20/05/2016 - 11:24

حزب جميع أعضائه

لكل عضو صوت، هو مندوب نفسه في المؤتمر، وكلّ الأعضاء متساوون. هكذا يكون لعضوية الحزب معنى وتأثير حقيقيّ. أعضاء الحزب هم أعظم وأهم مورد لديه كمورد بشريّ متطوع وكمصدر مستقل للدعم الماديّ من خلال الرسوم والتبرعات.

حزب جميع أعضائه

تشير مقدمة مسودة البيان التنظيميّ، الذي سيناقشه المؤتمر السابع لحزب التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ، إلى أنّه 'من الصعب، بل من غير الجائز فصل التنظيميّ عن السياسيّ، نظراً للعلاقة الجدلية بين الفكرة والتنظيم'. سأقف عند هذه المقولة الصائبة وسأحاول أن أبني عليها اقتراحًا جديدًا يسهم في الإجابة، أساسًا، عن السؤال: كيف نكون 'حزبًا وطنيًا وديمقراطيًا في آن واحد' تنظيميًا؟    

برز في مسودة البيان (الذي يفصل مباشرة بعد المقولة المقتبسة أعلاه بين المجاليْن السياسيّ والتنظيميّ بهدف تقييمهما) ادعاء مركزي هو أن سبب الفجوة بين سعة انتشار الخطاب السياسيّ والثقافيّ للتجمع وبين عدم توسعه التنظيميّ والجماهيريّ هو بالأساس 'القصور التنظيميّ'، والذي تجلى 'في الإخفاق في زيادة العضوية والتوسع'. وتعتبر المسودة هذا القصور 'فصل سيء وضعيف في تاريخ الحزب، لا يمكن التهرب من تحمل المسؤولية الكاملة عنه وأخذ الإجراءات الحاسمة والضروريّة للإصلاح الجذريّ والعميق'. وهذا صحيح، ولهذا أكتب هذا المقال.

خلال بنائي للاقتراح انشغلت في تفكيك مصطلح 'التنظيم' بالسياق الحزبيّ وفحص مركباته ووظائفه المختلفة، وتحديدًا تلك المرتبطة بالمجال الإداريّ، لكن سرعان ما لفتت انتباهي مسألة العضويّة واستحوذت عليه كمسألة ذات أهميّة إستراتيجيّة وتستحق تركيز الاهتمام بها، فالمقياس الأساسيّ فعلاً للتوسّع وللأداء التنظيميّ لحزب جماهيريّ (وليس حزب نخبة ولا حزب خلايا سريّة) هو في زيادة عدد أعضائه ومدى مشاركتهم في الحياة الحزبيّة وفاعليتهم ونشاطهم في هيئاته ودوائره وفروعه، وبالتأكيد في دورهم القياديّ بالنضال السياسيّ والاجتماعيّ على مختلف المستويات، وكذلك في عمق انتمائهم له وتذويتهم لفكره ومبادئه ورؤيته واستعدادهم للعمل والتضحية من أجله، والأهم مستوى العلاقات المنعكس في تعاضد الأعضاء ووحدتهم وتجاوزهم لخلافاتهم ومستوى الثّقة فيما بينهم وفي قيادتهم وقدرتهم على العمل المشترك من أجل تحقيق الأهداف وتوسيع القاعدة الجماهيريّة المؤيدة للحزب.    

خلال مراجعتي للنظام الداخلي للتجمع، لأفحص إن كان هناك خلل تنظيميّ بنيويّ أساسيّ، وجدت أنّه يشترط على 'كل عضو في الحزب أن يكون عضوًا في أحد فروعه'! وذلك رغم أنّ الحزب يعرّف نفسه في ذات النظام الداخليّ على أنّه يقوم 'على أساس الإنتماء الفردي له' (المقدمة). قد لا تبدو هذه المشكلة الجوهريّة جليّة، إلا أنّها برأيي من أهم معيقات التوسع التنظيميّ والجماهيريّ. فالتجمع حزب وطنيّ وليس محليّ، من يريد الانتماء إليه فلأنه مقتنع بطرحه وفكره ودوره بالقضايا العامّة وله الحق في ذلك كفرد ينتمي لشعب وبشكل مباشر دون اضطراره بالالتزام بالانتماء المحلي لبلدة أو مكان سكن. في الماضي، كان الفرع المحليّ هو قناة التواصل والتفعيل الأساسيّة بين الحزب وأعضائه، بين المركز والأطراف، إلا أنّ تطور تكنولوجيا المعلومات يوفّر أدوات أخرى للتواصل بين الأعضاء ومع مركز الحزب.       

لا شكّ في أهمية النشاط الحزبيّ الجماهيريّ والميدانيّ المحليّ ووجود فروع نشطة في المدن والقرى، على مستوى الارتباط بالناس والتأثير المحليّ والعمل الانتخابيّ. وفي هذا السياق، أرى أنّ المشاركة في الانتخابات المحليّة مسألة تحتاج أيضًا وبشكل عاجل لتقييم ومراجعة إستراتيجيات العمل فيها وتأثيراتها السلبيّة والإيجابيّة على الحزب، داخليًا وجماهيريًا، كحزب وطنيّ، فقد خسرنا فئات اجتماعيّة واسعة وأعضاء كثر في مدن وبلدات بسبب خلافات واصطفافات وأداء متعلق بالانتخابات المحليّة، وفي المقابل زاد تأثيرنا المحليّ في حالات أخرى.

