29/10/2016 - 09:49

"نتائج الانتخابات" قبل نتائج الصناديق في الولايات المتحدة

أقل من عشرة أيام تفصلنا عن إحدى أعقد العمليات الانتخابية التي شهدتها الولايات المتحدة وأكثرها إثارة ومفاجآت، ويبدو أن ثمة نتائج استباقية فعلًا قد أفرزتها هذه الانتخابات، قبل تلك التي ستفرزها الصناديق، في الثامن من نوفمبر المقبل، سياسية من

"نتائج الانتخابات" قبل نتائج الصناديق في الولايات المتحدة

أقل من عشرة أيام تفصلنا عن إحدى أعقد العمليات الانتخابية التي شهدتها الولايات المتحدة وأكثرها إثارة ومفاجآت، ويبدو أن ثمة نتائج استباقية فعلًا قد أفرزتها هذه الانتخابات، قبل تلك التي ستفرزها الصناديق، في الثامن من نوفمبر المقبل، سياسية منها واجتماعية.

من الصعب لمن يتواجد هنا في واشنطن أن يلمس 'نبض الشارع' الأميركي الحقيقي، وإن كان هذا التعبير لا ينطبق على تركيبة المجتمع الأميركي المتعدد الثقافات والذي تحكمه اللامركزية السياسية؛ ولكن بالإمكان الاطلاع بتعمق على آراء صناع القرار والمراقبين من صحافيين وأكاديميين ودبلوماسيين، الذين ينتشرون في هذه المدينة المُحكمة الترتيب، ملتقى الدبلوماسية وعاصمة السياسات الدولية الهادئة والصاخبة في آن.

الغالبية الساحقة من رواد العاصمة السياسية للولايات المتحدة من موظفي الحكومة والمجتمع المدني لا يخفون عدم انحيازهم، بل وامتعاضهم من المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب، وفي الوقت ذاته عن استيائهم من أداء هيلاري كلينتون، إلا أن الموضوع الأهم المتداول على ألسن هذه الطبقة المنخرطة سياسيًا، هو إسقاطات العملية الانتخابية وبالتحديد إفرازات ترامب.

ففي حين الاعلام منهمك بالتوقعات واستطلاعات الرأي، والولايات المحتدمة المنافسة بها، إضافة إلى تغطية التطورات وفضائح المرشحين (كل في مجاله)، يتحدث وينهمك المراقبون عن النتائج الاجتماعية الحاصلة في المجتمع الأميركي حتى قبل نتائج الصناديق.

لغة واصطلاحات ترامب ضد المسلمين، النساء والمهاجرين وكل من هو مختلف، حتى ذوي الاحتياجات الخاصة، باتت لغة مقبولة وغير منتقدة، بمعنى أن استمرار ترامب بنهج ازدراء الآخر المختلف بينما يحظى بتأييد أكثر من ٤٠٪‏ من المجتمع الأميركي حتى الآن، تشير إلى أن شيئًا ما تغير في الذوق العام، الأمر الذي سيلقي بظلاله على الحالة المجتمعية، خصوصا في مجال العلاقة بين الجنسين وموضوع التحرشات الجنسية وإعادة تعريفها من جديد بالمعنى السلبي، بعدما باتت لغة ترامب العلنية منها والمسربة منها من الماضي هي سيدة الموقف، فبالرغم من شبه الاعتذار الذي قدمه ترامب عن التسجيل المسرب في حديث له مع بيلي بوش حول بعض النساء، إلا أن تبريره لأقواله المهينة للنساء، عندما قال إن 'هذا حديث عادي بين رجال'، قد لاقى قبولًا في أوساط مؤيديه.

وبالرغم من كثرة الحديث حول شخص ترامب والحالة الإعلامية التي أحدثها، إلا أن هناك من يعتقد أن تأييد ترامب لا يأتي من فراغ، وذلك وفقًا لتحليلات الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية للولايات والتجمعات السكانية الكبيرة التي تدعم مرشح الحزب الجمهوري، التي تعاني من العمالة الأجنبية وإغلاق المصانع. أحد الباحثين يقول إن حملة ترامب اتخذت منحًا جديًا عندما بدأ بالحديث عن المهاجرين ومراكمة الرسائل حول هذا الموضوع كاستخدام ادعاء أهمية بناء جدار فصل مع المكسيك ومعاداة المهاجرين. هذه المناطق وجدت في ترامب مرشحًا يحمل قضيتهم فعلًا بعيدًا عن الخطاب الدبلوماسي المنمق الذي يتحدث عن موضوع تنظيم دخول المهاجرين للحدود بشكل مجرد. إلا أن الموضوع لن يقتصر في المستقبل على معالجة الهجرة غير الشرعية، بعد أن حول ترامب أي مهاجر افتراضي إلى عدو للأمة، الأمر الذي سيكون له تبعات على التعامل مع المهاجرين أو حتى انتهاك حقوقهم كبشر.

وليس هذا الجانب الوحيد المتعلق بنتائج الانتخابات. يجري حديث جدي وعلني في أوساط المراقبين عن شرخ مجتمعي سياسي محتمل، يمكن أن تحدثه خسارة ترامب سيقوده قطاع واسع من مؤيديه الخائبين، ولهذا الشرخ أسباب وترددات سياسية تتمحور حول حديث ترامب عن تزييف الانتخابات وعن تمويل الانتخابات، إضافة للجدل حول عدم تعهده بقبول النتائج، الأمر الذي يتنافى مع العرف الأميركي الانتخابي.

هذه المحاور الثلاثة تشمل محفز لتحريك غضب شعبي ضد  المؤسسة وربما إلى احتجاجات عارمة قد تصل لأعمال عنف. أما على المستوى السياسي فثمة سؤال حول مستقبل لحزب الجمهوري في حالة فوز أو خسارة ترامب الذي يحظى بتأييد واسع في أوساط الجمهوريين بينما يعاديه زعماء مؤسسة الحزب، والتحدي الأكبر هو الحفاظ على وحدة الحزب في حال خسارة ترامب، وعدم هيمنته على التعيينات الرئاسية (أكثر من ٦ آلاف منصب) في حال فوزه. 

ثمة من يقول أنه متوجس من خسارة ترامب أكثر من فوزه، ولكن في جميع الأحوال يبدو أن الولايات المتحدة لن تكون هي نفسها بعد الثامن من نوفمبر، فقبل أن تغلق الصناديق، الجدل الرئيسي الآن هو إسقاطات ظاهرة ترامب بغض النظر عن النتيجة.

الأيام القريبة حاسمة وقد تشهد تحولًا لصالح ترامب بعد تراجعه في الأسبوع الأخير، بسبب رسالة مكتب التحقيقات الفدرالية للكونغرس حول نيته تجديد التحقيق في استعمال كلينتون لرسائل إلكترونية مصنفة أمنية بشكل خاص.

بقي الإشارة إلى أن الانتخابات محسومة تقريبًا في معظم الولايات وحرب المرشحين هو على الولايات التي فيها المنافسة محتدمة، فهناك تجرى الآن معظم الحملات والاجتماعات. سنكون في اثنتين منها في الأسبوعين القريبين (فلوريدا ونيو هامبشر) للوقوف على المشهد عن قرب. 

اقرأ/ي أيضًا | كلينتون: الرسائل لن تغير شيئا في خلاصات التحقيق

التعليقات