12/11/2016 - 10:39

أن تكون تعرف

الأمر بالتأكيد لا يخص أبو مازن وحده، ولا يكفي أن يقول إنه يعرف من قتل أبو عمار، ويمضي وكأن شيئاً لم يكن، فمن حقّ عموم الفلسطينيين، وحتى العرب، أن يعرفوا أيضاً.

أن تكون تعرف

عشية الذكرى الثانية عشرة لرحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، والتي صادفت يوم أمس، خرج رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، بتصريح ظنّ أنه سيشكل مفاجأة، حين قال إنه يعرف من قتل أبو عمار، وأن الشعب الفلسطيني سيفاجأ عندما يظهر الاسم، والذي وعد أن يخرج إلى العلن قريباً عبر لجنة التحقيق التي تتقصّى في وفاة "الختيار". 

أبو مازن للأمانة، لم يفاجئ أحداً بفحوى التصريح، فالكل ربما يدرك أن من هم في السلطة الفلسطينية، وفي مقدمتهم بالتأكيد أبو مازن، يعرفون من قتل أبو عمار، على الأقل لديهم ملامح هوية القاتل، غير أنهم حريصون على إخفائها، فمن غير المعقول أنه خلال السنوات العشر الماضية التي عمدت فيها لجنة التحقيق إلى التقصّي والإطلاع على التقارير الطبية الفرنسية والعربية، أن لا تكون لديها فكرة إلى اليوم عن هوية القاتل، أو على الأقل معرفة كيف قتل ياسر عرفات بالتحديد. 

يدرك الكل تماماً أن هناك تعمّداً في التكتم على تفاصيل التحقيقات، على الرغم من أنه مع إطلالة كل ذكرى للاستشهاد، يتم تسريب بعض الكلام عن التحقيقات ومسارها وقرب الكشف عن خفاياها. اعتاد الفلسطينيون على هذا النمط في التعاطي مع قضية اغتيال أبو عمار، غير أن هذا العام بات يحمل جديداً، هو اعتراف أبو مازن بأنه يعرف. الاعتراف هو الجديد وليست المعلومة بحد ذاتها، غير أن أسئلةً كثيرة يمكن أن تثار حولها، بعدما دخل هذا العنصر إليها. 

السؤال الأول الذي قد يتبادر إلى الذهن هو: "منذ متى تعرف؟". أبو مازن لم يتطرّق في كلمته إلى هذا التفصيل، غير الهامشي مطلقاً، في مسار المعلومة التي قالها. هل هذه المعرفة جاءت من سياق التحقيقات أم كانت بعد الوفاة، أو ربما سابقة لها في أثناء مرحلة العلاج من المرض الغامض الذي أصاب الزعيم الفلسطيني. لكل إجابة عن هذه الأسئلة مدلولاتها في سياق تحديد هوية الضالعين في عملية اغتيال أبو عمار، غير أن أبو مازن ترك الأمور غامضة في هذا المجال، وترك لكل شخص حرية الخيال في تركيب الإجابة التي تناسب سياق الاتهامات التي وضعها سابقاً حول المسؤولين عن قتل عرفات، وهي اتهاماتٌ تتوزع بين الداخل الفلسطيني والخارج الإسرائيلي والأميركي وحتى العربي. 
السؤال الثاني الأساسي أيضاً: "لماذا انتظرت كل هذه السنوات؟". الإجابة عملياً مرتبطة بالإجابة على السؤال الأول، أي "منذ متى؟". لكن، بغض النظر، لا أحد يتوقع أن يكون أبو مازن عرف هوية القاتل قبل أيام قليلة، وأراد أن يشارك الجماهير الفلسطينية هذه المعلومة التي أبقاها مجهولة. فإذا كان يعرف، لماذا لم يفصح عن هوية الجهة أو الشخص المسؤول عن الجريمة التي أثرت على مسار القضية الفلسطينية منذ 12 عاماً على أكثر من صعيد، وأبقى المسألة في طي الغموض والتشويق؟

السؤال الثالث: "لماذا اختار أبو مازن هذا التوقيت لإطلاق هذا الإعلان؟". يتبادر هذا السؤال إلى الذهن لارتباطه أيضاً بما سبقه، فإعلان الرئيس الفلسطيني لهذه المعلومة لا شك جاء في سياق استخدامها في الداخل، وتحديداً في إطار التحضيرات للمؤتمر السابع لحركة "فتح" وما يثيره من سجال في الداخل الفلسطيني. 

هذه الأسئلة وغيرها التي يثيرها إعلان الرئيس الفلسطيني لا تعني أن الإعلان نفسه لا يحتاج إلى متابعة وملاحقة من القيادات في الشارع والإعلام. لا بد من مساءلة أبو مازن بشكل مستمر، ومطالبته باستكمال المعلومات التي أفصح عنها، وأن لا يمر الأمر في إطار استغلال ذكرى الزعيم الراحل لتحقيق مآرب سياسية، ومن ثم نسيان المسألة إلى الذكرى التالية. الأمر بالتأكيد لا يخص أبو مازن وحده، ولا يكفي أن يقول إنه يعرف من قتل أبو عمار، ويمضي وكأن شيئاً لم يكن، فمن حقّ عموم الفلسطينيين، وحتى العرب، أن يعرفوا أيضاً.

(العربي الجديد)

 

التعليقات