوي مؤثر وفاعل بين المحامين ولكن ليس فقط بينهم، بل في المجتمع والسياسة، فليس من المفيد أن يبقى المحامون على ألوانهم ومجالاتهم واختصاصاتهم قابعين في إطار النقابة وهمومها، من دون الالتفات إلى القضايا الاجتماعية والسياسية عبر مأسسة عملهم وتنظيم تبادل الخبرات، كي يكون لهذه المجموعة الكبيرة التي ينتمي جلها للطبقة الوسطى، مقولة في المجتمع وتواصل مع مؤسساته.

لا يطرح موضوع تنظيم المحامين وتسييس النقابة من باب الترف أو من باب إقحام السياسة في كل كبيرة وصغيرة، ولا حتى من الحاجة الطبيعية لتكاتف العرب في إطار واحد أينما وجدوا. بل إن استثمار إطار المحامين كمًا ونوعًا هو حاجة مجتمعية ملحة حاضرًا ومستقبلا، من شأنها أن تملأ فراغًا كبيرا في عدة مجالات، وأن تفيد المحامين في ذات الوقت.

نموذج نقابي قوي للمحامين العرب، يحمل هموم السياسة والمجتمع إضافة إلى همومه النقابية، من الممكن أن يثمر في عدة مجالات، كالعلاقات الدولية وصلتها بالقانون، استحداث هيئات استشارية للمؤسسات الوطنية كالمتابعة ولجنة السلطات المحلية، وتطوير وسائل التأثير على التشريع ليس فقط سياسيا. فلا يمكن الاعتماد فقط على الجمعيات الأهلية التي تقوم بهذا العمل. وقد يكون لتسييس ومأسسة العمل النقابي للمحامين المردود الاجتماعي في تطوير القيادات السياسية المهنية القادرة على إدارة مشاريع وشق طريق العمل الاستراتيجي المهني الغائب عن مؤسساتنا.

ولتسييس نقابة المحامين وتنظيم المحامين والحقوقيين العرب أهمية بالغة للإسهام في صياغة مستقبلنا الرسمي، من يدري، ربما سنحتاج في يوم من الأيام إلى إدارة محاكمنا وصياغة قوانيننا ودستورنا بأنفسنا.

التعليقات