15/08/2016 - 16:11

لسنا جسرًا للسلام

هناك الكثير عما يقال في أوضاع الشعب الفلسطيني ومعاناته، ولكن أهم ما يقال يا حضرات القيمين على مصلحته هو أن تبادروا للم شمل الشعب الفلسطيني ولو افتراضيا في هذه المرحلة تحت مظلة واحدة قبل الحديث عن مد "جسور السلام".

لسنا جسرًا للسلام

بادر مشكورًا رئيس ما تبقى من فلسطين إلى لقاء حواري مع وفد يمثل "البقية الباقية في وطنها" للتداول بأمور عديدة بينها بناء "جسر سلام" يربط بين الإسرائيليين والشعب الفلسطيني، وهو ما أثار ردود فعل عديدة سلبية في أوساط الفلسطينيين في الداخل تجاه هذا الموقف، وعبر عنها كثر سواءً عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو في اللقاءات العامة، لأن هذا الدور الذي يفترضه الرئيس محمود عباس للفلسطينيين في الداخل يعد عودة إلى الوراء، ويتعامل مع هذا الجزء من الشعب الفلسطيني وكأنه جزء من المجتمع الإسرائيلي، وهو ما ترفضه أغلبية الفلسطينيين في الداخل وهو ما تؤكده نتائج استطلاعات الرأي العلمية على مدار العقد الأخير وهو ما تعكسه ممارستهم السياسية وحجم المد الوطني في العقدين الأخيرين منذ الانتفاضة الثانية.

الاستطلاعات تؤكد بأن العرب في إسرائيل يرون بأنفسهم فلسطينيين أولا ومن ثم مواطنين، ويرون بأنفسهم جزءًا من القضية الفلسطينية وليس وسطاءً. هذه حقائق لا نقاش فيها وتؤكدها استطلاعات الرأي والأبحاث العملية المرة تلو الأخرى، والأجدى بالقيادة الفلسطينية أن تطلع عليها حتى تكون أقرب إلى طموحات الفلسطينيين في الداخل والدور الذي يرغبون أخذه بالنضال ضد الاحتلال.

إذ يفترض هذا التصور (جسر السلام) أن علاقة إسرائيل، سواء الدولة أو المجتمع، في علاقة "ودية" وطبيعية مع الفلسطينيين في إسرائيل لا يشوبها شيء، وكأن المواطنين العرب الفلسطينيين ينعمون بدولة ديمقراطية فيها المساواة، وكأن "كلمتهم مسموعة" في إسرائيل، ولكن الحقيقة عكس ذلك، وهي أنهم يتعرضون لملاحقة وتمييز وعنصرية، وأحزابهم تواجه حكومة ومجتمعا تتجه نحو الفاشية.

كما وتكرم رئيس لجنة المتابعة، السيد محمد بركة، مشكورًا بتقديم اقتراح الوساطة بين الفريقين من فتح وحماس المتنازعين على لا شيء متناسين وضعهم الحقيقي والحصار والقمع والتهميش ومصدره، الأمر الذي يخلق بلبلة حول القبعة التي سترتديها المتابعة في دور الوساطة! هل هي "مخترة". لا نريد أن نكون وسطاء بل جزء من إعادة النهوض بالخطاب الوطني الفلسطيني ولم شمل الشعب. لا نريد أن نكون "سفراء نوايا حسنة".

