25/10/2015 - 09:05

الحاج أمين الحسيني في "موفيولا"/ معن البياري

استغرق لقاء مفتي فلسطين، الحاج أمين الحسيني، مع هتلر، ساعةً وخمساً وثلاثين دقيقة، نهار 21 نوفمبر/تشرين ثاني 1941. ربما طالع بنيامين نتنياهو عنه في دعائياتٍ صهيونية وبريطانية، فجعلته يردّد تخريفه عن طلب الحسيني من زعيم ألمانيا النازية حرق

الحاج أمين الحسيني في

استغرق لقاء مفتي فلسطين، الحاج أمين الحسيني، مع هتلر، ساعةً وخمساً وثلاثين دقيقة، نهار 21 نوفمبر/تشرين ثاني 1941. ربما طالع بنيامين نتنياهو عنه في دعائياتٍ صهيونية وبريطانية، فجعلته يردّد تخريفه عن طلب الحسيني من زعيم ألمانيا النازية حرق اليهود. تفوّه بذلك، الأربعاء الماضي، فأشعل ردود فعل غاضبة، إسرائيلية وفلسطينية. وتستدعي فعلتُه هذه انتباهاً إلى روايةٍ، ذات جدّة في موضوعها ومقترحها الإبداعي في المدوّنة الروائية الفلسطينية، وذات قيمة فنية في مبناها وسردها. لم تنل حقها اللازم في الذيوع والقراءة، وهذا نتنياهو يستنفرُ رغبةً، هنا، في إضاءةٍ عليها.

إنها "موفيولا" للفلسطيني تيسير خلف (دار فضاءات، عمّان، 2013) عن الخسران الفلسطيني المديد، مع غروب أحلام أبطال الرواية الذين انتقاهم الكاتب من تاريخ السينما الفلسطينية، ومن مسار الوطنية الفلسطينية. المخرج والمصور الرائد، محمد صالح الكيالي، بطل مركزي فيها، والحاج أمين الحسيني، بطل رئيسي، كما السينمائي إبراهيم سرحان. وإذ تختار الرواية مسمّى آلة المونتاج اسماً لها، فإنها تعتمد المشاهد والمقاطع وتتالي الأزمنة واسترجاعاتها، والمونولوغ والحوار، أساليب لبنائها السردي، الدائري في توصيفٍ جائز له، والذي يؤديه راوٍ تتداخل مع صوته أصوات الأبطال المذكورين (والضابط ذو الكفل عبد اللطيف).

من مشاهد "موفيولا" ذلك اللقاء في دار المستشارية في برلين، بين الفوهرر والحاج الحسيني. تخيّله تيسير خلف، واستوحى تفاصيله وظروفه، وأجواءه وفضاءه، مما سرده المفتي في مذكّراته التي اقتصرت على أحد عشر عاماً في المنفى (دار الأهالي، دمشق، 1999). تقرأ في الرواية أن المفتي خرج من اللقاء قلقاً وغير مرتاح، ومدركاً، أكثر من أي وقت مضى، أن السياسة لعبة مصالح. وذلك لأن هتلر لم يستجب لطلبه عقد معاهدة بين العرب وألمانيا ودول المحور، تشتمل على مطالب العرب بالتحرّر والسيادة، وإلغاء فكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين. لا تنشغل "موفيولا" بتلك الواقعة كثيراً في الدراما المثيرة في سيرة الحسيني (1895-1974)، منذ فراره في 1937 من سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين في ثوب بدويٍّ إلى لبنان، مروراً بوصوله إلى بغداد، ثم رحلته إلى روما، وتالياً إلى برلين، ثم تحفّظ السلطات السويسرية عليه، بعد نهاية الحرب العالمية وهزيمة ألمانيا وإيطاليا. لا تتقصّى الرواية، في مونتاجها وتقطيعاتها، هذا كله بعينٍ توثيقية، ولا تنشغل بمصير المفتي، بعد إقامته في القاهرة التي يغادرها إلى بيروت زمن جمال عبد الناصر، بل تعتني، أساساً، بالعين السينمائية لدى البطل المركزي في الرواية، السينمائي الحالم، محمد صالح الكيالي الذي يحضر الحاج أمين في الرواية لصلته به. صوّر لقاء المفتي مع موسوليني في روما، وظلّ يهجس بصنعة السينما وإنجاز أفلامٍ عن فلسطين. ولمّا سمع منه المفتي، في مطعمٍ في العاصمة الإيطالية، كلامه عن أهمية السينما الوثائقية، قال له إن عليه أن يسجل كل شيء في الوطن عندما يعود، "فالأرض تتسرّب من بين أيدينا، مثل الرمل، والحرب مع أعدائنا تشمل كل شيء".

كانت فلسطين تتسرّب من أهلها، وكانت أشواق الكيالي في السينما والحاج الحسيني في حماية فلسطين تمضي إلى الغروب، كما صار إبراهيم سرحان يستدعي إلى باله فرحه القديم بالموفيولا التي صنعها، وبتصويره زيارة الأمير سعود بن عبد العزيز في يافا برفقته المفتي، وقد بدأت الرواية به، في خريف أيامه، سمكرياً في مخيم شاتيلا، وانتهت بوفاته في المخيم نفسه في 1987، وكان الكيالي قد توفي في طرابلس الغرب وهو يشاهد على التلفزيون أنور السادات في القدس المحتلة. طافت "موفيولا" على تلك الأحلام وخساراتها، بكيفية المونتاج السينمائي في بناء روائيٍ، قام على توليفةٍ حكائيةٍ جذابة، عن أشواق فلسطينية بعيدة، أضاء عليها تيسير خلف، بكفاءةٍ إبداعية. ولذلك، تحتاج روايته أن تُقرأ، ويُنتبه إليها أكثر، ليس بسبب ما تفوّه به نتنياهو عن الحاج أمين الحسيني، بل لأنها عمل أدبي مبتكر.

(العربي الجديد)

التعليقات