30/12/2015 - 15:55

الشجار في جامعة جنين يطرح مجددًا واقع الجماعة الوطنية../ عوض عبد الفتاح

ليس غريبًا أو جديدًا أن يتشاجر أبناء الشعب الواحد، وهو بطبيعة الحال من أسوأ أنواع الصراع. أقصد الصراع الداخلي، خاصة عندما يكون للشعب عدو خارجي يعتمد سياسة التمزيق والتفكيك، كإستراتيجية أساسية في مخطط السيطرة والنهب

الشجار  في جامعة جنين يطرح مجددًا واقع الجماعة الوطنية../ عوض عبد الفتاح

ليس غريبًا أو جديدًا أن يتشاجر أبناء الشعب الواحد، وهو بطبيعة الحال من أسوأ أنواع الصراع. أقصد الصراع الداخلي، خاصة عندما يكون للشعب عدو خارجي يعتمد سياسة التمزيق والتفكيك، كإستراتيجية أساسية في مخطط السيطرة والنهب.

في دور السكن التابعة للجامعة الأميركية في مدينة جنين، نشب أمس شجار محدود جدًا بين طالبة فلسطينية من داخل منطقة عرب 48 وامرأة فلسطينية من الأراضي المحتلة عام 67. وكاد يتحول الأمر إلى طوشة أهلية، بين طلاب من شقي الوطن (48-67)، وتدخلت فيها قوات السلطة الفلسطينية المختصة بمكافحة الشغب. كما تدخل العاقلون من الطرفين، وانتهت المسألة تاركة جروحا معنوية تحتاج إلى علاج.

ولكن هذا يستوجب قول بعض الملاحظات الهامة التي تتصل بالنسيج الاجتماعي لشعب واحد، هو شعب فلسطين الذي جزأه المشروع الصهيوني جغرافيًا وديمغرافيًا، وأخضع أجزاءه لسياسات مختلفة، ضمن منظومة قهر استعماري واحدة هي السيطرة والنهب، مما خلق آراءً مسبقة داخل كل تجمع تجاه التجمع الآخر وهذا ليس جديدًا.

قبل عام 67 تعامل الفلسطينيون، في الضفة والقطاع والشتات، باستثناء قيادات الحركة الوطنية، مع فلسطينيي ال48، "كعرب إسرائيل الذين تماهوا مع الدولة الصهيونية"، كما تصرف المواطن العربي العادي من داخل منطقة 48 أيضًا باستعلاء تجاه ابن وبنت الضفة وقطاع غزة. وبعد عام 67، ومع انفتاح أبناء الشعب الفلسطيني على جانبي خط الاحتلال (المسمى بالأخضر) ازدادت النظرة المسبقة لدى الأوساط الشعبية تجاه بعض.. نظرة استعلاء وتنكر. وبالفعل تعاونت أوساط وشخصيات مع الدولة الجديدة.. الصهيونية.. إما لدوافع الخوف والحفاظ على البقاء، أو لأسباب أنانية ومصلحية. ولكن الأصوات الوطنية والمعارضة التي كانت تلاحق ثم التعتيم عليها.

ومع الوقت، خاصة بعد انتفاضة يوم الأرض عام 67، انتبهت القطاعات الوطنية في الضفة وقطاع غزة إلى عرب ال48، ومن بعد هبة القدس والأقصى. وبعد تطور الدور السياسي لفلسطينيي ال48، بدأ يتحول التشكيك إلى الإعجاب، وإلى توقع دور أكبر من هذا الجزء من شعبنا في النضال الفلسطيني العام. كما أن فلسطينيي الـ48 تراجعوا عن النظرة الاستعلائية تجاه فلسطينيي ال67، بعد الانتفاضات المتتالية التي خاضوها. وبالمجمل، ازداد الشعور لدى الطرفين بالانتماء لشعب واحد، وازداد التفاعل الاجتماعي والسياسي والأكاديمي.

في العقد الأخير، برز تطور جديد؛ ألا وهو دخول آلاف الطلاب من فلسطينيي ال48 إلى الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية.. بسبب القيود الصعبة التي تفرضها الجامعات الإسرائيلية على المتقدمين للتسجيل في الجامعات. وكان، ولا زال، لهذا التطور نتائج هامة، ليست على صعيد التحصيل الأكاديمي فحسب، بل على صعيد التلاحم بين الأجيال الفلسطينية من التجمعات المختلفة. ولكن من خلال الزيارات التي أقوم بها بين الحين والآخر في هذه الجامعات، تستطيع أن تلمس تحت السطح، استمرار ، وإن بصورة أقل بكثير من السابق، المواقف المسبقة أو الشعور بالغربة تجاه بعضهم البعض، خاصة لدى الأوساط الطلابية غير المسيسة.

ولأن العقد الأخير (في ظل أوسلو) شهد تآكلاً حادًا في المشروع الوطني الفلسطيني، وتراجعًا للنضال التحرري الوطني، الذي حلت محله مفاهيم عدمية وفقدان المثال الوطني الجامع، هذا الفقدان الذي تعزز بغياب العمل السياسي الوطني المنهجي بسبب ذلك كله، خسرت هذه الأجيال الشابة فرصة تنمية هوية وطنية مشتركة لا تقوم على الشعور بالانتماء المشترك فحسب، بل على قاعدة ثقافية – فكرية – تاريخية وسياسية جامعة ورؤية سياسية واحدة.

في لقاءاتي المتعددة، لا أفوت الفرصة للتأكيد على وحدة المصير، وفي الأسبوع القادم (الإثنين) اخترت عنوان الندوة في جامعة جنين، التي تنظمها التيارات السياسية، أن يكون علاقة فلسطينيي ال48 بالمشروع الوطني الفلسطيني.

ندوة واحدة أو عشرة لا تكفي، بل الأمر يحتاج إلى إستراتيجية، إلى توجه، وإلى برنامج يتفق عليه الجميع، حتى نستطيع أن نستثمر هذا الوجود الطلابي الفلسطيني، من 48 و 67، في الجامعات الفلسطينية، وكذلك ما يجري الآن من موجة انتفاضية جديدة التي يقودها الشباب لإعادة ربط الأجيال الفلسطينية بثقافة وطنية جامعة، تقوم على الوعي بالتاريخ والتجربة الوطنية المشتركة، وبالحقوق التاريخية لشعب فلسطين، في وطنه التاريخي.

في هذا الواقع الحالك، هناك نقاط ضوء كثيرة وهامة.. منها تنطلق الأجيال الجديدة نحو المستقبل.

التعليقات