لكن بين أهمية الفروع المحليّة وبين إجبار الفرد على العضوية في فرع بلدة معينة ليكون عضوًا في الحزب مسافات شاسعة، وخسارات كثيرة. هذا الاشتراط يرسّخ المحليّة والجهويّة، ويقيّد انضمام عضوية أفراد من بلدات فروعها ضعيفة ومتآكلة أو تشهد خلافات أو غير قائمة أصلاً، وتنّفر أعضاء لم يندمجوا في إطار الفرع المحليّ (والأسباب كثيرة) من الاستمرار في عضويّة الحزب، وهم أفرادٌ قد يملكون في حالات كثيرة القدرات والطاقات للمساهمة في العمل الحزبيّ والوطنيّ عمومًا.

وقد يكون سبب هذا الاشتراط هو أنّ أهمّ مؤسّسة في الحزب ألا وهي 'المؤتمر العام' تتألف من المندوبين الذين يتمّ انتخابهم في الفروع. والسؤال لماذا لا يشارك كلّ أعضاء الحزب في المؤتمر كما في باقي الأحزاب الديمقراطيّة؟ لا سيما أنّ المؤتمر هو من ينتخب قيادة الحزب: اللجنة المركزيّة (برلمان الحزب) والمرشحين للبرلمان، بالإضافة إلى إقرار فكر وبرنامج وسياسة الحزب العامة ومبناه التنظيميّ. في هذه النقطة بالذات يجب أن تنسجم الفكرة مع التنظيم، الفكر ديمقراطيّ والتنظيم يجب أن يكون كذلك.

حان الوقت لدمقرطة التنظيم الحزبيّ أكثر، والتجمع جاهز لهذا التغيير لأنه في نظامه الداخليّ يضمن 'حق كل عضو التعبير عن رأيه داخل مؤسسات الحزب بكل ما يتعلق بأمور الحزب ومواقفه، وأن يكون له صوت مساوٍ وأن ينتخب وأن يرشح نفسه لكل مؤسسات الحزب ووظائفه، كما يحق له الظهور أمام الهيئات العليا للحزب لطرح قضايا مبدئية تهم الحزب (بند ٢ت).

وكما المواطنة النشطة، العضويّة هي أيضًا نشاط وليس حمل بطاقة، وقد يلزم اشتراط العضويّة بالنشاط الفعليّ أكثر منه بعضوية فرع، ولتنشيط الأعضاء يجب دمجهم وتفعيلهم في دوائر عمل تنظيميّة ومؤسسات حزبيّة ذات علاقة بقدراتهم واهتماماتهم، كأفراد، تمكّنهم من المساهمة الحقيقيّة، وهي دوائر لا تمتّ بأي صلة بمكان سكنهم الجغرافيّ، بل بمجالات وقضايا العمل السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والثقافيّ والحقوقيّ ومع الشرائح المختلفة.

من الدوائر التي يتحتّم إقامتها لتفعيل الأعضاء وزيادة التأثير وترجمة وتفصيل المشروع السياسيّ للتجمّع فعليًا: دائرة التعليم، دائرة الأرض والتخطيط والمسكن، دائرة الحقوق والعمل القانونيّ، دائرة الاقتصاد، دائرة الثّقافة، دائرة العلاقات الخارجيّة والعمل الدوليّ، دائرة مناهضة الخدمة المدنيّة والعسكريّة، دائرة الإعلام والتوعيّة الجماهيريّة، دائرة الأسرى (قائمة حديثًا)، دائرة البيئة والصحّة، دائرة الشؤون الاجتماعيّة، دائرة العمل الأهليّ وبناء المؤسسات، بالإضافة إلى دائرة الشباب ودائرة العمل النسائيّ.

قد يثير التصور المقترح بالنسبة للعضويّة والمؤتمر العام مخاوف عديدة عند القيادات والناشطين الحزبيين من فقدان السيطرة على الحزب ودخول عناصر غريبة إلى صفوفه لا تنتمي لفكره ولا لطريقه بل تسعى لمآرب آخرى، وهي مخاوف حقيقيّة وجديرة بالاهتمام، لكن حلّها ليس في إبقاء الوضع على ما هو عليه، بل في مأسسة العضويّة وضبطها بشكل جديّ وعدم الاستهتار بأي من شروط العضويّة والتشديد عليها.

وهناك من قد يخشى هذا التصوّر لأنه سيغيّر من علاقات القوة الداخليّة الحاسمة في المنافسات الداخليّة. صحيح، ستصير القوة للأعضاء وللقيادات المقنعة، فمن يريد أن يترشّح للبرلمان ويقنع الجماهير العريضة بالتصويت لقائمة حزبه عليه أن يكون صاحب قدرة على إقناع أعضاء حزبه بذلك، ومن يريد أن يكون عضوًا في اللجنة المركزيّة أن يكون قياديًا له دور وأثر وتأييد بين أعضاء الحزب الذين هم الجمهور الذي سيقيّم أداءه.

لكل عضو صوت، هو مندوب نفسه في المؤتمر، وكلّ الأعضاء متساوون. هكذا يكون لعضوية الحزب معنى وتأثير حقيقيّ. أعضاء الحزب هم أعظم وأهم مورد لديه كمورد بشريّ متطوع وكمصدر مستقل للدعم الماديّ من خلال الرسوم والتبرعات. العضوية في الحزب هي كالمواطنة، وإذا كان الحزب ديمقراطيًا فعليه أن يكون حزب جميع أعضائه.

اقرأ/ي أيضًا لـ  إياد برغوثي

التعليقات