01/02/2017 - 17:43

المصادرة والتهويد وشرعية الأمر الواقع

قد تتفاوت التسميات وتختلف التصنيفات بين جليل ومثلث ونقب وقدس وضفة غربية، باختلاف الواقع السياسي الذي تقع تحت طائلته، إلا أن مضمون الصراع على الأرض وأبعاده تبقى واحدة وثابته، هي صراع على الوجود

المصادرة والتهويد وشرعية الأمر الواقع

 بعد سبعة عقود على إقامة دولتهاعلى أنقاض شعبنا، ما زال الصراع على الأرض والبيت مع الحركة الصهيونية وصنائعها يمتد من أم الحيران في النقب إلى أرض البؤرة الاستيطانية 'عمونا' في الضفة الغربية ولا ينتهي في قلنسوة المثلث التي تفاخر بنيامين نتنياهو مؤخرا بقيام قواته بهدم 11 بيتا على أراضيها.

قد تتفاوت التسميات وتختلف التصنيفات بين جليل ومثلث ونقب وقدس وضفة غربية، باختلاف الواقع السياسي الذي تقع تحت طائلته، إلا أن مضمون الصراع على الأرض وأبعاده تبقى واحدة وثابته، هي صراع على الوجود في وجه حركة استعمارية استيطانية، سعت وما زالت لاقتلاع المواطن والوجود الفلسطيني من الأرض وزرعها بالبؤر والمستوطنات اليهودية. هذا هو حال 'عمونا' حيث تم طرد فلسطينيين من أرضهم وإحلال مستوطنين يهود مكانهم وهكذا في أم الحيران، حيث يجري اقتلاع أهالي بلدة فلسطينية وإحلال مستوطنين في أرضهم وتحت اسم بلدهم التاريخي.

ويبدو أن حسابات الأرقام 48، 67 وما يترتب عنها من وضع قانوني لا تلعب دورا كبيرا لدى إسرائيل في هذا السياق، وهو دور لم يغير من جوهره أيضا تحول الحركة الصهيونية الاستيطانية إلى دولة، يفترض أنها تحترم المواثيق والقوانين الدولية في التعامل مع 'مواطنيها'، ومع سكان المناطق التي تحتلها. فهي محكومة فقط بالقاعدة الكولونيالية التي ترى بالاستيطان وسيلة ناجعة لتثبيت سيطرتها على الأرض التي سطت عليها بالقوة. وهو أسلوب ثبت نجاحه قبل عام 1948، عندما استقدمت مئات آلاف المستوطنين وزرعت أرض فلسطين بالمستوطنات وخلقت بذلك واقع ديمغرافي جديد على الأرض جاء قرار التقسيم لإسباغ الشرعية عليه. ونجح بعد نكبة 48 إثر تكثيف الاستيطان في الجزء الذي كان مخصصا للدولة الفلسطينية (الجليل والمثلث والنقب) وتثبيت حدود الخط الأخضر ومنع إقامة دولة فلسطينية بحدود التقسيم، فأي 'مجنون' يستطيع الحديث عن شمل الجليل بحدود الدولة الفلسطينية.

وينجح في القدس كذلك بعد إحاطتها بحزام من الأحياء الاستيطانية، التي تضم مئات آلاف المستوطنين، التي لا يجرؤ مفاوض فلسطيني على المطالبة بإخلائها، وينجح في الكتل الاستيطانية التي يجري الحديث عنها كأمر واقع، يمكن في أحسن الأحوال أن تجري مقايضة الأرض التي تقوم عليها بأراض أخرى، وهذا في طريقه إلى النجاح في مجمل الضفة الغربية التي باتت تضم ما يقارب المليون مستوطن (بما فيها القدس) وحولتها المستوطنات إلى مايشبه قطعة جبنة سويسرية، ما يجعل مسألة إقامة دولة فلسطينية مستقلة إمكانية مستحيلة.

