31/08/2015 - 13:03

بين القانون والتحرير: فلسطين وناميبيا/ نمر سلطاني

حازت ناميبيا على الدولة بعد التحرير والاستقلال، في حين تسعى السلطة الفلسطينية إلى الدولة قبل التحرير والاستقلال!

بين القانون والتحرير: فلسطين وناميبيا/ نمر سلطاني

في عام 1977 أقرت الأمم المتحدة البروتوكول رقم واحد الملحق بمعاهدات جنيف. مثّل هذا البروتوكول نصرًا لحركات التحرر لأنه شمل ضمن خانة النزاعات الدولية المسلحة حروب التحرير ضد الاستعمار والاحتلال الأجنبي والأنظمة العنصرية من أجل تقرير المصير. وبالتالي أصبحت قوانين الحرب الدولية تسري على هذه النزاعات وتوفر نوعًا من الحماية للثوار في معركة التحرير. ولكن هذا البروتوكول اشترط منح هذه الحماية بالتشابه ما بين حركة التحرر والدولة، ومن ضمن ذلك كون الحركة تناضل من أجل قيام دولة في رقعة جغرافية محددة. أي أنه عامل حركات التحرر التي تحارب دولاً كما لو كانت هي الأخرى دول مثلها. وبذلك تجاهل خصوصية حركات التحرر.         

وهذا الانحياز لمشروع الدولة على حساب التحرر أصبح سمة المرحلة الفلسطينية. وبعكس قول بعض الباحثين، الذين يقرأون التاريخ الفلسطيني بأثر رجعي، فإن الكفاح الفلسطيني لم يهدف في بادئ الأمرإلى القيام بدولة، وإنما تحوّل إلى هذا الهدف ابتداءً من السبعينيات. ومنذ الدخول في مشروع أوسلو في التسعينيات ومنظمة التحرير تتلاشى داخل البنية القانونية والمؤسساتية الناشئة للسلطة الفلسطينية. ومنذ ذلك الحين نشهد تصاعد الخطاب القانوني والحقوقي. ففي عام 2004 قررت محكمة العدل الدولية بضرورة إزالة جدار الفصل العنصري من الضفة الغربية. ولكنّ القرار بقي حبرًا على ورق نظرًا لاعتماد القانون الدولي على التنفيذ من قبل الدول، أي أن القانون رهينة للسياسة. ومنذ 2011 والسلطة الفلسطينية تسعى للانضمام لعضوية الأمم المتحدة وطلب الإعلان عنها كدولة، وبعد ذلك كدولة مراقب غير عضو. وأخيرًا، وبعد تردد طويل، طلبت السلطة الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية. ثم انقلب التردد إلى اندفاع للتلويح بالمحكمة في كل مناسبة. ولكن هذا التلويح لا يدل على جدية، إذ أنه مجرد "تقديم معلومات" لا شكاوى. بل هو يدل على ضعف، لأن السلطة الحالية غير قادرة على المفاوضات الجدية ولا على التحرير. وقد يدل على صنمية القانون: الافتراض أن القانون منعزل عن السياسة وعلاقات القوة، وأن القانون واضح ومتوقع بعكس غموض ومفاجآت السياسة.   

هل القانون هو الحل؟ لعلّ في تجربة ناميبيا عبرة. في رأينا، وخلافًا لما يقوله بعض الزملاء، ناميبيا ليست مثالاً على جدوى السبيل القانوني. ولم تفضِ القرارات الاستشارية لمحكمة العدل الدولية للاستقلال الناميبي (رغم وجود أربعة قرارات، ثلاثة منها لصالح الناميبيين). فبعد القرار الاستشاري الأول عام 1966، وكان مخيّبًا لآمال الناميبيين، أعلنت سوابو (منظمة شعب جنوب غرب أفريقيا) الكفاح المسلح ضد الاحتلال الجنوب الأفريقي (والذي استمر زهاء تسعين عامًا). وكان الجناح العسكري للحركة يشن هجماته من أنغولا وزامبيا. ثم اعترفت هيئة الأمم المتحدة بحق الناميبيين بالكفاح العنيف والمسلح ضد الاحتلال وبضرورة مساندة الدول الأخرى لكفاحهم. في نهاية الأمر حازت ناميبيا على الاستقلال من خلال صفقة دولية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة مع نهاية الحرب الباردة، حيث خرجت القوات الجنوب أفريقية من ناميبيا وبالمقابل خرجت القوات الكوبية من أنغولا.

لذلك فالفرق بين النتيجة الفلسطينية والنتيجة الناميبية ليس نابعًا من وجود أربع قرارات من قبل محكمة العدل الدولية بخصوص ناميبيا مقابل قرار واحد بخصوص فلسطين. الفرق هو سياسي. حيث سار الكفاح الفلسطيني بشكل معاكس للكفاح الناميبي. لقد تطور النضال الناميبي من عهد القرارات القضائية الاستشارية إلى عهد الكفاح المسلح. في حين تطور النضال الفلسطيني من الكفاح المسلح إلى عهد القرار القضائي وطلبات الانضمام للأمم المتحدة وإعلان الدولة وقرع باب المحاكم. لقد حازت ناميبيا على الدولة بعد التحرير والاستقلال، في حين تسعى السلطة الفلسطينية إلى الدولة قبل التحرير والاستقلال!

(نشر في ملحق "فلسطين" في "العربي الجديد")

التعليقات