16/08/2016 - 16:36

لقاء رام الله بين جسر السلام وجسر العودة

حقيقة أن أي لقاء وعلى أي مستوى بين أبناء الشعب الواحد هو خطوة محمودة ومباركة، فكيف إذا ما كانت رفاعة هذا اللقاء بمستوى الرئاسة في رام الله والمتابعة في الداخل.

لقاء رام الله بين جسر السلام وجسر العودة

سليمان أبو إرشيد

حقيقة أن أي لقاء وعلى أي مستوى بين أبناء الشعب الواحد هو خطوة محمودة ومباركة، فكيف إذا ما كانت رفاعة هذا اللقاء بمستوى الرئاسة في رام الله والمتابعة في الداخل.

ننطلق بذلك من أن أي لقاء من هذا النوع، هو لطمة لسياسة شرذمة وتبديد الهوية الوطنية الجامعة للشعب الفلسطيني وإغراق كل تجمع من تجمعاته في مستنقع الخصوصية الراكد عوضا عن الانسياب في التيار العام المتدفق والنابض بالحياة الذي يجمع عموم الشعب الفلسطيني في نطاق الهوية الوطنية المشتركة.

هذه النظرة الإيجابية يفترض أن تشكل أساسا لمحاكمة لقاء الوفد التمثيلي العريض للجنة المتابعة بالرئيس محمود عباس والذي جرى يوم السبت الماضي في رام الله، رغم أن مغزى وتوقيت اللقاء ناهيك عن مضامينه يثير لدينا أكثر من علامة سؤال واستفهام.

لقد امتنعت عن المشاركة في اللقاء الحركة الإسلامية المحظورة، رغم مشاركة مندوبين عنها في مؤتمر جنوب إفريقيا، وقاطعته حركة «أبناء البلد» وتحفظ عليه التجمع الوطني الديمقراطي الذي ورغم مشاركة مندوب عنه، أعرب عن رفضه لتعامل السلطة الفلسطينية مع فلسطينيي الداخل كاحتياط أصوات ووسيلة للتأثير على صناعة القرار في إسرائيل، كما نقلت صحيفة "القدس العربي" الصادرة في لندن، والتي أوردت على لسان قيادي في التجمع، أن هناك أوساطا في السلطة الفلسطينية تحاول الاستفادة من فلسطينيي الداخل ومكانتهم الوجدانية خدمة لأهداف سياسية فصائلية.

وإذا تجاوزنا مضامين اللقاء التي سنأتي عليها لاحقا إلى توقيته، نرى أنه جاء، كما قال بروفيسور أسعد غانم، على خلفية مشاركة وفد من فلسطينيي الداخل في مؤتمر فلسطيني جامع برعاية جنوب إفريقيا الشهر الماضي. ويرى بروفيسور غانم وهو أحد المشاركين في الوفد، أنه ليس من المعقول أن تتدخل مؤسسات في جنوب إفريقيا لمعالجة ملف الانقسام الفلسطيني دون أي تدخل من قبل فلسطينيي الداخل. ويقول بروفيسور غانم، الذي يعتقد أن هدف اللقاء هو التوسط لإنهاء الانقسام، إننا قادرون ومطالبون بلعب هذا الدور وهذا أمر طبيعي لأننا جزء من هذا الشعب وأقرب قطاع فلسطيني على طرفي الخلاف وبعيدون عن المماحكات الحزبية"، على حد تعبيره.

إلا أن رياح الرئيس عباس، تجري على ما يبدو بعكس ما تشتهيه سفن أسعد غانم وربما محمد بركة أيضا، فهو لا يهدس بالمصالحة مع حماس وإنما مع إسرائيل ويفكر في كيفية توظيف ورقة "عرب إسرائيل" الذين يرى فيهم، مستعيرا لغة خطاب الحزب الشيوعي الإسرائيلي في السبعينيات، "جسرا للسلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي".    

لقد كشف عباس بصراحته الفظة المعهودة الهدف الحقيقي من اللقاء بعد أن نزع الأقنعة التجميلية التي حاول إسباغها عليه بركة وغانم، على غرار التواصل بين أبناء الشعب الواحد والتوسط لإنهاء الانقسام الفلسطيني، ووضع الأمور في نصابها عندما، شدد، كما أوردت على لسانه وكالة "وفا"، على أهمية التواصل بين "أبناء شعبنا" و"إخوانهم في إسرائيل"، لـ"تنسيق المواقف الداعمة وتبادل التشاور في المجالات كافة"، دون الإشارة ولو بكلمة واحدة إلى أي مبادرة من قبل لجنة المتابعة للتوسط لإنهاء الانقسام.

وإذا كان هناك من علاقة بين لقاء رام الله ولقاء جنوب إفريقيا، الذي بحث إنهاء الانقسام والخروج من المأزق الفلسطيني الراهن وإعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني، وشارك فيه الداخل الفلسطيني كشريك كامل وعلى قدم المساواة مع قطاعات الشعب الفلسطيني الأخرى، إذا كان هناك من علاقة فإنها تتمثل بمحاولة إعادة فلسطينيي الداخل إلى حجمهم ودورهم وسياقهم الذي يخدم إستراتيجية سلطة رام الله التفاوضية، "جسر سلام" واحتياطي أصوات يعزز ما كان يعرف بمعسكر السلام الإسرائيلي، نكتسب أهميتنا لدى الرئيس الفلسطيني، الذي يستغرب لماذا لا تصل نسبة التصويت للكنيست الـ90% على غرار السلطات المحلية، نكتسب أهميتنا من كوننا نحمل الهوية المدنية الإسرائيلية وليس من حملنا للهوية الوطنية الفلسطينية، وبهذا المعنى فهو لا يرى بنفسه رئيسنا كما نرى نحن فيه رغم كل شيء، بل يرى أن رئيسنا ريفلين كوننا "الإخوان في إسرائيل" الذين يجب التواصل معهم لتنسيق المواقف الداعمة" يؤكد ذلك مرور هذا اللقاء مثل لقاء الصحفيين السابق من بوابة لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، التي يرأسها محمد المدني وتنشط في إنجاز لقاءات مع أوساط إسرائيلية "من هب ودب"، والتي استبدلت لجنة التواصل التي كان يرأسها المرحوم فوزي النمر والتي اقتصر نشاطها على التواصل مع فلسطينيي الداخل.

التعليقات