21/01/2016 - 20:06

البيارة وحز الليمون/ وديع عواودة

من يرضى بتعريف الوسط أو القطاع هل يعترف بنجاح سياسة الجزرة فيكتفي بحز ليمون عوضًا عن بيارته أو يتعاون معها!؟

البيارة وحز الليمون/ وديع عواودة

يقال إن الصورة بألف كلمة، لكنَّ هذه، أيضًا، تختزل أحيانًا عالَمًا بما فيه وما تعرّضَ ويتعرّض له كـ 'مراية إليسا'. كيف لا واللغة وعاء الحضارة وأداة للتأثير على الوعي لا وسيلة اتصال فحسب. يبنى الوطن أولًا من كلمات، ويكفي شطب تاء التأنيث لتغييب المرأة من النص ومن الحيز العام وتكريس المجتمع الذكوري، بعض هذه الكلمات المشحونة يستفز ويغيظ من يتنبه لحمولتها المبطنة ككلمة 'وسط' (قطاع) المترجمة عن لغة أصحاب الحاجز: مِجزار. لم تشهد لغة الضاد لدى الفلسطينيين كلمة تعكس تشوهًا بالوعي، مثل كلمة 'وسط' بعدما صاروا أقلية في وطنهم، تُوَظَّف الكلمات والمصطلحات (إلى جانب التسميات)، في عملية تدجينهم وتطويعهم بمنهجية ما زالت مستمرة.

تتجلى هذه العملية الجراحية للوعي بفظاظة غير مسبوقة الآن، بكتاب المدنيات الجديد 'أن تكون مواطنًا في إسرائيل' فهو يبرز مبادرات التهويد بحمله أيضا رغبة بصهينة التلاميذ. ننتفض بحق ضد اعتماد هذه اللوثة التربوية لكننا نمارسها بلساننا، بـ 'الوسط' وأخواتها من كلمات نحتها مهندسو الأسرلة لنا، فنرددها غافلين عن كونها سمًا بالدسم (كَفودْ لِمِجزار).

ناصبت كلمة 'الوسط' العداء منذ سنوات كثيرة بالتغييب والسخرية، وفي كل يوم، اكتشف أنها أقوى منّي، فألقاها كل يوم تصفعني وتمضي. عدت لها اليوم، بعدما صفعت صحفيًا إسرائيليًا، أيضًا، كما يقول في مقال بعنوان 'كافود لمجزار'. يقول  نحوم برنيع: ' قبل بضع سنوات دخلت إلى محل جزّارٍ في سخنين. لم يكن هدفي  الشراء لا لحمًا ولا سمكًا. تبين أن صاحب محل الجزارة متحدثٌ بارعٌ وتفرّع الحديث وطال. ولاحظت أنه يتحدث عن وسط مقابل وسط: الوسط العربي يفعل هكذا وهكذا، الوسط اليهودي يفعل هكذا وهكذا. 'لحظة'، أوقفته، 'نحن لسنا وسطًا، نحن الأغلبية'؛ إذا كنا نحن وسطًا، فأنتم، أيضًا، وسط'. أجاب الرجل بثقة؛ في تلك اللحظة فهمت أن تعبير 'وسط' يمكن أن يكون شيئًا مهينًا. الوسط هو مقطع من الشيء الكامل، شيء ما يمكن ظلمه، تجاهله، بل وحتى إلقاؤه عندما يروق لك. الوسط هو تعبير يستدعي السخرية وليس فقط عند الحديث عن العرب؛ بل عن الأصوليين، أو المستوطنين أيضًا. الوسط هو أقلية'.

صحيح، بتنا أقلية وهم أغلبية، بعدما زلزلت النكبة عام 48، بيد أننا مجتمع لا لأننا جزء من شعب فلسطيني وأمة عربية فحسب، بل لأن 'العيال كبرت' وتطوّر كمًّا وكيفًا. لم تعد اليوم  كلمة 'وسط' تليق بأقلية أصلية وبنت البلد واستخدامها ازدراء للذات وحياكة بسلة من خطط، لتقسيم كل صحيح وتكريس الدونية وقبول التهميش. بالطبع يمكن فهم من ابتكر 'الوسط' أو 'القطاع' فدوافعه لم تتغير، بالعكس، ولكن هل استمرار اعتماد 'جمهور الهدف' لها، يعني نجاح عملية جراحة الوعي لحد بعيد؟ وهل نطبّق، عمليًا، بلساننا، ما نرفضه رسميًا، كما يحصل بالتسميات واللافتات العامة والخاصة في بلداتنا وشوارعنا؟ أم هي زلة لسان؟

من يرضى بتعريف 'الوسط' أو 'القطاع' هل يعترف بنجاح سياسة الجزرة فيكتفي بحز ليمون عوضًا عن بيارته أو  يتعاون معها!؟

التعليقات