01/03/2016 - 18:36

القوة العظمى الثامنة تقف عاجزة أمام فتية فلسطين../ سليمان أبو ارشيد

إنها ليست ثقافة الموت كما يحاولون الإيهام بل ثقافة الحرية التي دفعت المجموعات البشرية والشعوب التي نشدتها منذ فجر التاريخ ثمنا لها بملايين الضحايا والشهداء

القوة العظمى الثامنة تقف عاجزة أمام فتية فلسطين../ سليمان أبو ارشيد

 عشية الذكرى 68 لتأسيسها على أرض فلسطين، تشكل إسرائيل اليوم القوة العظمى الثامنة في العالم، بعد الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وألمانيا واليابان، وذلك وفق تدريج أجرته جامعة بنسلفانيا الأميركية، وارتكز إلى ثلاثة عوامل هي القوة العسكرية والتأثير الدولي والتحالفات الدولية، وذلك في وقت تغرق الدول العربية التي خاضت، بشكل مباشر أو غير مباشر، حروبا ضد إسرائيل بدمائها وأزماتها، وتبدو فيه حركة التحرر الفلسطينية منقسمة على ذاتها ما بين سلطة مقاطعة (مقر الرئاسة في رام الله) في رام الله وسلطة مقاطعة (تتعرض للمقاطعة من قبل دول العالم) في قطاع غزة.

والحال كذلك يحق لنتنياهو، الذي كان خارجا لتوه من اجتماع مع سفير أكبر دولة عربية (مصر) في إسرائيل ومع سفراء أفارقة لتعزيز التحالف بين إسرائيل والدول الأفريقية، كما قال، ليس أن يتفاخر فقط بعظمة إسرائيل وتحالفاتها الدولية، بل أن يسخر من خصومه السياسيين (ليبرمان ولبيد) الذين عقدوا في ذات اليوم مؤتمرا لمحاربة حركة المقاطعة (بي. دي. أس) قائلا إن 'هناك من يختار القيام بـ'شخبطات سياسية' وهناك من يقوم فعلا بتعزيز تحالفات إسرائيل الدولية لكي يؤمن مستقبلنا ها هنا'، مضيفا وهو يشير إلى نتائج الاستطلاع المذكور، في النهاية العظمة هي من تؤمن مسقبلنا، وهي التي تجلب أعداءنا إلى التصالح معنا'.

وعشية الـذكرى 68 لتأسيسها لم يبق، بعد أن انكفأت الجيوش وتراجعت الفصائل، من يحارب إسرائيل سوى بضعة فتيات وفتية فلسطينيين يخرج كل منهم/ ن بما ملكت إيمانه/ا من مقص أو سكين مطبخ، ولكن القوة الثامنة في العالم تقف منذ خمسة أشهر عاجزة عن مواجهة انتفاضة الأطفال والشباب الفلسطيني، بعد أن انقلبت الإعدامات الميدانية والتي اعتمدتها إسرائيل كأسلوب ردع، وطالت حتى الآن أكثر من 190 فتاة وشابا فلسطينيا، انقلبت على أصحابها لأن الدم يجر الدم، والشعب الفلسطيني هو كباقي الشعوب التي كافحت من أجل استقلالها، في فيتنام والجزائر قدسوا الموت، كما يقول الشاعر الإسرائيلي، يتسحاق ليئور، ردا على من ينتقدون ثقافة الشعب الفلسطيني التي تقدس الموت. ليئور يقول إنه حتى في غيتو وارسو قدسوا الموت، ويذكّر الإسرائيليين في مقال نشرته 'هآرتس' هذا الأسبوع بـ كلاشيه 'بموتهم صنعوا لنا الحياة'.

إنها ليست ثقافة الموت كما يحاولون الإيهام بل ثقافة الحرية التي دفعت المجموعات البشرية والشعوب التي نشدتها منذ فجر التاريخ ثمنا لها بملايين الضحايا والشهداء، وفي السياق يروي أحد المراجع عن سبارتاكوس، مفجر ثورة العبيد، أنه 'ظل يقاتل وهو راكع على ركبته إلى أن مات وتمزق جسمه... ولم يعد ممكنا أن يتعرف عليه أحد، وهلك معه معظم أتباعه. وفر بعضهم إلى الغابات، وظل الرومان يطاردونهم فيها وصلب ستة آلاف من الأسرى في الطريق الأبياوي، الممتد من كبوا إلى روما، وتركت أجسامهم المتعفنة على هذه الحال عدة شهور، تطمينًا لجميع السادة وإرهابًا لجميع العبيد'.

إذن هي ليست ثقافة الحياة وثقافة الموت كما يدعون، بل ثقافة الظالم وثقافة المظلوم ثقافة المستعمر (بكسر الغين) وثقافة المستعمر (بفتح الغين). ثقافة الظالم التي تقوم على الاحتلال والاستغلال والقتل الفردي والجماعي والتنكيل بالأحياء واحتجاز الأموات، (ربما الفرق الوحيد أنه لم يكن في العصر الروماني برادات ولذلك كانت الجثامين تترك حتى تتعفن)، وثقافة المظلوم الذي يكافح من أجل حريته وكرامته دافعا في سبيلها الغالي والنفيس وهو يقدم حياته من أجلها عن طيب خاطر إدراكا منه أنه يصنع حياة وغد أفضل للأجيال القادمة.

لسنا نحن من اخترع هذه المفاهيم، بل هي تكرست من خلال كفاح أجيال وأجيال من البشر، وفي كافة أصقاع الأرض من أجل الحرية، هي مفاهيم نقشت على صفحات التاريخ بدماء سبارتاكوس وجيفارا وعمر المختار وعز الدين القسام وغسان كنفاني، ومئات بل آلاف وملايين الشهداء حول العالم.

وليست إسرائيل من اخترعت الاحتلال والظلم والقتل والتعذيب واحتجاز جثامين الشهداء، وإن كانت تفننت فيه. هم لا يعرفون سوى إفراغ الباغات القاتلة في أجساد الأطفال والفتية حتى بعد أن نهاهم قائدهم العسكري عن ذلك، ونحن لا نعرف سوى مقاومة الظلم بكل الوسائل المتوفرة. هذا هو الفرق بين المحتل والواقع تحت الاحتلال، أما الثقافة التي لا تقبل المقارنة بين الثكلى الإسرائيليين والثكلى الفلسطينيين فهي ذات الثقافة التي تجيز لكيان الاحتلال السيطرة على شعب آخر، والتي تمتد إلى صلب الأسرى في عهد الرومان وترك أجسامهم المتعفنة عدة شهور، 'تطمينًا لجميع السادة وإرهابًا لجميع العبيد'.

التعليقات