12/08/2016 - 11:00

من المشهد التركي إلى المشهد الفلسطيني

ولتكن البداية من خلال تشكيل قائمة وطنية مشتركة يخوض الجميع من خلالها انتخابات البلديات والسلطات المحلية، ونؤسس من خلالها لمرحلة جديدة نبني من خلالها الثقة المتبادلة، وتكون مقدمة لشراكة أوسع وأعمق في منظمة التحرير الفلسطينية والمشروع الوطن

من المشهد التركي إلى المشهد الفلسطيني

ارتسم المشهد التركي يوم الأحد الماضي بلوحة رسمها ملايين الأتراك في تظاهرة وحدوية حملت اسم 'الشهداء والديمقراطية '، شارك فيها إلى جانب الرئيس التركي إردوغان، رؤساء الأحزاب التركية، 'العدالة والتنمية' الحاكم  وحزبي المعارضة 'الشعب الجمهوري' و'الحركة القومية'. جسدت هذه المظاهرة المليونية وحدة الشعب التركي وتطلعه إلى صيانة تجربته الديمقراطية وتعزيزها، وتقديره العميق لدماء شهدائه الذين سقطوا في معركة إفشال الانقلاب العسكري منتصف تموز الماضي. 

جسد هتاف ملايين الأتراك 'تركيا أمة واحدة... وطن واحد... علم واحد... حكومة واحدة... دولة واحدة'، المرتكز الأساسي لتركيا المستقبل كدولة مدنية ديمقراطية تخففت من غلوها العلماني، وتقدم تيارها الإسلامي من القوالب الأربكانية التقليدية إلى قوالب إردوغانية مرنة، تستوعب المفاهيم الديمقراطية وتمارسها وتدرك أولوية المبادئ الوطنية وتكرسها، وتبدي اهتماما بقضايا الأمة الإسلامية وتسعى لدعمها.

في الجانب الفلسطيني ومنذ عشر سنوات ما زال مشهد الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني يكرس لحالة الفشل في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وتفريغ المشروع الوطني الفلسطيني من معناه الحقيقي، كمشروع يسعى لتحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي باتجاه إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين وحق تقرير المصير.

في تعامله مع محاولة الانقلاب الفاشل وتبعاته المحلية والدولية يرتكز الشعب التركي وحكومته على وحدته الوطنية ودماء شهدائه وتجربته الديمقراطية، ومنجزاته التنموية. أما شعبنا الفلسطيني، سلطة وفصائل ومنظمة تحرير قبل ذلك، فلا تأبه لواقع الاحتلال وتكريسه، والعدوان المتكرر على وجوده الإنساني والعمراني في الحاضر والمستقبل وخصوصا في مدينة القدس. دماء شهدائنا لا تحرك ضميرنا الوطني، وأنّاة أسرانا البواسل وخصوصا المضربين منهم عن الطعام لا تقع على آذان مصغية، والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى لا تثير غيرتنا على المقدسات، والنكبة بعد النكبة على اللاجئين الفلسطينيين خصوصًا في سورية لا تحرك فينا الضمير الانساني اتجاه إخواننا وأرحامنا.

كان يكفي شعبنا الفلسطيني وقيادته، واحدة مما ذكر آنفا ليعلن بشكل فوري انهاء الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني، وإعلان المصالحة الحقيقية، ورص الصف تحت راية واحدة لمواجهة الاحتلال وممارساته العدوانية وسياساته العنصرية، ولكنها ثقافة الفشل والتشرذم وحب الذات الفصائلية التي تمنع أبناء الشعب الواحد أن يتخندقوا سويًا ضد الاحتلال والعدوان على الأرض والوطن والإنسان الفلسطيني.

قبل أسبوعين شاركت معظم الفصائل الفلسطينية في مؤتمر حواري في ضيافة جنوب أفريقيا. بدا واضحاً أن الانقسام الفتحاوي - الحمساوي أعمق مما يبدو لنا، وأن إنهاء الانقسام أصعب مما نتوقع، ويتجاوز ما يجري الحديث عنه في الإعلام من مشكلة الموظفين في غزة وآلية اختيار اعضاء حكومة الوحدة الوطنية.

