31/07/2017 - 14:32

ليلة تلقى المقدسيون أمرَ استدعاء فوري

بعد يوم منهكٍ من تغطية الأحداث في مدينة القدس المحتلة، اقتربت الساعة من منتصف الليل، يوم الإثنين 24.07.17، بدّلت ملابسي تجهيزًا للنوم لشحن طاقات جديدة ليوم معركة آخر في بيت المقدس، حيث المرابطون وأرض الرباط.

ليلة تلقى المقدسيون أمرَ استدعاء فوري

بعد يوم منهكٍ من تغطية الأحداث في مدينة القدس المحتلة، اقتربت الساعة من منتصف الليل، يوم الإثنين 24.07.17، بدّلت ملابسي تجهيزًا للنوم لشحن طاقات جديدة ليوم معركة آخر في بيت المقدس، حيث المرابطون وأرض الرباط.

وعند دخولي الغرفة في الفندق المحاذي لباب الساهرة المؤدي للمسجد الأقصى، ورد نبأ أن جرافات ترافقها قوات كبيرة من شرطة الاحتلال ومهندسون شرعوا بتنفيذ أعمال، لم تعرف ماهيتها فورًا، عند باب الأسباط، أغلقتُ الهاتف ولم أبالِ النبأ الوارد، حتى جاء النداء من المساجد.

كنت أتوقع أن الصوت سببه اقتراب صلاة الفجر، إلا أن نظرة خاطفة إلى الساعة فنّدت ذلك، واستمرت النداءات من المساجد وصدحت في ردهات المكان ودوت، كان هذا نداء النفير ونداء الاعتصام والجهاد والاعتراك، أو ما يسمى أمر استدعاء طارئ لأهالي القدس العربية، كالذي تصدره الجيوش في حالات الحرب والطوارئ.

لملمت أغراضي بعد أن قضت النداءات مضجعي، ولمست أن أمرا غريبا يدور في الفضاء الخارجي، خرجت هارعا من باب الساهرة إلى باب الأسباط حيث التوافد، كنت أتوقع ان أكون وبعض من الشباب الهواة، التي لم تربطهم دراسة ولا عمل في مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل.

إلا أن هذه الأفكار سرعان تبددت مع كل خطوة كنت أخطوها، إذ رأيت العشرات من الشبان الهرعين الفزعين، يلبون نداء الأقصى دون خوف أو وجل، منهم من كان غاطا في نومه، ومنهم من أنهكته القنابل الصوتية والرصاص المطاطي، المقدسي وحده، أعد العدة وخرج إلى باب الأسباط، حاملا حب الأقصى في قلبه وهو على علمٍ أنه قد يصاب أو يعتقل أو يكون شهيدا.

في هذه الليلة أصيب العشرات من الشبان واعتقل بعضهم، بعد قمع قوات الشرطة التي شنت هجمة شرسة كانت الأعنف من بين الأيام التي سبقتها، باستعمال القنابل الصوتية والرصاص المطاطي والهراوات بصورة مفرطة وكثيفة وكأنها انتقام دموي.

أبرقت هذه الهبة في تلك الليلة رسالة إلى قوات الاحتلال مفادها أن المعركة لم تنتهِ بإزالة البوابات الإلكترونية، وأن الاعتصام لن ينتهي حتى يرجع الأقصى كما كان عليه قبل تاريخ 14.07.17.

تلبية هذا النداء بهذه السرعة جعلتني التفت شمالا ويمينا، وأتساءل، أين الجمع المصلي الذي كان قبل ساعات؟ وحين تمعنت، لم أجد أحدا إلا المقدسي في ساحة المعركة، بين القنابل الصوتية والمسيلة للدموع، يراوغ الرصاص المطاطي، وكل ذلك حبا للأقصى.

ذلك المسجد الذي يعتبره المقدسي جنته الشخصية فضلا عن الشعائر الدينية، حيث يفر من واقع الاحتلال والتفتيش، والضرب والقهر المهين، إلى باحاته التي تمتلئ بالسكينة والهدوء، حتى أيقن الشاب المقدسي لربما ما لم يوقنه أجداده، أن الأقصى هو الورقة الأخيرة في سقوط الشعب الفلسطيني كله تحت سطوة الاحتلال، إذا ما سقطت، فعلى فلسطين السلام.

رأيت في عيون هؤلاء الشباب بوادر جيل جديد واعٍ مناضل ومكافح، يمتلكونَ من القوةِ ما يخيف دولاً عظمى. ما يجعل من القنابل الصوتية والرصاصِ المطاطي، وحتى الأسلحة الحية أضحوكة هزلية أمام صمودهم ونضالهم.

* مراسل "عرب 48"، تواجد طوال أسبوعين كاملين لتغطية احداث الأقصى منذ الإغلاق حتى إعادة فتح أبواب الحرم 

التعليقات