31/01/2017 - 16:38

رأي حول قانون منع تعدد الزوجات

ظاهرة الزواج بأكثر من امرأة واحدة شبه معدومة داخل مناطق 48، فهي محرّمة عند الدروز والمسيحيين، وغير موجودة عند اليهود، ولكنها محللة دينا وشرعا لدى المسلمين كما هو معروف، إلا أن هناك نقاشا معروفا حول الآيات وتفسيرها التي جاء فيها" فانكحوا م

رأي حول قانون منع تعدد الزوجات

ظاهرة الزواج بأكثر من امرأة واحدة شبه معدومة داخل مناطق 48، فهي محرّمة عند الدروز والمسيحيين، وغير موجودة عند اليهود، ولكنها محللة دينا وشرعا لدى المسلمين كما هو معروف، إلا أن هناك نقاشا معروفا حول الآيات وتفسيرها التي جاء فيها" فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة".  

والآية التي جاء فيها "ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم".

إذن وما دام أن التعددية ليست موجودة إلا عند المسلمين فالقانون موجه ضدهم عموما، وبالذات ضد عرب النقب بهدف الحد من تكاثرهم، لأن أهل الجليل والمثلث تقريبا لا يمارسون الزواج بأكثر من واحدة إلا في حالات معدودة تكاد تكون نادرة في كل بلدة.

كثيرون وكثيرات من أبناء شعبنا ومثقفينا يعلنون أنهم ضد تعدد الزوجات، من منطلقات حقوق المرأة وحمايتها من الاستغلال الجنسي والعاطفي ويركزون على مشاعر الزوجة الأولى التي ستتحطم بعد إقدام زوجها على جلب ضرة لها، كل هذا جميل. لكن علينا الاعتراف أن واقع المجتمع في النقب يختلف عن واقع بقية أبناء شعبنا في المناطق الأخرى.

تعدد الزوجات  في النقب أمر مفهوم ومعتاد وتتقبله معظم النساء، فالأولى تعرف أن الثانية ستأتي لا محالة إلا نادرا، والأولى والثانية تتوقعان دخول الثالثة شريكة أيضا في زوجهما، هذه التربية في النقب راسخة لدى الرجال والنساء على حد سواء، ويبدو الأمر من زاوية رؤيتهم طبيعيا جدا لأنهم  معدّون نفسيا لمثل هذا منذ الطفولة، فهذا طبيعي ومفهوم ومقبول حتى شعوريا وعاطفيا، تماما كما يتفهم الأوروبي وجود صديق لزوجته وتتفهم هي وجود عشيقة لزوجها تنافسها عليه علنا في معظم الحالات، أو سرا، ولكنه ليس أمرا مفاجئا البتة، أو إدخال ابنتهما رجلا غريبا إلى غرفة نومها حتى دون إذن منهما، أو إخبار ابنتهما لهما بأنها حامل من صديقها وهو أمر نعتبره كبيرة من الكبائر ولكن يتقبله الأوروبي بروح الدعابة والمحبة في أغلب الحالات، ويبدأ الوالدان بالاستعدادات لاستقبال الحفيد الذي سيولد بدون عقد القران.

هذه الحقيقة عن النقب أو عن الأوروبيين ليست صدفة، بل هي نتاج تطور البنية الاقتصادية والثقافية للمجتمعات.

معروف أن نسبة النساء المتعلمات في النقب قليلة جدا، وهذا يعني أيضا أن القليلات منهن متحررات اقتصاديا ويمكنهن الاستغناء عن الزوج، وحتى سلك التعليم الذي تشغل النساء أكثره يشغله معلمون ومعلمات معظمهم من الشمال، هذا يعني أن الظروف الاقتصادية للنساء ما زالت ضعيفة وغير مواتية، وبالتالي فإن الخيارات تتضاءل أمام المرأة بموازاة ضعفها الاقتصادي، خصوصا إذا كانت أميّة أو ذات تعليم ابتدائي لا غير، وما من أمل لها بأن تعمل وتعيل نفسها بنفسها. 

إلى جانب هذا فهناك العامل الأهم وهو العادات والتقاليد المتوارثة اجتماعيا ودينيا، فالرسول (ص) يعتبر نموذجا للمسلم ومعروف أنه تزوج عددا من النساء، وكذلك الخلفاء الراشدون وأمراء المؤمنين، الأمر الذي يمنح تعدد الزوجات صبغة دينية ويربطه بطاعة الله ورسوله ويتقبله المجتمع خصوصا المنغلق على ذاته.

تطبيق حق المرأة بالتعلم ومن ثم العمل والقدرة على التحرر الاقتصادي سيتيح لها فرصا أكثر للتحكم بمصيرها، رغم أن الاقتصاد لن يكون عاملا حاسما ووحيدا، فالأعراف الاجتماعية القوية ممتدة من النقب إلى سيناء وإلى شرق الأردن على مدار قرون، وليس سهلا تغييرها.

ما تسعى إليه السطات لا علاقة له بحقوق المرأة أو مشاعرها، وينطلق فقط من نظريتها العنصرية، بل ويهدف إلى تدمير المجتمع البدوي وتخريب مقومات بقائه كمجتمع متكامل، وهذا مشروع كبير وخطير بدأ منذ زمن بعيد، منذ بدأت الدوريات الخضراء التي أنشأها أرئييل شارون قبل أكثر من ثلاثة عقود بتسميم قطعان الماشية والمزروعات بهدف تقويض البنية الاقتصادية لعرب النقب، والتي كانت تحميهم من الارتباط والتذيل للاقتصاد الإسرائيلي.

قانون السجن لمن يتزوج بأكثر من واحدة هو جزء من مخطط الاقتلاع والهدم ومصادرة الأراضي والترحيل الذي يمارس بحقهم منذ عقود، مثله مثل عقوبات الهدم للبيوت غير المرخصة.

هذا القانون يهدف إلى تدمير المجتمع البدوي من خلال تصعيد أزماته وتعميقها، لأنه سيحرم الكثيرات من الزواج ممن لا عمل لهن ولا مصدر معيشة، وهؤلاء سيكن عبئا اجتماعيا على أسرهن، ولن يكون تعليمهن ثم توظيفهن بين عشية وضحاها، لهذا لا نستطيع أن نرى هذا القانون إلا جزءا من مخطط الترحيل ومن أيديولوجية يهودية الدولة والفكر العنصري الذي يهدف إلى محاصرة العرب وتقليل أعدادهم وحصرهم على أقل مساحة ممكنة من الأرض.

التعليقات