في اعتقادي ينقص الفصائل الفلسطينية وقياداتها الكثير من الصدق والشفافية مع شعبها، والكثير من المصارحة بين بعضها، وينقصنا كذلك التعامل بواقعية وقبول لحقيقة كوننا شعبًا تعددت تياراته الفكرية وكثرت فصائله وأحزابه، ولم يعد ينقاد لقائد واحد أو فصيل واحد.

إن وجود سلطة فلسطينية منتخبة - وإن كانت ما زالت تحت احتلال - أدخلنا في صراع مبكر حول السلطة والنفوذ ومحاولة الاستئثار بـ'مغانم الوطن المحتل'، وذلك لعدم رسوخ الفكر الديمقراطي وثقافة المؤسسات، والقبول بفكرة التعددية وقبول الآخر الشريك والند، وتغليب البعد الوطني الجامع على الفصائلي، وأحيانا كثيرة الارتهان إلى رغبات وتوجهات القوى الإقليمية والدولية مما أفقد الشعب الفلسطيني فرصته لتأسيس نواة صلبة للدولة الفلسطينية التي يستحقها، خصوصا بعد مرحلة الشهيد ياسر عرفات، حيث شاركت حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي، وكان من المنتظر أن تتفاعل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني مع هذا التوجه الجديد والمهم لحركة حماس، ليتم استيعاب كافة الفصائل الفلسطينية داخل منظمة التحرير لتكون شريكا حقيقيا في القرار الوطني الفلسطيني.

إن نجاح التجربة التركية بعد عدة انقلابات عسكرية أطاحت بالحكومات المنتخبة ديمقراطيًا بسبب ميولها الإسلامية، وتكريس العسكر من خلال الانقلابات للنهج العلماني المتطرف، لم يمنع الإسلاميين في تركيا من مراجعة تجربتهم وخطابهم السياسي وإحداث التغيير المطلوب من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية، تعالج مرض التطرّف العلماني وهيمنة المؤسسة العسكرية. من جهة ثانية من يظن أن الأحزاب العلمانية في تركيا ما زالت تراوح مكانها عند مواقفها القديمة ومراهنتها على العسكر فقد قصر عن معرفة وإدراك التحولات الشاملة والعميقة في المجتمع التركي ككل، وأشير فقط إلى أمر واحد لم ينتبه إليه معظمنا، وهو أن مرشح الأحزاب العلمانية في تركيا قبل عامين لمنافسة إردوغان كان الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الاسلامية البروفسور أكمل الدين ‘حسان أوغلو وهو شخصية إسلامية بامتياز.

بناء على ما سلف، هل يجوز لنا أن نطمع في مواقف متقدمة للفصائل الفلسطينية، خصوصًا حركة فتح وحركة حماس باتجاه تجاوز عقدة الانقسام الفلسطيني، وإعادة ترتيب البيت الوطني الفلسطيني، أولا من خلال منظمة التحرير الفلسطينية ثم من خلال مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية وجمع الضفة والقطاع تحت إدارة وطنية واحدة؟

مطلوب من حركة فتح وحماس تبديد مخاوف بعضهما البعض، والقبول ببعضهما كشريكين متساويين في القرار الفلسطيني مع باقي الفصائل الأخرى.

كما لا نعفي أنفسنا في داخل الداخل الفلسطيني من دور فعال ومؤثر وضاغط مع باقي الفصائل والأطر المجتمعية والاكاديمية والنقابية لتجاوز ثنائية فتح وحماس، ودفعهما باتجاه المصالحة وإنهاء الانقسام وإعادة تشكيل الأطر الوطنية الوحدوية.

ولتكن البداية من خلال تشكيل قائمة وطنية مشتركة يخوض الجميع من خلالها انتخابات البلديات والسلطات المحلية، ونؤسس من خلالها لمرحلة جديدة نبني من خلالها الثقة المتبادلة، وتكون مقدمة لشراكة أوسع وأعمق في منظمة التحرير الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني.

اقرأ/ي أيضًا لـ د. منصور عباس

(نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل - الشق الجنوبي)

التعليقات