18/08/2015 - 09:13

مهرجان السيّدات/ نجوى بركات

لا بأس من إخراج امرأة صغيرة للزعيم، من الصندوق، ولتكن بالمرّة جميلة وأنيقة، تجيد الكلام بما يعنيها، أي الموضة والطفولة وأعمال الخير. إنما، حذارِ حذارِ من أن يكون لها فم، أو لسان، أو حتى دماغ، وإن ملكتها، فما عليها إلا أن تخفيها تحت ساب

مهرجان السيّدات/ نجوى بركات

في ما مضى، كان مطلوبا من زوجات السياسيين، نواباً وزعماء ورؤساء، محليين وعالميين، أن يكنّ محبّات وصبورات، كزوجات الأطباء تقريباً، إذ يستدعي الواجب الطبّي والإنساني هنا، والسياسي والوطني هناك، أزواجهن أنّى كانوا، ومتى لزم الأمر، وما على هؤلاء سوى أن يهبّوا لتلبية النداء. كان مطلوباً أن يكنّ أمهات وزوجات، أن تكون لهن تلك الملامح الكتومة، المحتشمة، حيث 'وراء كل رجل عظيم امرأة'، وحيث التي 'تهز المهد بيد وبالأخرى تهز العالم'. فكنّ، في السلطة، كما في ما يليها، يبقين في الكواليس، ممحوات الوجوه والأصوات، وإن ظهرن، ففي الدور الأخير، لا الثاني، أي في خلفية الخلفية. وإن صدف واحتللن المقدمة، فمن دون عتاد أو أسلحة، وبعيداً عن كل ما يلفت إليهن الأنظار.

ثم جاء عصر آخر، فلم يعد الخطاب السياسي أو البرامج والوعود الانتخابية كافية لاستمالة الجمهور. صار الزعيم يحتاج 'شكلاً' يتجاوز 'المضمون'، صورة تريه أباً وزوجاً، لا بل ذكراً حتى، لا يتنقّـل ولا يحيا من دون 'أنثاه'. فنصف المجتمع، أي النساء، وقد سُمح لهن بممارسة اللعبة الديموقراطية من خلال الإدلاء بأصواتهن، بتن الآن قوة انتخابية يُحسب لها ألف حساب. والمرأة لا تُجنَّد ولا تُجيَّش من دون 'حدوتة'، تخاطب مشاعرها ومخيلتها.

لذا، لا بأس من إخراج امرأة صغيرة للزعيم، من الصندوق، ولتكن بالمرّة جميلة وأنيقة، تجيد الكلام بما يعنيها، أي الموضة والطفولة وأعمال الخير. إنما، حذارِ حذارِ  من أن يكون لها فم، أو لسان، أو حتى دماغ، وإن ملكتها، فما عليها إلا أن تخفيها تحت سابع أرض، لأن فيها ما يسيء إلى الزعيم، ويخلخل صورته في أذهان قاعدته. هكذا، أصبحت النساء من أساسيات الأسلحة الداعمة في الحملات الانتخابية، فهي، تعلّمت أن تجيد أصول 'الظهور' و'الاختفاء'، الحضور والامّحاء، كي تجذب الجمهور إليها، ومن ثم، عبرها، إلى زوجها المنجذبة هي أصلا إليه، والواقعة أبداً في حبال غرامه، لأنه سببٌ وأهلٌ لكل غرام. ثم، وكما يقول المثل الشعبي، يبدو أن 'البطيخة كبرت' في رأس تلك السيدات، فأردن أن يتحوّلن بدورهن إلى صاحبات سلطة. ولم لا؟ وأنا أذكى وأكثر تعليماً وحضوراً وجمالاً وجاذبية منه؟ ولم لا؟ وأنا هي من تدير أمور البلاد فعليا، سرّاً، وليلا، وأنا مضطجعة في فراشنا الزوجي إلى جانب بعلي 'العظيم'. وإن لم يصادفني الحظ، فراح ضحية اغتيال، أو سكتة قلبية، أو مؤامرة تهتز لها الجبال، فيجب أن أخلقه، حظي ذاك، بأن أتقدم خطوة خطوة إلى الأمام، فتكون لي آراء وتصريحات، وأستفيد من سكرته بالسلطة، فأكوّن لي 'زعامة' في الجرائد والمجلات، أصير ناشطة فاعلة حاضرة، لي في كل عُرس قرص، أصرّح بمناسبة وبغير مناسبة، وأعيّن لي سكرتيرات ومكاتب ووكالات تعمل على تطوير صورتي، أنوب عن زوجي المنشغل جداً، في قصّ الأشرطة الاحتفالية والافتتاحية والختامية، وأبتسم تحت الأضواء وأمام الميكروفونات وفلاشات الكاميرات... وإنْ حصل، وضيّق اللئيم عليّ ولم يترك لي، هو وقاعدته الرجعية الغبية، أي مجال، أفلتُّ منه إلى حيز الثقافة والفنون، هناك حيث لا أثر له أو تأثير، فأقمت ورعيت مهرجانات فنية أجعلها 'دولية'، مؤسِّسة بذلك لنفسي، تحت رداء الحياد والتفاني والتسامي، شبكة علاقات أخطبوطية..

معاذ أن يومئ ما تقدم إلى زوجات الزعماء في لبنان، ممّن استلمن مهرجانات الصيف كمن يتسلّم دروعا للقتال، أو إقطاعا مسجلا باسمه، ولا إلى الحرب المستترة الدائرة حتما ما بينهن، كحلقة إضافية في مسلسل الاقتتال الطائفيّ والمناطقيّ، بل قد يكون محقاً القول إن ما يفعلنه يفتح قليلا رئتي البلاد المختنقة منذ دهر بكساد الأزمات. إنما تبقى لفتة أخيرة، منذ 25 مايو/أيار 2014، وبعد 27 جلسة انتخاب، لا سيدة أولى لدينا، بل سيّدات!

(العربي الجديد)

التعليقات