06/04/2017 - 14:03

الحكم الذاتي كوسيلة لمعالجة القضايا القومية والثقافية

أعاد طرح د. سعيد زيداني، "الحكم الذاتي" بقالب جديد إلى الواجهة، طروحات ومقاربات من هذا القبيل كانت قد عولجت في حينه، عندما طرح شعار الحكم الذاتي من قبل د. سعيد زيداني ود. عزمي بشارة قبل ربع قرن من الزمن، إذ جرت مراجعة مقترحات حول الحكم ال

الحكم الذاتي كوسيلة لمعالجة القضايا القومية والثقافية

أعاد طرح د. سعيد زيداني، 'الحكم الذاتي' بقالب جديد إلى الواجهة، طروحات ومقاربات من هذا القبيل كانت قد عولجت في حينه، عندما طرح شعار الحكم الذاتي من قبل د. سعيد زيداني ود. عزمي بشارة قبل ربع قرن من الزمن، إذ جرت مراجعة مقترحات حول الحكم الذاتي، قام بطرحها باحثون إسرائيليون، أبرزهم د. سامي سموحة، والبروفيسور أرنون سوفر.

وكان د. سامي سموحة، أحد المختصين في رصد التطور الاجتماعي السياسي لدى العرب في إسرائيل، قد طرح الحكم الذاتي كخيار أمام السلطة، للتعامل مع العرب بعد الاعتراف بهم كأقلية قومية، وذلك ضمن ثلاثة خيارات، بينها دمجهم في حياة الدولة وإعطائهم حقوقا وفرصا متساوية أو فتح الخيارين أمامهم بشكل فردي، على غرار المتدينين الذين يمنحون موضوعيا، حق الاختيار بين الانكفاء في أطرهم الاجتماعية أو الاندماج في حياة الدولة العلمانية.

بينما جاء طرح الحكم الذاتي، لدى بروفيسور سوفر، وهو جغرافي يختص بالديمغرافيا وأحد مهندسي سياسة تهويد الجليل التي أفرزت إقامة مراكز مدنية يهودية في قلب التجمعات العربية، أبرزها نتسيرت عيليت وكرميئيل لإضعاف وزن الكتل السكانية العربية وتكريس تهميشها وإلحاقها بالمركز اليهودي، وهو مصمم مخطط المناطر والمجالس الإقليمية التي طالت مناطق نفوذها حدود مسطحات القرى والمدن العربية. جاء الحكم الذاتي لديه في سياق التلويح بخطر نشوء تتابع سكاني عربي من شأنه أن يؤدي إلى مطالبة السكان العرب بحكم ذاتي.

واليوم عندما يعاد طرح الفكرة مجددا من قبل د. سعيد زيداني، نجد أنفسنا ننبش في السجل الإسرائيلي، لنستحضر ما ورد مؤخرا من اقتراحات تندرج في هذا الباب، لوصل طرفي المعادلة ورفع الاستغراب من معاودة تجديد الطرح بقالبه الجديد.

الكاتبان كارلو شطرنجر وجاد يديد، قدما مقترحا لتقسيم إسرائيل إلى 12 منطقة حكم ذاتي، بينها منطقتين للعرب في الجليل والنقب ومنطقة للمتدينين اليهود تمتد من القدس إلى مدينة موديعين، وذلك في مقال جاء تحت عنوان 'لماذا دولتان فقط؟ – يمكن تقسيم إسرائيلي لمناطق حكم ذاتي أيضا'.

يقول الكاتبان إن دولة إسرائيل، فشلت خلال سبعة عقود في معالجة عدة قضايا شائكة، بينها القضية الفلسطينية و'الصراعات الثقافية' التي تهدد عصب وجودها، في إشارة إلى أنه رغم صغر حجمها، فإن إسرائيل ممزقة بين 'اسئلة هوية مصيرية'، تشكل حالة فوران دائم داخلها وتعارضات غير قابلة للجسر.

