03/01/2016 - 11:42

هل عام 2016 عام القضاء على داعش؟/ إياد خلايلة

كان عام 2015 العام الذي اقتحمت به دولة داعش وعي الشعوب العربية وغيرها من أوسع الأبواب، بالأساس من خلال مغالاتها في الأعمال الانتقامية، وابتداع أساليب وحشية ودموية في الإعدام،

هل عام 2016 عام القضاء على داعش؟/ إياد خلايلة

إياد خلايلة

كان عام 2015 العام الذي اقتحمت به دولة داعش وعي الشعوب العربية وغيرها من أوسع الأبواب، بالأساس من خلال مغالاتها في الأعمال الانتقامية، وابتداع أساليب وحشية ودموية في الإعدام، ولكن الأهم من ذلك هو من خلال بناء دولتها في العراق والشام، من خلال احتلال منطقة ما بين النهرين في سوريا والعراق، وإقامة "الدولة الإسلامية" في هذه المنطقة، مع كل علامات وسمات الدولة، وعلى مساحة فاقت ما يسيطر عليه النظام السوري أو العراقي، وما كان ينقص هذه الدولة فقط هو الاعتراف الخارجي بشرعيتها، بعد أن بسطت سيادتها وأسست مؤسساتها على الأرض.

من المرجح أن يكون العام 2016 هو عام انحسار داعش، بل ومن المتوقع أن تقوّض أسسس دولته "الإسلامية" التي أعلنها في العراق والشام، بعد أن تمكنّت من استعداء الدول العظمى وخاصة أميركا وروسيا وفرنسا، وفقدت الكثير من حاضنتها الشعبية.
إذا كان عداء داعش لروسيا هو أمر مفروغ منه، إلا أن داعش عملت بمثابرة لكسب عداء أميركا، إذ أن الأخيرة وإن كانت في العلن تحارب داعش، فإنها في الحقيقة كانت تلعب بهذه الورقة، تستخدمها لتقويض نظام الأسد من ناحية ولمحاصرة النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة من ناحية أخرى.

لقد حاولت أميركا في البدء أن ترسم حدود "الدولة الإسلامية السنيّة" بعيداً عن حدود مشروع "الدولة الكردية" الذي دأبت أميركا على تأسيسه، إلا أن داعش حاولت التمدد نحو المنطقة الكردية في العراق، وحاصرت الكرد في سوريا، في عين العرب، محاولة القضاء عليهم، مما استفز أميركا، ولكن هجمات داعش في فرنسا وداخل أميركا ايضاً، حسم خيار الأخيرة بوجوب القضاء على المسخ الذي استخدمته.

وفيما قادت فرنسا الخط المعارض كلية لأي دور للأسد ونظامه في مستقبل سوريا، فقد غيرت هجمات داعش الدموية داخل فرنسا حسابات فرنسا، وفيما كان القضاء على نظام الأسد هو الأولوية الأولى بات القضاء على داعش على رأس سلم الأولويات وباتت فرنسا مستعدة للتحالف مع روسيا في القضاء على داعش، ولو كان هذا الخيار يشمل ضمنيا القبول بدور رئيس للأسد ونظامه في مستقبل سوريا، لأن روسيا ترى بنظام الأسد حليفها الرئيسي في محاربة داعش وغيرها من الفصائل المعارضة المسلحة.

حسم الخيار عالميا بوجوب القضاء على داعش، وحين تبين نجاعة التدخل العسكري الروسي، كشف أن ما ادعته أميركا من محاربة داعش لا يتعدى كونه تمثيلية سيئة الأداء، فأصبحت أميركا مطالبة بدور عسكري أكثر وضوحاً وأكثر نجاعة في الحرب ضد داعش، وبما أن موقف أميركا من النظام السوري عدائي فكان من غير الممكن عقد تحالف مع النظام السوري أو مع روسيا، فتركز الدور الأميركي بدعم الجيش العراقي في محاربة داعش وخاصة في الرمادي، ودعم القوات الكردية في سوريا وفي العراق في حربها ضد داعش.

إلى جانب الإجماع الدولي بوجوب تقويض دولة داعش أصبح واضحاً للسوريين والعراقيين أن نظام داعش ليس نظام الحكم الذي سعوا من أجله، خاصة وأن جيش داعش يشمل الكثير من "الغرباء"، الذين يغالون في التطرف وأساليب التنكيل بالبشر ومعالم الحضارة الإنسانية التي حافظ عليها العراقيون والسوريون على مدار آلاف السنين.

الأمر لا يدعو إلى كثير من التفاؤل، صحيح أن تقويض دولة داعش أصبح أمرا محسوما، لكن القضاء على الفكر الداعشي غير وارد في الأجل المنظور، لاستمرار الظروف الموضوعية التي أدت إلى نشوء داعش ألا وهي الاستعمار، الاستبداد والإقصاء الطائفي.

لم يأت الإجماع الدولي بمحاربة إرهاب داعش لمساعدة الشعوب العربية، والقوى العالمية التي تنشط في سوريا والعراق ليس لديها برنامج لخدمة الشعوب العربية، وبناء أنظمة ديمقراطية، بل تأتي كل دولة عظمى مع برنامجها الذي يخدم مصالحها الخاصة، وهي مصالح استعمارية بحتة، ولكل منها حلفاء من جماعات طائفية وبنى استبدادية، تريد أن تتقاسم من خلالها ومعها مقدرات البلاد، ويبقى المواطن العربي بلا حليف حقيقي وقوي والأهم من ذلك بلا أفق أو أمل بمستقبل أفضل، ليجد نفسه مجدداً في حضن أو بين براثن جماعات أشد تطرفاً وأكثر دموية.

المطلوب من الشعوب العربية وخاصة النخب السياسية، الارتقاء إلى مستوى الأحداث، والتعلم من تجربة الماضي، وعدم الارتهان إلى أجندات أجنبية سواء كانت أميركية أو روسية، تركية أو إيرانية، وعرض بديل وطني ديمقراطي يحفظ ما تبقى من الوطن والبشر.

التعليقات