وكيف لنا أن نتصور أي دور سيلعبه رئيس اللجنة، بركة، الذي لم يتردد عن مهاجمة حركة حماس علانية عبر الإعلام ويصفها بـ"الظلامية"، وبأن حماس تنفذ جرائم الاحتلال بغزة، إذ قال إن "مسلسل جرائم حركة حماس إنما يؤكد أنها تكرر عمليا جرائم الاحتلال التي يرتكبها في الضفة الغربية وقطاع غزة، ضد الشعب الفلسطيني، وهذا رأيناه في المجازر التي ارتكبتها عناصر هذه الحركة، والكثير من الممارسات التي هي نسخة طبق الأصل لبعض من جرائم الاحتلال"... ما يعني أن السيد بركة ليس طرفًا حياديًا أو موضوعيًا وله مواقف مسبقة من الطرفين. وهل يرى السيد بركة حزبه جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية حتى يكون وسيطًا بين طرفين فلسطينيين؟ أسئلة شرعية هدفها أن نطلق الكلام على عواهنه ونصدر بيانات صحافية بكل قضايا الكون، فيما ما زالت لجنة المتابعة بحاجة لمن يتابعها وينهض بها مؤسسة وطنية ديمقراطية شامخة، حتى لا تتحول لمجلس أعيان.

عودة إلى البداية، يا سيادة الرئيس حفظك الله ورعاك وأبعد عنك كل سوء، إن معظم الأحزاب والحركات التي تشكل لجنة المتابعة هي جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية ونضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال وسياسة التمييز العنصري، وليست جهة أو مركب مستقل ويجسد وسيطا بين طرفين بل امتداد للشعب الفلسطيني وجزء لا يتجزأ من القضية.

نحن لسنا ضد مبادرات التواصل واللحمة بين أبناء الشعب الواحد، لا بل نؤيد ونشجع مثل هذه المبادرات، ولكننا يجب أن نكون حذرين من المصطلحات والتعريفات المستخدمة في السنوات الأخيرة، وكأننا نقول للمؤسسة الإسرائيلية إننا سلكنا الطريق الذي رسمتموه، لا بل وأكثر وكأننا شعبين لا نمت بصلة لشقي الشعب الفلسطيني، ونحن كمجموعة مختلفة عن الشعب الفلسطيني ولسنا فلسطينيين بل "عرب إسرائيليين" ننزل عند رغبتكم للتدخل في "رأب الصدع"!

الحذر ثم الحذر من الوقوع بمثل هذا الفخ الذي لا آمل أنه نابع عن طيب نية، إذ أننا جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني ولسنا "عرب إسرائيل" كما يفضل البعض تعريف نفسه، وكل الحلول المستقبلية لقضيتنا الفلسطينية أن تشمل الفلسطينيين في الداخل وعلى رأسها قضية أسراهم الذين تخلت عن م.ت.ف في مفاوضات أوسلو وتعاملت معهم على أنهم "شأن إسرائيلي داخلي".

للتاريخ, ولكي لا تغيب عنكم القضية الفلسطينية في اللقاء القادم، لا ضير بوضع قضية الشتات وحق العودة على الطاولة، إلا إذا أصبح موضوعًا ليس من اختصاصكم بل فقط من اختصاص الـ N.G.O's.

القضية الفلسطينية ما زالت تنبض في العديد من الميادين العالمية والمحلية، حتى لو تناسيتم أو غاب عنكم الموضوع،  لذا لا يليق بأهل القضية أن ينسوها.

إن سعي المؤسسة الإسرائيلية بأن تحول قضية الفلسطينيين فيها إلى قضية داخلية، لا يعني أن نستسلم لهذا السعي الذي يخدم مشروعهم ونسلم بواقع التشتت السياسي والجغرافي الفلسطيني، وأن نقبل أن نكون جزءًا من المجتمع الإسرائيلي.

كما وأن التعامل مع أطياف الشعب الفلسطيني كمجموعات مختلفة والتركيز على اختلافاتهم وخلافاتهم يفقدهم ميزتهم كشعب له هوية وطنية مشتركة ومصير مشترك.

هناك الكثير عما يقال في أوضاع الشعب الفلسطيني ومعاناته، ولكن أهم ما يقال يا حضرات القيمين على مصلحته هو أن تبادروا للم شمل الشعب الفلسطيني ولو افتراضيا في هذه المرحلة تحت مظلة واحدة قبل الحديث عن مد "جسور السلام". 

* نائب رئيس بلدية سخنين

التعليقات