18/05/2016 - 13:04

السيسي عراب التصفية

كان السيسي عراب الانقلاب على أول نظام ديمقراطي منتخب في مصر ووأد أول تجربة ديمقراطية في أهم بلد عربي، ويبدو أنه يعتقد أن بمقدوره إطلاق رصاصة الرحمة على القضية الفلسطينية.

السيسي عراب التصفية

نميل دومًا إلى الاستخفاف بتصريحات عبد الفتاح السيسي ونتعامل معها على أنها “تهريج”، تمامًا مثلما حلل الإسرائيليون تصريحاته أمس بشأن المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على أنها محاولة أو مناورة منسقة مسبقًا لدفع انضمام “المعسكر الصهيوني” بزعامة يتسحاق هرتسوغ لحكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو، والإيحاء وكأن هناك فرصة تاريخية للتسوية مع الفلسطينيين.

رغم ذلك، فإن خطاب السيسي أمس بشأن المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين يؤشر إلى أن هناك نوايا حقيقية لدى أطراف إقليمية ودولية على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا لعقد مؤتمر على غرار مؤتمر مدريد يكون بمثابة الإعلان الرسمي عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية عديدة وعلى رأسها السعودية. 

فقد دعا السيسي “الأحزاب الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية إلى التروي ومنح المبادرة الفرنسية فرصة، وبذل الجهود للتوصل لاتفاق يضمن أمن المنطقة”، لافتا إلى أن هناك مبادرتين لحل القضية الفلسطينية، الأولى هي المبادرة العربية والأخرى هي المبادرة الفرنسية.

وتصريحات رئيس الحكومة الفرنسية، مانويل فالس، لصحيفة “يديعوت أحرونوت” التي نشرت اليوم عشية زيارته للبلاد، بأن على الدول العربية وعلى رأسها السعودية الاعتراف بإسرائيل مسبقا تأتي في السياق نفسه، وهو التمهيد لتحالفات إقليمية جديدة لم تكن معلنة حتى اليوم، إذ قال: “الاعتراف بإسرائيل من قبل عدة دول سيكون بادرة حسن نية ذات أهمية خاصة من شأنها دفع عملية السلام وتشجع الإسرائيليين”. 

ما لم يقله السيسي علانية، صرح به رئيس الحكومة الفرنسية علانية، وبدا أن تعنت نتنياهو الذي يقابله شغف فلسطيني لإحياء المفاوضات بات يؤتي بثماره لصالح إسرائيل، التي ترفض أي مبادرة للتسوية بما فيها المبادرة العربية/ السعودية التي قدمت التنازلات لإسرائيل فيما كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات محاصرا في مقره، وأبرز التنازلات كان إسقاط حق العودة.

وما يعزز القناعة بأن هناك “تحولات جوفية” في المنطقة هو لقاء المخابرات المصرية قبل أسابيع بوفد حركة حماس والانفتاح المصري على الحركة التي كانت بنظره حتى أسابيع بعرف الحركات الإرهابية، وما تلاه من لقاء جمع بين السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس بالقاهرة والتسريبات بأن اللقاء كان هامًا وبحث أمورًا إستراتيجية كبيرة وليس قضايا عينية مثل إغلاق معبر رفح، كما أن دعوة السيسي الفصائل الفلسطينية إلى الوحدة الوطنية تدفع بتعزيز القناعة بأن مصر تسعى لأن تكون طرفًا مقبولا لدى جميع الأطراف الفلسطينية، إذ دعا إلى إنهاء الانقسام والتوصل إلى وحدة وطنية لشق الطريق لإيجاد حل شامل ونهائي للقضية الفلسطينية.

إذًا، يمهد السيسي لأجواء جديدة في المنطقة تكون فيها إسرائيل حليفًا شرعيًا للعرب، وذلك يتطلب بداية إزالة أولى المعوقات وهي الحقوق الفلسطينية تحت تسويغات مثل تسوية إسرائيلية - فلسطينية وتوفير السلام للفلسطينيين والأمن للإسرائيليين، لكن هذه بالحقيقة عملية تصفية للقضية الفلسطينية بتواطؤ كل الأطراف.

ولا يمكن فصل هذه التطورات الخطيرة عن ما يحصل في المنطقة من احترابات أهلية مزقت الأوطان، ويبدو أن الانكفاء الأميركي عن التدخل في المنطقة يدفع أنظمة عربية  مثل السعودية إلى بناء تحالفات كانت محرمة حتى فترة وجيزة، وكما أن دعم النظام السوري يبرر بأنه الطريق إلى تحرير القدس من الاحتلال الصهيوني، فإن التحالفات المقابلة تتبلور باسم تحرير دمشق من الاحتلال الإيراني - الروسي، فيما القدس لا تزال محتلة منذ عقود ودمشق رُحّل أهلها وسكنها ناطقون بغير لغتها.

كان السيسي عراب الانقلاب على أول نظام ديمقراطي منتخب في مصر ووأد أول تجربة ديمقراطية في أهم بلد عربي، ويبدو أنه يعتقد أن بمقدوره إطلاق رصاصة الرحمة على القضية الفلسطينية. 

فلسطين كانت دوما شماعة الأنظمة مهما سمت نفسها، ملكية أو جمهورية،  ويبدو أنها ستبقى كذلك، لكن مصر رفضت طيلة العقود الأربعة الأخيرة المباهاة بمعاهدة السلام مع إسرائيل كما يفعل السيسي اليوم، ورفضت منذ قرون أن تكون مقاولا ثانويًا أو أجيرا عند طرف آخر، لكن يبدو أن عملية محو خطيئة الانقلاب وشرعنته سيكون ثمنها تصفية خطيئة احتلال فلسطين.

التعليقات