لكن بالرغم من ذلك، فإن إسرائيل التي تكسب الشرعية بالأمر الواقع، لا تطمئن، كما يبدو، سوى للأمر الواقع نفسه، لذلك نراها، وبعد سبعة عقود من احتلالها للجليل والمثلث والنقب، ما زالت تخوض حربا على تثبيت ركائزها الاستيطانية على هذه الأرض، كما لو أنها لا تقع تحت سيادتها، فهي في حرب ضروس مع االوجود الفلسطيني، حرب يتصدرها النقب إلا أنها تستهدف جميع مناطق هذا الوجود الذي تسعى إلى تقليص رقعة انتشاره وتهميش حضوره في الحيز الجغرافي، مقابل زيادة وتعظيم الحضور الاستيطاني الصهيوني، في إطار ما يعرف بسياسة التهويد التي أخرجت من الأدراج في الجليل في السبعينيات، وجرى في نطاقها مصادرة عشرات آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية، وإقامة المراكز الاستيطانية الكبرى على غرار نتسيرت عليت وكرميئيل لتكون مراكز مدينية تتحلق حولها القرى العربية، إضافة العشرات المناطر التي انضوت في مجالس إقليمية ابتلعت احتياطي أرض المجالس والبلديات العربية في إطار مناطق نفوذها، إضافة إلى أنها شكلت قواطع لمنع نشوء تتابع  سكاني فلسطيني.

هذه المخططات أحيطت دائما بغشاء من السرية أحيانا والتورية أحيانا أخرى، على غرار استخدام مصطلح تطوير الجليل بدل تهويده، لكنهم لم يستطيعوا تغطية الشمس بغربال، كما يقولون، وأي قراء محايدة للمخططات العلنية مثل تاما 35 وغيرها من المخططات القطرية والمنطقية، يكشف بوضوح عن سياسة ممنهجة لتهويد الحيز وتقطيع أوصال الحضور الجغرافي الفلسطيني، مقابل وصل أطراف الجسم الاستيطاني وتعزيز وجوده، وليس أدل على ذلك من ما كشفته القناة العاشرة، أمس الثلاثاء، من جزء سري في تقرير مراقب الدولة الأخير، يتحدث عن قيام ما تسمى بدائرة أراضي اسرائيل بنقل 51 ألف دونم من سيطرتها إلى سيطرة 'الكيرن كييمت'، خوفا من أن تطالب القرى والمدن العربية التي تقع هذه الأراضي على تخومها بتوسيع مسطحاتها أو نفوذها باتجاه هذه الأراضي.

ما يسمى بـ 'دائرة اراضي اسرائيل' التي يفترض أنها تتولى الأراضي العامة المخصصة لجميع سكان الدولة، والتي يتم توزيعها استنادا إلى قاعدة 'الأقربون أولى بالمعروف'، والمقصود الأقربون جغرافيا من الأرض، تلك الدائرة قامت بنقل أراض عامة تقع في محيط قرى ومدن عربية إلى منظمة تعمل لصالح اليهود فقط، هي الكيرن كييمت، وذلك كي لا تفكر تلك القرى والمدن العربية بالمطالبة بالتوسع نحو تلك الأراضي لأن مثل هذا التوسع'يهدد' بنشوء تتابع جغرافي بين قرى ومدن عربية معينة الأمر الذي يزيد من نفوذها وحضورها في الحيز.

عملية النقل تلك تبقي على القواطع الطبيعية الفاصلة بين تلك البلدان، والتي تتألف من مناطق حرجية في المرحلة الراهنة قد تتحول إلى مستوطنات يهودية مستقبلا. والمثير أن عملية النقل تلك تمت بإيعاز من الحكومة الإسرائيلية التي كان يرأسها شامير في حينه، وفق ما رشح من تفاصيل حتى الآن، وربما تكون حكومة شامير بيرس الائتلافية.

 وما أقرب اليوم من الأمس وما أقرب الجليل من النقب، فهناك الدولة تنازلت عن أرض أخذتها من العرب لصالح منظمة يهودية لتبنى لليهود فقط، وهنا تأخذ الدولة أرض العرب وتخليهم منها لتعطيها لليهود وتسكنهم مكانهم، طبعا الدولة هي إسرائيل وليس نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا. 

التعليقات