16/03/2017 - 19:53

الصهيونية الدينية والصراع على هوية إسرائيل

اتساع قاعدة الصهيونية الدينية في المجتمع والجيش الإسرائيلي، وتعاظم نفوذها في المؤسسات المدنية والعسكرية، هي ظاهرة تثير قلق التيارات الصهيونية العلمانية، التي بدأت تشعر بأن البساط يسحب - ولو بشكل تدريجي - من تحت أقدامها، في ضوء تغلغل

الصهيونية الدينية والصراع على هوية إسرائيل

اتساع قاعدة الصهيونية الدينية في المجتمع والجيش الإسرائيلي، وتعاظم نفوذها في المؤسسات المدنية والعسكرية، هي ظاهرة تثير قلق التيارات الصهيونية العلمانية، التي بدأت تشعر بأن البساط يسحب - ولو بشكل تدريجي - من تحت أقدامها، في ضوء تغلغل "أصحاب القبعات المنسوجة"، في مختلف المؤسسات التربوية والقضائية والعسكرية، نحو الهيمنة الكاملة على مواقع القرار في الدولة العبرية.

وإن كان الموقف السياسي المرتبط بالموضوع الفلسطيني ما يزال هو المحور، الذي تنقسم حوله الساحة الإسرائيلية، ولذلك نرى شعار "أرض إسرائيل الكاملة" يجمع اليمين العلماني واليمين الديني واليمين الحريدي في مقلب واحد، فإن تململ التيار الصهيوني الديني وتبجحه، يتجاوز في بعض الأحيان قدرة احتمال بعض التيارات العلمانية، خاصة ممن يشاركونه نفس القاعدة السياسية، ما يهدد بانفجار صمام الأمان الذي كان يضبط الصراع الاجتماعي الثقافي على هوية المجتمع والدولة.

وليس من المستغرب أن تنفجر أحيانا، تلك التناقضات التي يجري لمها تحت جناح الهدف المشترك المتمثل بالاستمرار في الحكم، أولا، وتحقيق الغايات السياسية المشتركة لليمين الديني والعلماني على حد سواء ثانيا، إنها انفجارات مؤقتة ومحدودة بين نتنياهو وبينيت أحيانا، وبين ليبرمان وبينيت في أحيان أخرى، وهي عادة ما تحسم في النهاية لصالح تيار الصهيونية الدينية، كما كان الحال، في قانون التسوية، وفي قضية معاليه أدوميم، ومسألة التراجع عن حل الدولتين وفي غيرها من المواجهات، التي اندحر في بعضها نتنياهو بشكل مخجل أمام تيار الصهيونية الدينية حتى لقب بسخرية بـ"رئيس حكومة بينيت".

كما أن ليبرمان، وقيادة الجيش الإسرائيلي، تراجعوا صاغرين، في أكثر من مواجهة مع حاخامات الصهيونية الدينية، ما يثير العديد من التساؤلات التي قد نجد الجواب عليها في رد بينيت الشديد، على تهديدات ليبرمان، التي جاءت في سياق قضية الحاخام لفنشطاين.

استعرض بينيت قائمة من رموز الصهيونية الدينية في قيادة الجيش الإسرائيلي، في سبيل تذكير وزير الأمن أن الصهيونية الدينية انتزعت الراية، منذ زمن، وباتت هي من تتقدم مسيرة الجيش الإسرائيلي.

وفي نظرة على المعطيات الإحصائية، نرى ان أصحاب "القبعات المنسوجة" يحظون بنصيب كبير في سلسلة قيادة الوحدات الدنيا والمتوسطة في الوحدات القتالية، كما يحظون بنصيب كبير في وحدات النخبة، ووفقا لمعطى نشر عام 2007، فقد شكل المنتمون للتيار الصهيوني الديني، ما نسبته 40% من خريجي دورة الضبط في تلك السنة.

وتشكل الكليات الدينية العسكرية، التي أقيمت في السبعينيات، لاستيعاب أبناء تيار الصهيونية الدينية وإعدادهم للخدمة في الوحدات القتالية، تشكل اليوم درة تاج الصهيونية الدينية بعد أن باتت الخدمة العسكرية مركبا مؤسسا لشخصية الشاب الصهيوني المتدين الروحية والاجتماعية.

ويرى مراقبون أن التيار الصهيوني الديني في الجيش قد انتزع الراية من أبناء "الكيبوتسات"، الذين شكلوا على مدى عشرات السنين، المادة الأساسية لوحدات النخبة وقياداتها، وهو دور من شأنه أن ينسحب بالضرورة على المجتمع والكيان السياسي الإسرائيلي، ما يعني أن الصهيونية الدينية في طريقها لاحتلال مواقع القيادة العسكرية والسياسية في الدولة العبرية.  

ويبقى السؤال، هل يجري هذا التحول بصمت ودون توترات، تحت مبرر تغليب الموقف السياسي على الاجتماعي، وهل تسلم النخب القديمة الراية طوعا؟، كما يستدل حتى الان، من العلاقة التي تحكم أطراف حكومة نتنياهو، أم يمكن اعتبار تصريح ليبرمان، الذي اتهم فيه رئيس البيت اليهودي نفتالي بينيت، بالدفاع عمن يحاولون تحويل إسرائيل إلى دولة أصولية على غرار إيران، بمثابة الطلقة الأولى في المعركة.

بانتظار أن يوضع تهديد ليبرمان على المحك، بسحب الاعتراف من المعهد الديني العسكري في مستوطنة "عاليه"، في حال عدم استقالة الحاخام يغئال لفنشطاين، الذي سخر من انخراط الفتيات كمقاتلات في الجيش الإسرائيلي، وسبق ونسبت اليه تصريحات مناهضة للعلمانيين والليبراليين والمثليين وقيادة الجيش الإسرائيلي، وإلى أن يحدث ذلك، سيبقى جميع من ذكروا سالفا أجبن من ان يواجهوا بينيت.

التعليقات