لقد فشل الحزب المؤسس 'مباي' ('العمل' لاحقا) في فرض منظومة إيديلوجية، ثقافية موحدة، وكان انقلاب 1977، كما يقول الكاتبان، إيذانا بفشل هذه السياسة، لذلك يقترحان حلولا على نسق ما هو موجود في الولايات المتحدة، سويسرا، الهند، وإسبانيا. ويرى الكاتبان أنه مثلما تنجح ولايات في الولايات المتحدة من احتواء 'حروب أميركا الثقافية' في المستوى القطري، ستنجح 'الألوية الثقافية' (مناطق الحكم الذاتي التي يقترحانها) في إسرائيل بخلق 'ستاتيكوو' أكثر احتمالا للعيش، ومثلما تمنح الكانتونات السويسرية حكما ذاتيا في مواضيع مثل التعليم، الصحة، والأحوال الشخصية، هكذا يجب ان تفعل تلك 'الألوية' في إسرائيل.

يقترح الكاتبان أربعة كانتونات رئيسية (12 كانتونا بالمجموع) تعكس ما سمياه بالفسيفساء الإثنية - الثقافية في إسرائيل، ويجري تقسيمها حسب الهويات القومية الجزئية الأكثر بروزا في الساحة، وتتوزع كالتالي: كانتون ديني أرثوذكسي، يمتد من القدس عبر بيت شيمش وموديعين وحتى بني براك، ويضم غالبية اليهود المتدينين ويمنحهم قدرا واسعا من الحكم الذاتي الثقافي، وهو يضم 1.6 مليون إنسان موزعين على مساحة 1.060 كم2 .

الكانتون الثاني هو كانتون تل أبيب الكبرى، والذي يضم لواء تل أبيب باستثناء بني براك وبيتح تكفا، ويضم 1.2 مليون نسمة ويمتد على مساحة 220 كم2 وهو يعبر عن الهوية العلمانية الليبرالية.

ويعتقد الكاتبان أن الفجوة بين العلمانيين والمتدينين آخذة في التعمق، مع وجود غالبية علمانية يجري طمسها وسط عملية تديين متعاظمة للدولة والمجتمع، قد يسمى ذلك انسحاب تكتيكي، خضوع للواقع إلا أن الحل هو تقسيم تحت قومي.

حكم ذاتي للعرب

ويشمل المقترح حكمًا ذاتيًا للعرب في إسرائيل، ينقسم إلى لواءين، الأول في وسط الجليل والثاني في شمال النقب، حيث يشير الكاتبان إلى أن العرب لا يجب أن يتحولوا إلى صهاينة للحصول على نصيب معقول من الموارد، وأن ترسيم لوائي الضواحي من شأنه أن يعالج الفجوات الإثنية الملحة، ويسقط عن جدول الأعمال خطة التهويد موقوتة الانفجار. ويرى الكاتبان أن ترسيم لوائي الشمال والجنوب مجددا، من شأنه أن يحقق هدفين يبدوان متناقضين ولكنهما متكاملين، الأول خلق تتابع كانتونات ذات أغلبية يهودية تمتد على طول البلاد والثاني حماية حقوق العرب على الأرض.

ويرى المقترح أن لواء الشمال، كان دائما ذا أغلبية عربية، وهي حقيقة لم تغب عن أنظار المخططين الذين يواصلون بسرور مشروع تهويد الجليل، ويرى أن هناك إمكانية لوقف هذا الظلم دون تعريض وحدة البلاد الجغرافية للخطر، وذلك بواسطة إقامة كانتون للعرب في وسط الجليل، يمتد من سخنين في الشمال وحتى الناصرة جنوبا، يضم نصف مليون إنسان ويمتد على مساحة 400 كم2. وسيسهل إقامة هذا الكانتون خلق هلال يبدأ من نهاريا عبر الجليل الأعلى، ويهبط نحو طبريا، ويمتد نحو جنوب غرب عن طريق مرج ابن عامر، الأمر الذي يمنع التواصل بين مركز الجليل (الكانتون العربي) ولبنان، سورية، الأردن والضفة الغربية.

