08/05/2016 - 15:05

صراع الرومانسيين على جثث السوريين

عجت مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار مدينة حلب ومصابها الجلل، وتدافع المعلقون بالبحث عن الجناة أو بالأحرى بالدفاع عن فكرتهم المسبقة بالدفاع عن سورية، كلٌّ من الزاوية التي رسمها لنفسه.

صراع الرومانسيين على جثث السوريين

عجت مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار مدينة حلب ومصابها الجلل، وتدافع المعلقون بالبحث عن الجناة أو بالأحرى بالدفاع عن فكرتهم المسبقة بالدفاع عن سورية، كلٌّ من الزاوية التي رسمها لنفسه.

البعض استمات بالدفاع عن بشار ودعاه بالحسم! الحسم مع من وضد من وكيف، وكيف لمن لم يحسم منذ عشرات السنين أن يقوى على الحسم اليوم؟ فالجولان ما زالت أبوابه مشرعة وعرضه مهتوك.

البعض الآخر، الذي يحاول أن يكون أكثر موضوعية مع النظام في صد العدوان عن الوطن ويدعو النظام بأن يضرب بيد من حديد للتصدي لكل محاولات النيل من الوطن.

والبعض يؤيد ما سمي بمرحلة سابقة الثورة السورية، التي أبدع النظام في قمعها، حيث استعمل فيها كل قوته لصدها، وتبددت الثورة السورية ولكن سرعان ما ظهرت القوى المتصارعة على سورية كل بزيه ولحيته.

والبعض رأى بها خلافة إسلامية حقيقية في بلاد الشام والعراق وبدأ بالتغني بشعارات ظهر الحق وزهق الباطل ومنهم من سجد لتحقيق نبوته بظهور سيدنا المهدي.

والقائمة طويلة ولا أريد أن أخوض بها هنا، ولكنني أجزم أن أكثرية المتصارعين، بعيدون كل البعد عن حقيقة معاناة الشعب السوري وجرحه العميق بل وأكثر لا يعون ما هو الحال الذي آلت إليه سورية، بعد سنوات الدمار الذي مرت بِه.

إن الأمر المقلق هو صراع الفرقاء في بلادنا على اتخاذ موقف مؤيد أو معارض للنظام بشكل نزق وبعيد كل البعد عن الواقع السوري الأليم.

حلب تحترق، لا بل سورية تحترق ولم يشفع لها لا أبو علي بوتين ولا غيره، لا بل ألهب نيرانها أكثر وأكثر ولم يحسم بعد لا هو ولا بشار.

سورية العظيمة، طالما خرجت علينا بشخصياتها المميزة والقيادية التي رسمت لنا معالم حضارتنا العربية ولها القدرة على قيادة سورية إلى بر الأمان.

لا طاغية ولا بغدادي يقوى على حكم سورية ما دام الشعب السوري يرفضه، فرفض الشعب السوري لبشار نابع من اُسلوب جماعته القمعي الذي لم يلتفت مرة إلى أن هناك شعبًا حضاريًا وعليه الاهتمام به ولم يبن المؤسسات التي هي أساس بناء الدولة وتماسكها، فما أن هجمت بعض العصابات الملتحية إلا وأصبحت سورية على شفا هاوية، ولولا تدخل حزب الله المباشر لكانت سورية العروبة في خبر كان.

أين كانت القيادة السورية كل هذا الوقت؟  ماذا فعلت؟ ما هي المؤسسات التي بنتها؟ أين البنية التحتية؟ أين الجيش العربي السوري الذي طالما أَمِلْنَا منه أنه سيحرر البلاد وأنه حامي حمى الوطن؟

لا أريد الخوض بإخفاقات النظام العديدة، فهو اليوم جريح والإجهاز على الجريح حرام، فالمآخذ عليه كثيرة وما قام به حفاظا على عرشه أولا هو فتح السماء السورية أمام الطائرات الروسية لتحسم له المعركة، متناسيًا أن حسم المعركة، فعليًا، هو بميادين القتال وفي ساحات المعركة على الأرض، ألم يلتفت لذلك؟ وهل فعلًا يعول على أبو علي بوتين كحامي حمى الأوطان؟ وهل صحي وضروري إقحام روسيا إلى هذا المعترك؟ وما هو المطلب الروسي البسيط بعد المعركة؟ قامت الدنيا ولم تقعد عندما أهدى السيسي جزيرتين لآل سعود "للطقطقة عليهن" فما هي درجات كرم بشار؟ أظنه أكثر كرمًا وعطاءً من السيسي.

لقد سئمنا في سنوات مضت الاستعمار والسيطرة الغربية على البلاد وطالما فضلنا الحكام المحليين الطغاة على الاستعمار، وهل نحن اليوم في مكان آخر "سلمني واذبح أخوي"؟.

منذ متى أصبحت روسيا والولايات المتحدة حامية حمى الأوطان؟ وهل من الحكمة ما قامت به الحكومة السورية "بدلت ابنها ببندوق".

كان بإمكان النظام السوري حسم المعركة منذ البداية وصد التدخل الخارجي بمجرد إجراء انتخابات ديمقراطية، والتي على الأغلب سينجح بها بشار بنسبة ٦٠٪ أو ٦٥٪ وبذلك يعزز شرعيته بأوساط شعبه، وبذلك يفتح باب الإصلاحات المرجوة وما كان حدث ما حدث أو كان باستطاعته ترشيح شخصية مرموقة مقبولة مثل بشار الجعفري، وبذلك يهدّئ من روع المعارضة ضده، ولكن ما حدث أنه استسلم أمام بعض المنتفعين المتنفذين، أمثال رامي مخلوف، الذين صبوا جل اهتمامهم بمصالحهم الشخصية ووضعوها فوق المصلحة السورية.

إن حجم المأساة السورية لا يعلمه سوى الله، فالدمار رهيب والتهجير كثير، فبمجرد أن تسافر تلتقي اللاجئين السوريين بكل مكان، فمأساتهم كبيرة ووجعهم أليم، فلطفا منك قبل التلويح براية أو أخرى، اقرأ التاريخ والواقع، فالتشابه كبير فلا بشار ولا غيره يأبه للشعب السوري، بل كلهم فرقاء يحاولون نهش ما يمكن نهشه من الأراضي السورية، كل لمآربه الخاصة البعيدة كل البعد عن إرادة الشعب السوري بالحرية والعيش الكريم.

لم يكن يعلم النظام السوري ما ستؤول إليه الأمور، حيث سيُصبِح النظام طرفا من الأطراف المتنازعة على أرض الآباء والأجداد، فالنظام لا يسيطر على أكثر من ٣٠٪ من أراضي سورية، التي توزعت بين المنقضين من كل حدب وصوب.

إن كلَّ يعربيٍ أصيل يتضرع إلى الله ليلَ نهار أن تخرج سورية بشعبها إلى بر الأمان ويضرب كل من سولت له نفسه أن ينهش من أرض سورية وشعبها النفيسين، أما أن يخرج بعض المتطفلين وأشباه المفكرين بالتهجم على كل من لا يخدم فكره فهو أمر بعيد عن الواقع ومرفوض جملة وتفصيلا.

الحالة السورية لها خاصيتها، فنحن نعشق سورية وطالما تمنينا زيارتها التي منعنا منها لمعادلات التاريخ والتوازنات الإقليمية، فقلبنا خفق دائما عندما لاح العلم السوري كالفلسطيني تماما.

رغم أن سورية العروبة انتفضت لتغير التاريخ وترسمه كما يرتئيه الشعب السوري، إلا أن القوى الخارجية المتربصة لم يرق لها ذلك، وسرعان ما انقضّت لتمزق سورية تحت رايات عدة، مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام وغيرها، مستغلة حالة عدم الاستقرار والعبثية التي وصلت إليها سورية.

إذا حاولنا أن نقارن بين الحالة السورية وغيرها من أخواتها التونسية والمصرية، نرى أن الحالة التونسية مثالية، نجحت الثورة ورحل الطاغية وانتخب الشعب رئيسًا، وفي الحالة المصرية، رغم المآخذ الكثيرة، إلا أن الثورة لم تنهك دولة المؤسسات المصرية، فرغم الثورة والغليان، لم تتوقف المؤسسات عن صمودها واستمرت في خدمة الشعب، إضافة إلى مؤسسة الجيش، والتي عندما خرجت إلى الشوارع، أخذت دور الجهة الحامية والحاضنة للشعب المصري والتي سهلت عملية الانتقال وها هي مصر تمر بمرحلة انتقالية ناجحة رغم الانتقادات التي لا تنتهي على السيسي وزمرته.

أما في الحالة السورية، فلا دولة ولا مؤسسات، فبمجرد أن خرج الشعب السوري إلى الشوارع سلميًا، ضرب النظام الثورة بيد من حديد ولم يكتف بل استمر بالملاحقة حتى انكمشت الثورة الحقيقية، وظهر بعض المرتزقة والدخيلين ليعيثوا بأرض سورية فسادًا، وهكذا، وجد النظام نفسه أمام حالة هستيرية لا يقوى على صدها لضعفه وقلة حيلته فجاهزيته كانت فقط لقمع التظاهرات الداخلية من أبناء جلدته، ولكن ما أن "دعدشت" الثورة إلا وانكمشت قوى النظام أمامه، ولولا قوى حزب الله التي استنزفت، ما بقي شبر سوري إلا "ودعدِش".

إن ما نأمله اليوم، ومن دوافعنا العروبية الوطنية الإنسانية، أن يعم الهدوء والسلام في سورية فبقاء بشار أو تنحيه أقل ما يعنيني، بل ما يعنيني ومن المفروض ما يعني كل إنسان وطني شريف هو سلامة سورية وشعبها، وخروجهم من الأزمة التي فرضت عليهم، فالوضع المأساوي الذي وصلت إليه سورية يفوق الخيال ومرحلة البناء من جديد ليست بالسهلة، فبدون الدمار الذي حدث في الأزمة الأخيرة كانت سورية بحاجة إلى بناء، فكم بالحري بعد هذه المرحلة الرهيبة.

فسورية أكبر مني ومنكم ومن أحزابكم وأطيافكم ومشاريعكم وأهدافكم متجمعين.

التعليقات