وفي ما يتعلق بالنقب يقترح الكاتبان، إقامة لواء عربي يرتكز على منطقة 'السياج' التقليدي في المثلث الواصل بين بئر السبع، عراد وديمونا، بحيث يضم 90% من السكان العرب، أي حوالي 250 ألف نسمة على مساحة 400 كم وهي وحدة من شأنها أن توفر التخطيط والتطوير للمحيط البدوي الواقع تحت الظلم، على حد تعبير الكاتبين.

بهذا الشكل، يمكن ترسيم ثلاثة كانتونات يهودية ذات أغلبية يهودية حول الكانتون العربي في النقب، وهو تقسيم سيعزز، كما يقول الكاتبان، الأغلبية اليهودية في جميع الألوية المحاذية للحدود مع مصر والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة، ويخلق هلالا شبيها بهلال الجليل، علما أن تحقيق ذلك الهدف، لا يتم عبر تعزيز جهود تهويد النقب، بل من خلال ترسيم لواء يشتم على أغلبية عربية.

المقترح يرى أن تتمتع الكانتونات الـ12 بصلاحية قانونية في مجالات الأراضي والثقافة والصحة والتعليم والبيئة والمواصلات، وهو إصلاح يمكنه تعويض مركزية السلطة السياسية في المستوى القومي، حيث سيبقى على غرار هولندا وجنوب أفريقيا وكندا وأستراليا حكومة مركزية قوية وبرلمان وطني، في حين يجري تعديل طريقة الانتخابات بحيث تشمل تمثيل إقليمي أيضا، إضافة إلى التمثيل المباشر.

من جهتنا، نقوم بعرض المقترح لغايتين، الأولى لتأكيد أن أطروحات الحكم الذاتي الثقافي والإقليمي لا تقتصر على الباحثين والسياسيين العرب فقط، وهو جواب للذين يحاولون إسباغ صفة 'التطرف' على مثل هذه المقترحات ونزع الشرعية عنها، والثانية هي المساهمة في إيصال هذه الأفكار للجمهور، خصوصًا وأنها لا تحظى بشعبية ورواج كافٍ بسبب استثنائيتها، وذلك بهدف تعزيز الاجتهادات السياسية المرتبطة بمعالجة قضية الفلسطينيين في الداخل بصفتها الجذر الأساس للقضية الفلسطينية.

وبما يتعلق بالمقترح المذكور، فهو يعاني الكثير من القصور البنيوي، كونه ينطلق على ما يبدو من ذات العقلية الصهيونية المسكونة بالهاجس الديمغرافي، حيث يحاول تكريس الأغلبية اليهودية في سائر مناطق البلاد بواسطة عزل العرب في كانتونين، واحد في الجليل مساحته 400 ألف كم2 ويحوي 472 ألف مواطن عربي والثاني في النقب ومساحته 600 ألف ويحوي 240 ألف مواطن عربي، ما يعني أن نصيب العرب هو ألف كم2 من مجموع 22 ألف  كم2 هي مساحة البلاد من دون الضفة وغزة، ناهيك عن أن نصف مليون عربي سيبقون خارج الكانتونين العربيين.

بموازاة ذلك، يحاول المقترح معالجة ما يسميه بـ'الصراعات الثقافية' بعزل اليهود المتدينين أيضا، في كانتون واحد على مساحة ألف كم2 يسكنها 1.6 مليون نسمة، هذا ناهيك عن أنه لا يوفر أي تواصل جغرافي بين الكانتونات العربية في حين يحافظ على هذا التواصل الجغرافي بين الكانتونات اليهودية.

ولكن رغم التحفظات آنفة الذكر، فإن القاعدة النظرية المشتركة لفكرة الحكم الذاتي في كونها، بلسان سعيد زيداني، وليدة مشروع أو مبدأ المساواة التامة في الحقوق في إطار الدولة الديمقراطية الواحدة. وهي ليست تعبيرًا عن نزعة انفصالية أو انعزالية. كما أن التجارب العملية التي تستوحيها، تدور حول دول ديمقراطية ليبرالية على غرار كندا وسويسر وإسبانيا.

التعليقات